أفغانستان والفندق الدولي

03 فبراير 2022
+ الخط -

في إحدى المقابلات الحوارية بين المذيع عمار تقي والدكتورعبد الله النفيسي، سأل المذيع الدكتور عن رأيه في ما يعرف بالنظام الدولي..

فكانت الإجابة الفريدة من الدكتور المخضرم الضليع بالسياسة وعلومها أن شبه النظام الدولي بالفندق وشبه ما يسميه بدول المركز ممثلةً بالولايات المتحدة والاتحاد الأوربي باستقبال وإدارة الفندق الـ"Reception"، أما النزلاء فهم بقية دول العالم!! والتي عليها الالتزام بقوانين وتعليمات وإرشادات إدارة الفندق!

فكل دولة في إطار النظام الدولي بمثابة غرفة في ذلك الفندق الكبير، وإن عيرت إحدى الدول الكبيرة شقيقتها الصغيرة وافتخرت عليها بحجمها أوعددها وعديدها فذلك لا يعني أنها لا تخضع لقوانين وتعليمات الفندق، كل ما في الأمر أنها تتفاخر بكونها جناحا أو "suite"! في الفندق، بينما الدولة الصغيرة قد تكون غرفة صغيرة أو غرفة ممتازة "super deluxe room"، ولكن الجميع في نهاية المطاف نزلاء في الفندق ذاته!! ولا يملكون إلا الانصياع لإرشادات وتعليمات الفندق.

ثم استطرد الدكتور بعد هذا التصوير البليغ، مبينا العواقب الوخيمة التي قد تنتج عن عدم التزام غرفة من الغرف بتلك التعليمات والإرشادات، فقد تكون العقوبة قطع الكهرباء عن الغرفة، وإذا استمرت الغرفة بالتمرد صارت غرفة مارقة، وستضطر الإدارة لإغلاق نظام الصرف الصحي عن الغرفة وتتسبب بهلاك الغرفة وقاطنيها!

كل ما هو مطلوب من طالبان هو توسيعها لدائرة الاختيار بين الآراء المختلفة في المذاهب الفقهيه المعتبرة، وعدم التضييق على نفسها وشعبها

إلى هنا انتهى التصوير البليغ، والذي أراه أصاب كبد الحقيقة واضعاً إياها بصورة خيالية معبرة، مؤلمة! لكنها صادقة!

فإدارة الفندق الكبير تتحكم فيه وتملك جميع أدواته، فهي التي سنت أنظمته وقوانينه وأرست مبادئ قبول النزيل فيه! وهي التي رسمت خرائط غرفه وحدت حدودها، فجعلت منها الصغيرة والمتوسطة إضافة إلى بعض الأجنحة الكبيرة هنا وهناك! ثم أنشأت الإدارة كيانات تخدم الفندق الكبير وتعمل في إطاره، هدف هذه الكيانات وظيفي ويحقق المصلحة العليا لإدارة الفندق، ولا يسع نزلاء الغرف إلا التعامل مع هذه الكيانات الوظيفية وفقاً لأنظمتها، حتى لو بدت للنزلاء مجحفة وغير منصفة في كثير من الأحيان!

والآن دعونا نرى كيف سيتعامل النزيل الجديد في أفغانستان مع الفندق الدولي، وكيف ستتعامل إدارة الفندق مع هذا الضيف الثقيل!

في الواقع لا توجد خيارات متاحة أمام حكومة طالبان، فجميع نزلاء الفندق خاضعون لإدارته خضوعاً تاماً وليسوا على استعداد للمغامرة بمد يد العون للنزيل الجديد دون ضوء أخضر من إدارة الفندق، حتى النزلاء الكبار لن يتمكنوا من التعامل مع النزيل الجديد إلا عبر قنوات وأجهزة الفندق -النظام الدولي- فهم لم يجرؤوا حتى الآن على التمرد والخروج على إدارة الفندق..

فعلى سبيل المثال لم يتمكنوا من إنشاء فندق موازٍ على غرار الفندق القائم، يكسر احتكار الفندق الدولي الكبير! إذاً لا تملك أفغانستان ممثلة بحكومة طالبان إلا أن تتمتع بقدر من البراغماتية يسمح لها على أقل تقدير بالخروج من الغرفة والتنفس في بهو الفندق!!

لحسن الحظ حكومة طالبان صقلتها السنون وباتت تتمتع بخبرة سياسية لم تكن تتمع بها قبل عشرين عاما، والحمد لله فإن في "شريعتنا الإسلامية" من المرونة ما يسع حركة طالبان ويرفع عنها الحرج عند اضطرارها للتعامل مع إدارة الفندق.

كل ما هو مطلوب من طالبان هو توسيعها لدائرة الاختيار بين الآراء المختلفة في المذاهب الفقهيه المعتبرة، وعدم التضييق على نفسها وشعبها في فقه سياسة الدولة بتبني مذهب متشدد أو بعض الآراء التي قد لا تسمح لها بالتعايش مع الوضع الحالي الصعب. فعلى طالبان ألا تُوجِد المبرر لأعدائها للتضييق عليها، وتشويه سمعتها والنيل منها..

فإدارة الفندق بسوء نية، ويتبعها في تلك النية السيئة للأسف بعض الكارهين لطالبان في عالمنا العربي والإسلامي، يتحينون الفرص للنيل من طالبان لأتفه الأسباب، لذا ونظرا لعدم وجود فندق بديل في الوقت الحالي ولكون الإقامة في هذا الفندق جبرية، فلا بد لأفغانستان من براغماتية!

دلالات