أبو قاسم حليف أديسون

03 اغسطس 2018
+ الخط -
في سهرة ضمت لفيفاً من الأصدقاء، تحدث الأستاذ كمال عن شخصية المرحوم "أبو قاسم" الذي كان مولعاً بالاختراعات إلى درجة لا تُصَدَّق. وبما أننا نعرف أبا قاسم، فقد أدلى كل منا بدلوه حول شخصيته، وكنا نختم كلامنا بالرحمة على روحه.

كان أبو قاسم يستغرب زعمَ بعض الناس بأنهم يعرفون مَنْ سيدخل إلى الجنة، وَمن سيدخل إلى النار. ويقول: كيف يعرفون ذلك وهم ليسوا أنبياء وليسوا موكلين من الله تعالى بفرز الناس بين جنته وناره؟

كان أبو قاسم يحب مجالستنا مع العلم أنه أكبر منا بعشرين سنة على الأقل، ويأتي من صلاة العشاء إلى حيث نسهر، وبمجرد ما يدخل، يسلم علينا، ويوجه إلينا سؤالاً له علاقة بالاختراعات، يسألنا، مثلاً: مين اللي اخترع لمبة الكهربا يا شباب؟

يذكر له أحدُ الحاضرين اسم المخترع "توماس أديسون"، فيتابع أسئلته بطريقة الرمي رشاً، فيقول:
- هذا أديسون مسيحي؟ مو؟ أرسوذكسي أم كاثوليكي؟ أم بروتستانتي؟ هل صحيح أنه أسلم؟ لا أظن أنه أسلم. وحتى لو أسلم. السؤال: هل من الضروري أن يكون مسلماً حتى يدخل الجنة؟ أليس ربنا خالقُ الخلق كريماً وعادلاً؟ بلى، طبعاً، فإذا اهتدى واحدٌ من خلقه إلى اختراع، وهذا الاختراع نَوَّرَ على الناس طرقاتهم وبيوتهم، هل يعقل ألا يكافئه؟ هذا أديسون رجل رائع، اخترع اللمبة.


ويضحك ويقول: ليش الشباب في حلب يقولون: يامو ع اللمبة! يبدو أن أهل حلب مثلي، يحبون الإضاءة ويكرهون العتمة.

ويرفع يده ليمنعنا من التعليق ويستأنف قائلاً:
- أنا أريد أن أسألكم سؤالاً، إذا كان أبي مسلماً، وأمي مسلمة، هل يمكن أن أولد وأنا مسيحي؟
ينتظر لحظة ويسأل بإلحاح: ليش ما تردون علي؟
نقول له: طبعاً ستكون مسلماً.
فيقول: يعني أنا صرت مسلماً من دون ما أقدم أي جهد. فهل يعقل أن يكافئني الله تعالى على شيء لم أفعله؟ هل تعرفون ماذا قال عمر بن الخطاب في موضوع الحرية؟ قال: متى استعبدتم (المسلمين) وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟
صححنا له قائلين: يا أبو قاسم، عمر بن الخطاب قال متى استعبدتم (الناس) وليس (المسلمين)..
فيقول: عليكم نور، يعني سيدنا عمر لم تكن لديه مشكلة مع الناس الآخرين، ولا يقبل باستعبادهم، أو الكلام عليهم بسوء.

حينما وصلنا بالحديث عن أبي قاسم هذه النقطة قال أبو علاء:
- ممكن أعرف ما هي مناسبة هذا الحديث؟
قال الأستاذ كمال: مناسبته أن بعض الناس المحسوبين على الثورة، الآن، في القرن 21، يصبحون فجأة علماء دين، ويفتون بعدم جواز الترحم على أي إنسان يموت إذا لم يكن مسلماً، حتى ولو كان ثائراً ومعادياً للنظام الديكتاتوري الفاشستي. وهذا ظلم كبير يُرْتَكَب بحق (الناس) في سورية.

علق أبو الجود قائلاً: يا شباب إن سورية تتعرض لحرب ماحقة بقيادة تحالف مؤلف من ابن حافظ الأسد وحزب الله والروس والإيرانيين ومن الجهة الأخرى تشارك معهم القوى الظلامية. ولو كان صديقنا أبو قاسم حياً لقال إن هؤلاء الفاشستيين يريدون أن يستعبدوا (الناس) الذين ولدتهم أمهاتهم أحراراً.. وهؤلاء الثوار على الظلم مثل أديسون ينيرون الطريق على الناس، ويستحقون رحمة مضاعفة.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...