7:15 صباحاً

04 مارس 2015
صباح الخير...
+ الخط -

ينهض الرجل العجوز عن كرسيه ويلوّح بيده للمركبات التي تمرّ بطيئة، في زحمة السير اليوميّة. أمام شركة السيارات تلك في إحدى ضواحي بيروت، اعتاد العجوز الأمرَ منذ نحو عامَين. واعتادت المرأة أن تردّ له التحيّة، وهي في طريقها إلى عملها. من المرجّح أنه لا يراها. لكنها تُخبر سائقها الجديد بأن زوجها كان يصرّ على ذلك. واليوم بعد وفاة الأخير، تستكمل هي الروتين.

والعجوز المتأنق دائماً، ليس متسوّلاً بالتأكيد. قد يكون موظّفاً قديماً في الشركة، وبدافعٍ إنسانيّ سُمح له بالوقوف ابتداءً من السادسة والنصف صباحاً أمام المؤسسة حيث كان يؤمّن لقمة عيشه في ما مضى، ليمارس "طقسه" ذاك. أو قد يكون والد أحد المديرين، وهو لا يرغب بكسر خاطره بعدما أصابه الخرف وقد تقدّم في السنّ.

**

بضفيرتها ونظارتَيها السميكتَين، تقف تلك التلميذة عند الجهة المقابلة لمدرستها، في أحد شوارع بيروت الداخليّة. على ظهرها، تحمل حقيبة ضخمة تحني بثقلها كتفَيها، وبيدها أخرى لحاسوبها المحمول. فالإدارة اتخذت قراراً في بداية العام الجاري، بتدريب تلميذاتها على النظام الإلكتروني.

شقيقتها سبقتها واجتازت الطريق. أما هي فتتردّد. يخفّف أحد السائقين سرعة سيارته، قبل أن يتوقّف إفساحاً في المجال أمام الصغيرة حتى تلحق بأختها. فترتبك الفتاة التي لم تتجاوز الحادية عشرة من عمرها، وهي تتّجه بخطى متثاقلة صوب مدخل المدرسة. ما يعوّق حركتها ليس حقيبتَيها ولا مطرة المياه التي علّقتها حول عنقها. هي تريد تأجيل لقائها بهؤلاء الفتيات قدر المستطاع. هنّ لا يتوقّفن عن الاستهزاء بنظارتَيها وينادينها "أم عوينات".

**

عند البوابة الخلفيّة لمدرسة الفتيان في ذلك الحيّ الشعبيّ، تقف "مدام حنان". تصبّح الأهالي وتتمنّى لهم يوماً سعيداً، بابتسامة لم تتغيّر منذ عقود. بالقرب منها تلعب حفيداتها الثلاث. هنّ اعتدن المرور يومياً بجدتهنّ لوالدتهنّ، قبل ذهابهنّ إلى مدرستهنّ المجاورة. فهنّ يحضرن لها منقوشة الزعتر التي تحبّ، وهي بدورها تكون قد جهّزت لهنّ حصصهنّ من السكاكر.

"مدام حنان" تعمل هنا منذ أربعين عاماً. أبناء هذا الحيّ البيروتي ومحيطه يعرفونها جيداً. هم بمعظمهم قصدوا هذه المدرسة، وفي مرّات عديدة التجأ إليها بعض الأشقياء منهم بعدما شهدت على هروبهم. في ما مضى، كانت هذه المرأة الستينيّة عاملة التنظيفات هنا. واليوم وقد ثقلت همّتها، كلّفتها المديرة مراقبة البوابة الخلفيّة في الصباح وعند انتهاء الدوام. فقطع الأرزاق حرام.
دلالات
المساهمون