الدمار الذي لحق بالموصل، مختلف عن أي دمار لحق بمدينة عراقية أخرى، بسبب انتشار الخراب في كل زاوية من زوايا المدينة، التي شهدت واحدة من أعنف المعارك بين مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والقوات العراقية المشتركة مدعومة بالتحالف الدولي.
في هذا السياق، كشفت تقارير أولية، يوم الاثنين، عن ارتفاع حجم الدمار في المدينة إلى أكثر من 60 في المائة، وطاول نحو 80 في المائة من بعض البنى التحتية، كالجسور ومحطات المياه والكهرباء والمواصلات والمستشفيات ومباني الدولة.
في المقابل، فإن أعداداً كبيرة من الضحايا المدنيين، ما زالوا تحت الأنقاض. وذكرت مصادر محلية داخل الموصل وخارجها، أنه "سقط منذ انطلاقة المعركة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أكثر من 16 ألف قتيل وجريح حتى الآن". ودفعت رائحة الجثث النقيب فراس علي ورفاقه إلى وضع كمامات على أنوفهم خلال القتال.
وأشار علي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الرائحة تعود بمعظمها لجثث مدنيين تحت الأنقاض. عدد جثث أفراد داعش قليل، ونقوم بجمعها ونقلها إلى منطقة محددة مسبقاً للتعرف على هوياتهم". وأضاف أن "المدينة لن تتعافى قبل 50 عاماً، بسبب استخدام القوة المفرطة في القصف الأميركي". وتابع "أنا حزين جداً على الموصل، فهي مدينة قديمة وموغلة بالقدم، وفي كل مكان تجد ما يذكرك بالتاريخ قبل الإسلام وبعده. حتى أننا وجدنا مخطوطة قديمة جداً للإنجيل، سلّمناها إلى قيادة العمليات المشتركة". أما أحد سكان الموصل، ياسين العمر، فاعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "وقعنا بين (رئيس الوزراء السابق نوري) المالكي وداعش، وهما سبب ما نحن فيه اليوم". وأضاف "لم نعد نسأل عن حال المدينة بل عن حال من فشل في الهرب مثلنا". كما شدّد ضابط استخبارات الفرقة السادسة العقيد ماجد حسين، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، على أنه "سنعتقل أي شخص تعامل أو تعاون مع داعش في الموصل طيلة السنوات الماضية".
بدوره، كشف أحد الذين أطلق سراحهم بعد التحقيق معهم، وهو ليث العكيدي، لـ"العربي الجديد"، أنه "خرج من التحقيق بأعجوبة بعد تعرّضي للضرب والإهانات من الجنود والمحققين. لن أبقى بالعراق دقيقة واحدة بعد الآن، فالبلاد لم تعد ملكاً لأهلها".
في بغداد، كشفت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، عن تقرير أولي سُلّم للحكومة أظهر "وجود خراب في قطاع الصحة، خصوصاً تدمير مستشفيات المدينة الستة بالكامل، فضلاً عن 32 مركزاً صحياً حكومياً. كما تمّ تدمير خمسة جسور على دجلة وثلاثة أخرى في الجانب الأيمن للمدينة، ونحو 55 في المائة من طرق المدينة، بما فيها شبكات تصريف المياه. وطاول الدمار قطاع الاتصالات في الموصل وثلاث محطات كهرباء وسبع محطات للمياه ونحو 200 مدرسة وخمسة معاهد. كما تضررت جامعة الموصل وكلياتها وغالبية المباني الحكومية الخدمية، وآلاف المنازل".
بدوره، كشف عضو لجنة إغاثة الموصل الحكومية، أحمد عز الدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المدينة ستحتاج إلى جهود دولية لإعادة إعمارها". أما قائممقام مدينة الموصل حسين الحاجم، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فرأى أن "الدمار في المدينة كبير وصادم، وقد خرجت أغلب الدوائر الخدمية عن الخدمة بسبب العمليات العسكرية". وأوضح أن "نسبة الدمار في المؤسسات الحكومية وصلت إلى 80 في المائة في الموصل، بسبب قيام داعش باستغلالها خلال المعارك وتدميرها، فضلاً عن تعرّضها لغارات طيران التحالف الدولي". ودعا الحاجم الحكومة والمنظمات الدولية لتقديم المساعدات والدعم الكافي للحكومة المحلية في محافظة نينوى لإعادة إعمار المدينة وتأهيل الدوائر الخدمية الضرورية.
ميدانياً، أعلن قائد العمليات المشتركة في مدينة الموصل، الفريق عبد الأمير يار الله، أن "قواته تمكنت من استعادة حي النفط، الذي يقع وسط الجانب الغربي للمدينة، مع اقتحام حي الموظفين بعد كسر حواجز الصد لداعش". وواصلت القوات الأمنية، من ثلاثة محاور، تقدّمها نحو مناطق في وسط الجانب الغربي للموصل، مع اقتراب المعارك من منطقة الموصل القديمة والجسر القديم، ثالث جسور المدينة الرابط بين قسمها الشرقي وقسمها الغربي.
وأفادت مصادر عسكرية لـ"العربي الجديد"، بأن "قوات مكافحة الإرهاب ما زالت تحاول، منذ يوم السبت الماضي، استعادة حي الموصل الجديدة من سيطرة التنظيم، لكنها لم تنجح حتى الآن في استعادته بالكامل، رغم تمكنها من إحراز بعض التقدم في الحي أخيراً".
في محور آخر، واصلت قوات الرد السريع والشرطة الاتحادية محاولاتها للسيطرة على منطقة باب الطوب، الواقعة بجوار الموصل القديمة. وأفاد العقيد محمد فاضل، من قوات الشرطة الاتحادية، لـ"العربي الجديد"، بأن "قوات الرد السريع والشرطة الاتحادية تحاول منذ نحو أربعة أيام استعادة كامل السيطرة على حي باب الطوب". وأضاف أن "هذه القوات لم تتمكن حتى الآن من استعادة الحي، رغم الدعم الجوي الكبير الذي قدمته طائرات التحالف في الأيام الماضية، وقيامها باستهداف مواقع عديدة في الحي كان يتواجد فيها مقاتلو تنظيم داعش".
وأشارت مصادر عسكرية مطّلعة إلى أن "انتشار أعداد كبيرة من القنّاصين على أسطح المباني يحول دون إمكانية استعادة الحي من قبل القوات التي اضطرت إلى الانسحاب من مناطق وصلت إليها أخيراً بسبب تعرّضها لخسائر كبيرة".
من جانب آخر، كشفت مصادر محلية في الموصل أن "تنظيم داعش أجبر سكان منطقة شارع خالد بن الوليد، وسط الموصل، على ترك منازلهم وخلع أبوابها، فاتحاً ممرات في ما بينها للسماح لعناصره بالتنقل والتحرك بسهولة بين منازل المنطقة خلال صدهم لتقدم القوات الأمنية".
في غضون ذلك، واصلت آلاف الأسر نزوحها من غرب الموصل، بسبب المعارك التي تشهدها الأحياء السكنية في مناطق باب الطوب والنفط ودور الموظفين. ونتيجة لتفاقم أزمة النازحين في الموصل، فقد عقدت الحكومة اجتماعاً طارئاً لمناقشة ملف نازحي الموصل، وأعلن مكتب رئيسها حيدر العبادي، في بيان، أن "العبادي صادق على توصيات الاجتماع الطارئ، الذي دعا إلى دعم نازحي الجانب الأيمن للموصل وإيصال المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب إلى المناطق التي استعادتها القوات العراقية". وأضاف البيان أن "التوصيات تضمنت توفير باصات إضافية لنقل وإجلاء النازحين وزيادة أعداد المدققين وإكمال الخدمات في المخيمات الحالية وسد النواقص منها فوراً، وبالتنسيق مع القيادات العسكرية المتواجدة في تلك المناطق".
وجاءت هذه التوصيات بعد دعوة أطلقها العبادي قبل أيام دعا فيها القوات العراقية في مناطق غربي الموصل إلى تشجيع الأهالي على البقاء في منازلهم، لمواجهة الأعداد الكبيرة والمتصاعدة في أرقام النازحين والتي وصلت إلى مائة ألف نازح، بحسب وزارة الهجرة العراقية.