في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وقعت الأطراف اليمنية المعنيّة على مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وآليتها التنفيذية الأممية، وبمقتضاها، نقل علي عبدالله صالح، صلاحياته إلى نائبه آنذاك (هادي)، والذي أصبح الرئيس لاحقاً.
وبناء على اتفاق المبادرة الخليجية، وفي الـ21 من فبراير/شباط، أُجريت انتخابات رئاسية غير تنافسية، أقرب إلى استفتاء، اختار خلالها ما يقرب من ستة ملايين يمني عبد ربه منصور هادي رئيساً توافقياً لليمن، بدعم من مختلف القوى الموقعة على اتفاق التسوية، وفي الـ27 من الشهر نفسه، تسلم هادي السلطة من صالح، بحفل رمزي في مقر الرئاسة اليمنية.
وعقب تسلمه السلطة، كانت أولى المحطات والتحديات الماثلة أمام هادي تتجسّد في تفكيك مراكز القوى، وإبعاد أقارب صالح من على رأس أبرز الأجهزة الأمنية والعسكرية في البلاد، ومنهم اللواء محمد صالح الأحمر من قيادة القوات الجوية، وغيره من أفراد أسرة صالح وأقاربه، وصولاً إلى نجله الأكبر، أحمد علي صالح، الذي أزيح عن قيادة الحرس الجمهوري، بالترافق مع ترتيبات لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية، ألغيت موجبها مسميات "الحرس الجمهوري"، وكذلك "الفرقة الأولى مدرع"، التي كانت بقيادة علي محسن الأحمر، وكان من أبرز رجال النظام السابق، لكنه انشق خلال عام 2011 وأعلن تأييد الثورة.
المحطة الثانية والأهم في المرحلة الانتقالية، كانت انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي بدأ أعماله في صنعاء في الـ18 من مارس/آذار 2013، بمشاركة 565 عضواً، ليناقش مختلف قضايا البلاد المصيرية، بما فيها إطلاق دستور جديد في البلاد. اختتم المؤتمر أعماله في يناير/كانون الثاني 2014، بأكثر من ألفي بنداً توزعت ما بين مقررات وتوصيات يفترض استيعابها في الدستور الجديد.
ومن أبرز المخرجات؛ إقرار تحويل البلاد من نظام الدولة البسيطة إلى النظام الاتحادي (الفيدرالي)، لتصبح دولة اتحادية مؤلفة من ستة أقاليم، والتمديد لهادي، إلى حين إنجاز مسودة الدستور الجديد، وإجراء انتخابات، بعد أن كان من المقرر أن تنتهي فترته الرئاسية خلال عامين.
أبرز محطة كانت في عام 2014، حين توسع الحوثيون، الذين كانوا يسيطرون على صعدة اليمنية (أقصى الشمال)، نحو العاصمة صنعاء، حيث سيطروا على عمران (شمال العاصمة) في يوليو/تموز. وفي الـ21 من سبتمبر/أيلول من العام نفسه، بدأ الحدث الذي انهارت تقريباً معه العملية الانتقالية ومهد للحرب الشاملة، إذا اجتاح الحوثيون، بالتحالف مع الموالين لعلي عبدالله صالح، العاصمة، وسيطروا على أبرز مؤسساتها، وفي اليوم نفسه جرى توقيع ما سُمي "اتفاق السلم والشراكة"، الذي استجاب لمطالب الحوثيين، وأطاح بحكومة الوفاق الوطني، برئاسة محمد سالم باسندوة.
في أعقاب ذلك، كان القرار قد آل في صنعاء إلى الحوثيين، بدرجة أو بأخرى، وقد جرى تشكيل ما سُمي بـ"حكومة الكفاءات" في نوفمبر/تشرين الثاني 2014. وفي يناير/كانون الثاني 2015 بدأ الحوثيون بالإجهاز على ما تبقى لهادي باقتحام مقر الرئاسة ومحاصرة منزله، ما اضطره لإعلان استقالته، في الـ22 من يناير، ومعه خالد بحاح، رئيس ما سُمي بـ"حكومة الكفاءات".
في السادس من فبراير/شباط، أصدر الحوثيون ما سمي بـ"الإعلان الدستوري" الذي حلّوا بموجبه مؤسسات الدولة، ونصّبوا ما سُمي بـ"اللجنة الثورية العليا" سلطة في البلاد. وفي الـ21 من فبراير (الذكرى الثالثة لانتخابه)، فوجئ اليمنيون، بأن الرئيس الذي استقال في يناير/كانون الثاني تمكن من الإفلات من الإقامة الجبرية، وغادر صنعاء إلى عدن، ليعلن التراجع عن الاستقالة، ويصف صنعاء بالعاصمة المحتلة من الحوثيين.
منتصف مارس/آذار، بدأ الحوثيون وحلفاؤهم بالزحف نحو عدن، لإكمال الانقلاب على الرئيس اليمني. ومع اقترابهم من المحافظة الجنوبية، طالب هادي بتدخل عسكري خارجي لردع الحوثيين "الانقلابيين"، وهو ما تم التجاوب معه، بتدشين السعودية وحلفائها، ما سُمي بـ"عاصفة الحزم" في الـ26 من مارس/آذار، فيما انتقل هادي توازياً إلى السعودية، في رحلة "مغامرة" بدأت عدن إلى حدود سلطنة عُمان، شرقاً، قبل أن يصل إلى الرياض، وفق ما أفادت به مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد".
خلال السنوات الأخيرة، تراجعت سلطة الرئيس اليمني بحكم فقدانه السيطرة على مناطق واسعة في البلاد، بما فيها العاصمة صنعاء، لكنه بقي في كل الأحوال، معتمداً على الدعم الخارجي، له، وتحديداً من التحالف العربي، الذي برر تدخله العسكري بـ"دعم الشرعية".
ومع ذلك، فإن التحالف العربي ومنذ ما يقرب من عام، لم يظهر حرصاً على دعم إعادة الرئيس اليمني ليمارس مهامه من بلاده. وعوضاً عن ذلك، دعمت الإمارات، كعضو في التحالف تأسيس "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المطالب بالانفصال في عدن، في مايو/أيار2017، وكان تأسيسه بمثابة خطوة ساهمت بإضعاف سلطة الرئيس مزيداً، في المناطق الجنوبية، في ظل استمرار الحوثيين بالسيطرة على صنعاء.
بعد ست سنوات، يمكن الإشارة إلى مقدمة تقرير الخبراء المقدم إلى مجلس الأمن، والذي نُشر الشهر الجاري، ليلخص مآل اليمن بأنه، كدولة، وبعد 3 سنوات من الحرب، يكاد يكون قد ولى عن الوجود، وأنه "باتت هناك دويلات متحاربة، وليس لدى أي من هذه الكيانات من الدعم السياسي أو القوة العسكرية، ما يمكنه من إعادة توحيد البلد أو تحقيق نصر في ميدان القتال".
لكن في كلّ الأحوال، لا يمكن تحميل الرئيس هادي وحده ما آلت إليه الأمور في البلاد خلال السنوات الست التي قضاها على رأس هرم السلطة الشرعية، بالنظر إلى كثرة الفاعلين والمتدخلين في الأحداث التي عصفت بالبلاد.