ويلقي باسم يوسف، في برنامجه الذي يستعرض فيه دراسات علمية ويلتقي مع مختصين وأشخاص يحكون تجاربهم، باللوم على تناول اللحوم والمشتقات الحيوانية في ارتفاع معدل السمنة والإصابة بالكثير من الأمراض، مثل أمراض السكري والقلب والمناعة والضعف الجنسي، ويقدم الحمية المعتمدة على النباتات كأسلوب حياة يحد من هذه المشاكل، بالإضافة لكونها فلسفة غذائية تهتم بحقوق الحيوان.
وما زال النظام الغذائي المعتمد على النباتات مثل كثير من القضايا الغذائية مثار جدل في المجتمع العلمي، إذ تطاوله العديد من الانتقادات، وتتخلل الحديث عنه في بعض الأحيان الكثير من المغالطات المنطقية، فهل وقع باسم يوسف في برنامجه في هذه المغالطات؟ هذا ما سيكشفه لكم "العربي الجديد" في ما يلي:
نماذج للتعميم بلا دليل أو إحصائيات
يقول حسن عيسى، الحاصل على شهادة الدكتوراه في مجال تصنيع الأغذية من جامعة "نيوكاسل" ببريطانيا، إنّ تقديم برنامج عصري صحي يهم شريحة كبيرة من الناس، من قبل شخص ناجح ومحبوب ومختص مثل الدكتور باسم يوسف مدعاة للتفاؤل، إلا أنه أردف: "لم أكن أتمنى أن يقع الدكتور باسم في بعض المغالطات العلمية والمنطقية الشائعة، التي يمكن تجاوزها لتقديم محتوى مميز. كنت أتمنى عرض الإيجابيات والسلبيات واستضافة أشخاص من آراء مختلفة، وتشجيع الناس على نمط صحي متوازن مستدام".
وأوضح عيسى بعض المغالطات التي وردت في البرنامج، ومن بينها عرض لقاءات مع رياضيين مشهورين يتبعون نظامًا معتمدًا على النباتات، وافتراض أنّ هذا النظام هو سبب نجاحهم، وتعميم النتيجة من دون إحصائيات تؤكد أنّ أغلب الرياضيين الناجحين نظامهم الغذائي معتمد على النباتات، أو عرض آراء مختصين ذوي مكانة علمية (خضريين خاصة) يشيدون بالنظام المعتمد على النباتات، واعتمادها كمرجع في حين أنّ العلم لا يعترف سوى بالدليل والإحصائيات.
مغالطة خيارات الحمية
الحمية النباتية (كارول ييبيس/getty) |
وأوضح عيسى أنّ الحمية الصحية المتوازنة هي الحمية التي تؤمن للجسم الطاقة بالإضافة للعديد من الوظائف الأخرى، والعناصر الكبرى بنسب صحية متوازنة من حيث مشاركتها بالمدخول الحراري الكلي، ومن مصادر غذائية طبيعية وصحية، وتؤمن العناصر الغذائية الصغرى اللازمة للجسم وبكميات صحيحة ومن مصادر غذائية طبيعية وصحية، ومن شروطها أن تكون مدروسة المدخول الحراري وتوزع نسب هذا المدخول على العناصر الكبرى (مثلًا 20% من السعرات من الدهون و35% من البروتين و45% من الكربوهيدرات)، وأن تكون غير مضجرة وقابلة للتطبيق الطويل إن لم نقل الدائم.
كما أضاف عيسى أنّ من المآخذ العظيمة على الحمية المعتمدة على النباتات، هي أنها غير متوازنة بسبب نقص بعض المغذيات الصغرى فيها، وصعوبة الحصول على بعضها الآخر، مثل فيتامين B12 والأحماض الأمينية الأساسية والحديد الهيمي وفيتامين D، وقال: "يشير الدكتور باسم إلى أنّ من العادي الاعتماد على المكملات الصناعية، لأنّ من يأخذونها ليسوا من الخضريين فقط، إلا أنّ نقص النظام الغذائي لدى البعض لا يبرر اتباعنا نظامًا منقوصًا".
ويؤكد عيسى أنّ من مميزات النظام الصحي المتوازن الموجه لعموم الناس، أن يكون الوصول للمغذيات سهلًا، ويقول: "لا يمتلك الجميع الوقت الكافي أو الإمكانية لخلط مكونات كثيرة ومختلفة، لتأمين كل المغذيات، كما أنّ المكملات الغذائية ليست حلًا طبيعيًا ومثاليًا ولا يسهل الوصول إليها بالنسبة لكثير من الشعوب والمناطق".
مغالطة زيت الزيتون
زيت الزيتون من المنتجات الأقل تصنيعاً (ماركو كرنوجلافاك/getty) |
ويضيف عيسى أنّ من الجيد الإشارة إلى ضرورة أكل زيت الزيتون بكميات مدروسة، حيث تشير التوجيهات الغذائية إلى أنّ كمية السعرات الحرارية من زيت الزيتون لا يجب أن تزيد عن 15% من السعرات الكلية، أي أنّ شخصًا حميته الغذائية 2000 حريرة لا يجب أن يتناول أكثر من ملعقتين يوميًا، إلا أنه يشير إلى وجود العديد من الدراسات التي تتناول علاقة زيت الزيتون الصحية بالكوليسترول، ويقول: "ما المقصود هنا بمصطلح (غير صحي)؟ هل هو غير صحي مثلًا إذا تجاوز استهلاكه حدًا معينًا أو لفئة محددة من الناس؟ إنه إذًا مثل كثير من الأغذية كالبقوليات التي يشاد بها في البرنامج، والتي تعتبر غير صحية لمرضى القولون العصبي، وتحتوي على مكونات غير صحية إذا زادت عن حدها، تعرف باسم (مضادات التغذية)".
النظام الخضري وأمراض القلب
ازداد تسجيل الأمراض بسبب تحسن التشخيص(getty) |
إلا أنّ الدكتور عيسى أشار وفقًا لبحث في جامعة مينيسوتا، إلى أنّ العلماء لاحظوا زيادة نسبة الوفيات بأمراض القلب والأوعية الدموية في الدول الاسكندنافية قبل الحرب العالمية الثانية، ولكن سبب هذه الزيادة ليس المرض فقط، بل زيادة تسجيل أمراض كهذه بسبب تحسن أساليب التشخيص ومعرفة المرض، وقال: "أخذ النازيون نسبة كبيرة من المواشي بالفعل في الحرب، ولكنّ هذا لا يعني عدم بقاء أي حيوان واعتماد هذه الدول النظام الخضري البحت، بل في الحقيقة قلّ الأكل بشكل عام والحيواني منه بشكل خاص، ما قلل نسبة المدخول الحراري بشكل عام للفرد ومدخول الدهون بشكل خاص، فصارت نسبة الوفيات الناتجة عن أمراض القلب والأوعية الدموية أقل لهذا السبب، وليس لاتباع نظام خضري أو نباتي، وهذا المثال يدعم الحمية المتوازنة".
صحية الحليب
ليس من شروط المنتج الصحي أن يناسب الجميع(getty) |
إلا أنّ الدكتور عيسى أوضح أنّه ليس من شروط المنتج الصحي أن يناسب الجميع، بل يكفي أن يعتبر صحيا إذا ناسب فئة واحدة ما دام كتب عليه اختلاف مركباته، وقال: "يعني هذا أنّ الحليب الخالي من اللاكتوز مناسب للجميع، وبالتالي هو صحي للجميع، بينما الحليب المحتوي على اللاكتوز غير صحي لمن لديهم عدم تحمل لاكتوز، وصحي للبقية". وأضاف: "إذا قسنا الأمور بمقياس باسم يوسف، فهذا يعني أنّ القمح غير صحي لأنه لا يناسب من لديه حساسية غلوتين وداء زلاقي".
كما أكد عيسى أنّ طبيعية المنتج لا تتعلق بكونه مُصنّعا أم لا، بل بآلية التصنيع، وقال: "طحن الحبوب تصنيع، ولكن لا يؤثر في قيمته الغذائية، وكذلك بسترة الحليب، مع التأكيد على أنّ الحمية المتوازنة تحدد المدخول اللازم من الحليب والدهون والبروتين، يعني أنّ ضرر تناول الحليب كامل الدسم من الدسم نفسه، وليس من الحليب بحد ذاته".
كما ورد في الحلقة أننا "يجب ألا نشرب حليب البقر لأننا لسنا أبقارًا"، وهذا ما أشار عيسى إلى أنه ادعاء لا دليل علميا عليه، وقال: "يوجد اختلاف في تركيب حليب الحيوانات سواء بقر أو إنسان أو غيرهما، لكي يناسب نمو أطفال هذه الحيوانات، ولذلك ينصح بحليب الأم للطفل الرضيع أو صيغ حليب مركبة صناعيًا لأن جسم الرضيع لا يتحمل تراكيب معينة من المكونات، لذلك يعتبر إطعامه حتى الفواكه في مراحله الأولى ضارًا، لكنّ هذا لا ينطبق على الكبار".
وعرض باسم يوسف في الحلقة رسمًا بيانيًا يوضح وجود "علاقة" بين زيادة تناول الألبان وزيادة كسور الحوض، وعن هذه النقطة قال عيسى: "العلاقة لا تعني السببية، فقد يكون سبب زيادة هشاشة العظام هو الحمية غير الصحية، وفي الوقت نفسه من يتبعون حمية غير صحية يتناولون الكثير من الألبان"، وقال: "توجد العديد من الدراسات التي تبين أنّ لا تأثير سيئا لمنتجات الحليب على العظام، وتوضح الرابط بين زيادة تناول منتجات الألبان وانخفاض هشاشة العظام".
كما أشار عيسى إلى أنّ باسم يوسف سلط الضوء على العديد من الأضرار التي تسببها الحمية الغربية بشكل عام، وربطها بالألبان بشكل خاص، وإلى أنه عرض رسمًا بيانيًا يوضح العلاقة بين معدلات الموت المتعلقة بالعمر وكمية الدهون الحيوانية المتناولة، وليس من الألبان فقط، وقال عيسى: "الرسم لا علاقة له بالنتيجة التي ادعاها، فالمعروف أن الدهون المشبعة الكثيرة تزيد أمراض القلب والشرايين"، وأضاف: "ومن المعروف أنّ الحمية الغربية لا تصنف كحمية صحية متوازنة، بسبب عدم تحقيقها للشروط الغذائية لا كميًا ولا نوعيًا".