3.6 ملايين عاطل ضحايا البطالة في مصر

16 ابريل 2017
الحكومة تتهم الشباب بالتقاعس عن العمل(عمرو صلاح الدين/ الأناضول)
+ الخط -


"خريج توكتوك".. ليست حال الشاب المصري، الذي شغل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإعلامي قبل عدة أشهر، بعد أن خرقت كلماته الصارخة حاجز الصوت في البلد الذي يعاني أزمات اقتصادية حادة، وإنما هي واقع مئات الآلاف ممن لم تشفع لهم شهاداتهم الجامعية بالحصول على فرص عمل في مجال تخصصاتهم.
قرابة 3.6 ملايين شخص هم عدد العاطلين في مصر، أكثر من ثلثيهم من الشباب، باتوا، وفق الحكومة ورجال أعمال، متقاعسين عن العمل، بينما تشير المؤشرات الاقتصادية إلى إغلاق آلاف المنشآت في مختلف المجالات، لا سيما المرتبطة بالسياحة والتصدير، والتي كانت تستوعب ملايين فرص العمل.

ولم تعد المهن والحرف الدنيا مقتصرة على ممن لا يحملون مؤهلات تعليمية، وإنما شهدت زحفاً من خريجي الجامعات وحتى من حملة شهادات الماجستير والدكتوراه.
فقد يصادفك عامل في رفع الأنقاض، لكنه يحمل شهادة جامعية في مجال التجارة، وسائق تاكسي، يحمل شهادة هندسة معمارية وغيرهما من الأشخاص الذين لم يحظوا بفرصة عادلة في مجال تخصصاتهم.
ولم تفلح الحكومات المتعاقبة، ولا سيما خلال السنوات الثلاث الأخيرة، في تحسين مستوى معيشة المصريين وحل الأزمات المجتمعية المتراكمة وأبرزها البطالة، على الرغم من الخطط والإجراءات المتعددة التي أعلن عنها النظام المصري في هذا الإطار.

وحمل خبراء اقتصاد ومستثمرون الحكومة مسؤولية تفاقم مشكلة البطالة، نتيجة فشلها في تحسين بيئة الاستثمار، وغياب السياسات التي من شأنها جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، إضافة إلى إهدار مئات ملايين الجنيهات في برامج تدريب فني غير جادة.
ويقول عبدالمنعم الجمل، نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، ورئيس النقابة العامة للبناء والأخشاب، إن حالة الركود التي تسيطر على الاقتصاد، أدت إلى انخفاض الطاقة الإنتاجية للمصانع، ما دفع الكثير من الشركات في القطاع الخاص إلى تسريح عدد من العمالة لديها.
ويشير الجمل لـ "العربي الجديد"، إلى أن الظروف الحالية أدت إلى تفاقم البطالة، لا سيما بين خريجي الجامعات، خاصة أن هناك عدم تناسب في مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، مضيفاً أن السوق تفتقر كذلك إلى قاعدة بيانات بشأن المشروعات القائمة والمستقبلية واحتياجاتها من العمالة المتخصصة والخبرات والكوادرالمطلوب توافرها لتحسين جودة الإنتاج.

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، فإن نسبة البطالة بلغت 12.4% في الربع الأخير من 2016 (من أكتوبر/تشرين الأول وحتى نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي)، بما يعادل 3.6 ملايين شخص، من إجمالي قوة العمل البالغة 29.1 مليون شخص، وذلك مقابل 12.6 في الربع الثالث من العام الماضي.
وبلغت نسبة الشباب العاطلين عن العمل ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً نحو 79.1% من إجمالي العاطلين عن العمل، بينما بلغت النسبة من حملة الشهادات المتوسطة وفوق المتوسطة والجامعية وما فوقها 88.4%.

وبينما تشير الإحصاءات الرسمية إلى تراجع نسبة البطالة، فإن البيانات المستقلة تلفت إلى أن نسبة البطالة تصل إلى أكثر من ضعف المستويات المعلنة من جانب الحكومة.
وكان كيث هانسن، نائب رئيس مجموعة البنك الدولي للتنمية البشرية، قال في محاضرة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، في الأسبوع الأول من أبريل/نيسان الجاري، إن نسبة البطالة فى مصر تصل إلى 33%.
ولا يقتصر تعامل الحكومة وبعض رجال الأعمال مع ملف البطالة من قبيل التجاهل للبيانات الحقيقية، وإنما اتهام المتعطلين بأنهم سبب البطالة لرفضهم العمل في الوظائف التي يوفرها القطاع الخاص.

لكن محمد سعفان، وزير القوى العاملة، قال أمام مجلس النواب (البرلمان) يوم الأربعاء الماضي، إن "معظم الشباب يرغبون في العمل بالقطاع العام وليس الخاص، لذلك حرصت الوزارة على إعداد قانون العمل الذي تناقشة لجنة القوى العاملة بالبرلمان، بحيث يوفر ضمانات حماية للشباب العاملين بالقطاع الخاص فضلاً عن تشجيع الاستثمار".
غير أن مجدي طلبة، الرئيس السابق للمجلس التصديري للملابس الجاهزة، يرى أن "الحكومة لم تستثمر في نظام التعليم بشكل جيد لتوفير احتياجات المصانع من القوى العاملة وإتاحة فرص عمل مناسبة للشباب الخريجين".

ويقول طلبة لـ"العربي الجديد"، إن هناك العديد من الدول ومنها على سبيل المثال دول جنوب شرق آسيا التي نجحت في تعظيم عائداتها من صناعة الموارد البشرية وأصبحت أكبر مصدر للعمالة المدربة على مستوى العالم.
ويضيف، أن أزمة نقص العمالة المدربة تصاعدت وتيرتها خلال الفترة الأخيرة، لافتاً إلى وجود مفارقة غريبة تشهدها مصر منذ عدة سنوات، وهي أن بعض المستثمرين يعانون من نقص العمالة المؤهلة، على الرغم من تزايد نسبة البطالة سنوياً مع تخريج مئات الآلاف من الشباب.

ويتابع طلبة، إن توفير العمالة المدربة ينبع من مصدرين أساسين أولهما: التعليم الفني المتوسط، الذي تتجاهل الدولة إصلاحه وتطويره، إضافة إلى عدم ربطه بخطط التنمية من خلال توجيه الطلاب والمناهج الدراسية للتركيز على القطاعات الصناعية التي تشهد نمواً مطرداً بحيث يتم تأهيل هؤلاء الطلاب للعمل بهذه القطاعات الإنتاجية فور تخرجهم.
ويوضح أن " المدارس الفنية الصناعية تواجه واقعاً مأساوياً فلا توجد لديها ماكينات أو معدات حديثة لتدريب الطلاب عليها، كما أن المعلمين ليس لديهم الخبرة الكافية بالمستجدات في مجال الإنتاج الصناعي ومن ثم فإنهم يعجزون عن إكساب الطلاب أى مهارات في هذا المجال".

ويقول "لا يوجد للأسف ما يسمى بالتدريب الفني في مصر، فعلى الرغم من أن هناك تجارب مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص لإنشاء برامج للتدريب الفني إلا أنها باءت بالفشل وتم إهدار مئات الملايين من الجنيهات في هذا المجال نتيجة إهمال تلك البرامج وعدم تقييمها من وقت لآخر". ويتابع، إن الأسلوب الخاطئ الذي يتبعه المسؤولون في إدارة مراكز التدريب تسبب في فشل هذه المراكز في القيام بالدور المنوط بها، فضلاً عن تضاعف حجم البطالة.


المساهمون