وقد أعلن سفير إيران لدى روسيا، مهدي سنائي، مؤخرا أن بلاده تخوض مفاوضات مع موسكو بشأن إلغاء تأشيرة الدخول بين البلدين، لتشمل مراحل ثلاثا، يتم في الأولى إلغاء تأشيرة الدخول لأغراض التجارة والأمور العلمية، والثانية للمجموعات السياحية، والأخيرة لعموم السكان.
وعلى الرغم من هذه العلاقة الواضحة بين الدولتين منذ وقت طويل، وبخاصة في ظل فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، وإبان مفاوضاتها حول برنامجها النووي مع أوروبا، كانت روسيا تعلن دوماً تعاونها مع طهران، لكن التعاملات الاقتصادية والتجارية ظلت محدودة لا تتناسب مع هذه العلاقة.
وحسب ورقة بحثية بعنوان "تطور العلاقات الروسية الإيرانية .. الفرص والتحديات" في عام 2014، صادرة عن مجلس الشؤون الروسية الدولية، فإن قيمة التبادل التجاري بين البلدين خلال الفترة من 2007 إلى 2011، كانت لا تتجاوز 3.6 مليارات دولار سنوياً، وأن الميزان التجاري كان دوما في صالح موسكو.
وفي عام 2007 كان الميزان التجاري بين إيران وروسيا لصالح الأخيرة بنحو 2.6 مليار دولار، وفي عام 2011 بلغ هذا الفائض 2.9 مليار دولار.
وفي عام 2014، تشير بيانات مؤسسة التجارة الإيرانية إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين تراجع إلى 1.67 مليار دولار، وكان فائض التبادل التجاري لصالح روسيا أيضا بنحو 974 مليون دولار.
والملاحظ أن واردات إيران خلال السنوات الماضية كانت مقتصرة على التسليح المسموح به في إطار العقوبات المفروضة على إيران وكذلك بعض العدد والآلات.
وفي مقابل الإعلان المتفائل بزيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين، يفرض الواقع الدولي ثلاثة معوقات تحد من تنامي العلاقات الاقتصادية، تتمثل في العقوبات الاقتصادية، وأزمة النفط، وطبيعة التنافسية بين اقتصاد البلدين.
ضغط العقوبات
تمثل العقوبات الاقتصادية التي تبنتها أميركا والغرب أحد معوقات انطلاق العلاقات الاقتصادية بين إيران وروسيا، فإيران ظلت لعقود تعاني من العقوبات الاقتصادية، ولم ترفع عنها إلا في مطلع عام 2016، وبشروط، وهناك تدرج في بعض المجالات وبخاصة التسليح.
أما روسيا فقد فُرضت عليها العقوبات الاقتصادية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان في عام 2014 بسبب أزمة الأوكرانيا ولم تُرفع بعد.
ولذلك ستظل علاقة روسيا وإيران على الصعيد الاقتصادي مرهونة بموافقة طرف ثالث وهو أميركا والغرب، وتجد إيران متنفساً بعد رفع العقوبات عنها منذ يناير/كانون الثاني 2016، وتنطلق بقوة نحو الغرب، سواء في ما يتعلق بعقدها لصفقات وتعاقدات مع دول أوروبية لاستيراد الطائرات أو غيرها من العدد والآلات، أو سعيها لاستقدام رؤوس الأموال في مجال الاستثمار بقطاع النفط.
أما روسيا، فالعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها تستنزفها بشكل كبير، خاصة ما يتعلق برصيدها من احتياطيات النقد الأجنبي، وحرمانها من الاستثمارات الأجنبية الغربية، والحصول على القروض. وبقاء أحد الطرفين تحت ضغط العقوبات الاقتصادية سيكون حاجزاً أمام تبادل تجاري واقتصادي أكبر مما هو عليه الآن.
أزمة النفط
تعد أزمة تراجع أسعار النفط التي تعيشها الأسواق منذ يوليو/تموز 2014، التحدي الثاني أمام نمو العلاقات الاقتصادية، بسببت تأثير ذلك على موارد روسيا وإيران، وهما من الدول المصدرة للنفط والغاز الطبيعي بشكل كبير، وبقاء الأزمة سيكون عائقاً أمام تطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وفي ضوء تصريحات مسعود أحمد، المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط وأسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، فإن سعر النفط سيظل دون الـ 60 دولاراً للبرميل حتى عام 2021، وهو ما يعني استمرار أزمة الاقتصادين الروسي والإيراني حتى نهاية ذلك العام.
ويرى الكثير من المحللين في قطاع الطاقة أن أزمة انهيار أسعار النفط في السوق العالمي، مصطنعة من أجل التأثير على الاقتصاد الروسي بالدرجة الأولى، كما أن إيران استخدمت ضدها ورقة إدارة سعر النفط إبان فرض العقوبات الاقتصادية عليها بشكل كبير.
تنافس الصادرات بين الدولتين
تمتلك كل من روسيا وإيران سلعاً تنافسية في مجال التصدير، سواء في ما يتعلق بالنفط والغاز، وهما المكون الرئيس في صادرات الدولتين، فحسب بيانات 2014، فإن صادرات النفط والغاز الإيرانية شكلت 65.7% من إجمالي الصادرات السلعية، وفي حالة عودة أسعار النفط إلى ما كانت عليه قبل يوليو/تموز 2014، فإن قيمة صادرات النفط والغاز سوف تتجاوز 80% أو 85% من الصادرات السلعية الإيرانية.
أما روسيا فهي ليست أحسن حالًا من إيران، وشكلت صادرات النفط والغاز 65.3% من إجمالي الصادرات في 2014، ويعد مجال صادرات السلاح والتكنولوجيا العسكرية، أحد الميزات النسبية للصادرات الروسية، ولكن إيران خلال الفترة المقبلة، عليها قيود في استيراد السلاح وتقنياته، وبالتالي ستفقد روسيا هذه الميزة في تحسين علاقاتها الاقتصادية مع إيران خلال السنوات القادمة.
رهان على السياحة
في مقابل المعوقات الثلاثة، تمثل ورقة السياحة الفرصة التي تسمح بتنامي العلاقات الاقتصادية بين البلدين خلال الفترة القادمة، وسيكون التدفق السياحي ممكنا، لكن الأوضاع الاقتصادية ستظل ضاغطة على الدولتين في ظل أزمة انهيار أسعار النفط.
فإحصاءات منظمة السياحة العالمية تشير إلى أن روسيا تعد من أكبر 10 دول مصدرة للسياحة في العالم، ولكنها تأثرت بشكل كبير بسبب أزمة اسعار النفط، وكذلك العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ عام 2014.
فبعد أن كانت روسيا تنفق على سياحة مواطنيها الخارجية 50.4 مليار دولار في عام 2014، تراجع الإنفاق إلى 34.9 مليار دولار في عام 2015.
وعلى صعيد السياحة الوافدة، نجد أن روسيا استقبلت في عام 2015 نحو 31.1 مليون سائح بعائدات نحو 8.4 مليارات دولار، في حين أن إيران لم يتوفر عنها بيانات عن عام 2015، بينما في عام 2014 بلغ عدد السائحين الوافدين إليها 4.9 ملايين سائح لتحقق إيرادات بقيمة 3.8 مليارات دولار، إلا أن إيران تلوح بتصدير السائحين لأكثر من دولة في المنطقة مثل تركيا، ومصر ومؤخراً روسيا.
وتوجيه كل من روسيا وإيران لسائحيهما للزيارات المتبادلة، سيكون مرهونا بحالة أسعار النفط بشكل كبير، وستكون إيران هي المستفيد بشكل أكبر لاعتبارها بلدا مغلقا منذ عقود، وقد يتطلع السائح الروسي لزيارتها.
لكن العلاقة بين بلدين لا تعتمد على مصدر أو نشاط واحد، خاصة إذا كان متمثلاً في قطاع السياحة، ولعل انطلاق باقي القطاعات الاقتصادية لتسهم في تنشيط العلاقة بين روسيا وإيران يحتاج إلى أمرين مهمين، رفع العقوبات عن روسيا وهذا لن يحدث في الأجل القريب، وكذلك رفع العقوبات بشكل كامل عن إيران. بينما ستظل أزمة انهيار أسعار النفط تحكم إلى حد كبير التوجهات الاقتصادية للبلدين.