07 نوفمبر 2024
2019 عام النهايات.. هل من جديدٍ في سورية؟
أفشلت إيران وروسيا، أكثر من مرّة، إمكانية إسقاط النظام السوري. 2019 يكاد تنهي روسيا فيه كل مناطق خفض التصعيد الأربع، درعا وشمال حمص والغوطة، وإدلب تترنح. على الرغم من ذلك، ما زالت تركيا تحتل مناطق واسعة في سورية، وجدّدت أميركا بقاءها بالسيطرة على آبار النفط وحماية الأكراد، وإيران ما زالت تسيطر على مناطق واسعة، وعلى كتلة كبيرة في النظام ذاته. وروسيا هي الدولة الأكثر سيطرة على النظام وعلى المعارضة، وتضغط على كل من تركيا والخليج، ليخضعوا لرؤيتها للحل في سورية، أي إعادة إنتاج النظام القديم مع تغييراتٍ شكليّة فيه.
إذاً، روسيا سيطرت على المساحة الأكبر من سورية، وحدّدت مناطق نفوذ الدول المتدخلة، ولكن تلك السيطرة وذلك التحديد ما يزالان عصيّين على التطويع والخضوع لمشيئة الروس، فلا مناطق النظام تمدُّ الروس بالأموال، ولا الدول المتدخلة تُسلّم لها بتلك السيطرة بشكل كامل. روسيا بمعاندتها السياسة الأميركية بالتحديد تخسر كثيراً، وتضطر إلى مساوماتٍ كبيرة مع حلفائها، وهذا لن يتغير قبل أن تضطر مجدّداً إلى عقد صفقةٍ مع أميركا.
هل يكون عام 2020 عام الصفقة تلك؟ حدثان جديدان ضاغطان على روسيا: "قانون سيزر" في الولايات المتحدة، وستطاول عقوباته روسيا وإيران وغيرهما، وبالتأكيد سيُحاصر النظام
ويوقف كل ألاعيبه في تفادي العقوبات، ويشطب تعويمه إقليمياً ودولياً. والحدث الثاني بروز خلافات مع تركيا تتعلق بمصالح روسيا في ليبيا وفي شرقي الفرات، ورفض تركيا تعويم النظام كذلك. ربما لن تهتم روسيا كثيراً بتعويم النظام، حيث هناك فيتو أميركي ضد ذلك، وهناك رفض أوروبي وخليجي للأمر ذاته. صحيح أن الإمارات هي والبحرين، وربما تنضم لهما السعودية نحو إعادة التطبيع مع النظام السوري، ولكن ذلك دونه "قانون سيزر" والسياسة الأميركية الرافضة؛ تضارب المصالح بين هذه الدول وتركيا لا يسمح لها بمعارضة أميركا.
وبالتالي، لم يكن عام 2019 جيداً للنظام إقليمياً وكذلك دولياً، ومحلياً، يطلق هو النار على قدميه حينما يرفض أية إصلاحات في المناطق المدمرة أو التصالح مع أهلها.
الأسوأ للنظام، أن روسيا وإيران تطالبانه بالأموال، والدولتان تضغطان بشدة عليه لجبي الأموال لهما من الفاسدين والناهبين، وهذا قد يفكّك النظام من داخله، حيث يشكل احتجاز أموال شخصيات كرامي مخلوف وأيمن الجابر والضغط على مئات التجار لدفع الإتاوات للبنك المركزي، أقول كلها عوامل قد تدفع نحو جديدٍ ما في بنية السلطة. صحيحٌ أنه لم يتبلور بعد، ولكنه سيظهر لاحقاً بالتأكيد. من هذه الناحية، سيكون 2020 عام النهايات للنظام ذاته.
لماذا عام النهايات؟ مناطق النفوذ أصبحت مرسومة، وحرب النظام وروسيا ضد إدلب متفق
عليها مع تركيا، وهي لفتح الطرق الدولية، وإبعاد المسلحين والسلاح عنها وتهميش الجهاديين، وربما لاستعادة إدلب نفسها، وضمن صفقةٍ مع تركيا، حيث يتم بموجبها مبادلة المناطق، كما حدث أكثر من مرة. تفرض أميركا شروطها، وإيران تنافس روسيا، وجرت بينهما معارك عديدة، وهي محاصرةٌ دولياً، ويواجه "أعوانها" ثورات كبيرة في العراق ولبنان، ولم يستقرّ ولن يستقر لها الأمر في سورية أو اليمن كذلك، وبالتالي ستستفيد روسيا من هذه الأوضاع، ولكن ذلك مؤجّل إلى حين حدوث صفقة مع الولايات المتحدة أو ضغوط كبيرة، تجبرها على إنهاء أكذوبة الدول الضامنة، ومساراتها الفاشلة.
ماذا بقي من النظام في دمشق حالياً، حتى يتوهم أنه انتصر، وهل يمكن لروسيا بالأصل تعويمه، بعد أن انتشلته من سقوطٍ أكيد في 2015؟ ذكرت أنه يحفر قبره بحربه المحدودة ضد الفاسدين، وهناك أزمته الاقتصادية والاجتماعية، والتي ما تنفكّ تتعاظم، والناس تزداد كراهيةً له، وفقراً وتعاسة. ولهذا هناك من يكتب عن ثورة جياع ممكنة في المناطق الخاضعة له؛ يتحرّك النظام بإرادة الروس، وألاعيبه مع إيران في مواجهة الروس لم تعد ممكنة، وهي، في كل الأحوال، كانت تحت العين الروسية التي كانت تسمح بها، لأسباب تتعلق بصراعات الأخيرة مع أميركا وأوروبا والضغط على الأتراك. أقصد أن الروس أمام خياراتٍ ليست بسيطة؛ فالنظام لا يمكن السماح بإعادة إنتاجه إقليمياً ودولياً، وليس من أموالٍ تتدفق إلى سورية، وارتهان كل مؤسسات الدولة السورية لهم غير كافٍ، حيث لا أموال يمكن أن تشغل المشاريع الروسية، وتعود عليها بالفائدة. أيضاً، سورية ليست أوكرانيا ولا أبخازيا لتكون في المجال الحيوي لروسيا، وتعقيد الوضع يمنع ذلك من أصله، وهناك تدخلاتٌ إقليميةٌ ودولية كبيرة،
وأسوأ الجميع "قانون سيزر" الجديد، وبالتالي لا يمكن لروسيا التي ترى النظام مفلساً ومطلوباً للمحاكم الدولية أن تستمر في مغامرة التعويم إلى أجل غير مسمى.
الدروس الجزائرية والسودانية والعراقية واللبنانية كلها تقول بضرورة الوصول إلى تسوياتٍ مع الشعوب أو تغيير الأنظمة ذاتها. أن تبتغي روسيا والصين تعميم السلطوية عالمياً، وتهميش الليبرالية والديموقراطية لا يعني أنهما قادرتان على مواجهة أعدائهما (أميركا وأوروبا)، وعدا ذلك، الصين لن تتدخل في دولةٍ غير مستقرّة، وهناك صراع دولي كبير حولها. روسيا في عزلةٍ حقيقية بما يخص سورية، فهي لم تستطع فرض شروطها على حلفائها إلا بحروبٍ أو بمقايضاتٍ بين منطقةٍ وأخرى، وكذلك لم تستطع إيقاف تعديات إسرائيل. عوامل كثيرة توضح للدب الروسي أن الحرب التي انتصر فيها هنا وهناك انتصر بفضل الصفقات، وتتطلب تشغيل العقل، ليبادر إلى عقد التسويات، وأميركا وأوروبا هما مفتاح الحل السياسي.
تفاهة قصة اللجنة الدستورية لفظت أنفاسها، وانتخاب مستقلين جدد في هيئة التفاوض لن تكون مفيدا بأي حالٍ، وسيكون مصيره كما مصير اللجنة الدستورية، وهذا سيدفع مجدّداً الروس إلى أن يبحثوا عن طرفٍ قادر على فرض الحل، وبالتالي مسارات أستانة وسوتشي لا توصل إلى حلٍّ روسيٍّ للوضع السوري؛ أميركا وأوروبا تنتظران الصفقة.
تتجدّد الثورات في لبنان والعراق وإيران، ولن تكون هذه الدول داعمةً للنظام من جديد كما يبدو، وأميركا لن تغادر سورية قريباً، وتنقل وسائل إعلام أن تركيا بدأت ترسل مقاتلين سوريين إلى ليبيا، وهذا إذا صحّ أسوأ ما يحصل للسوريين في نهاية 2019، وإسرائيل ستظل تضرب في سورية.. ضمن كل هذه المعطيات، هل يمكن لروسيا الاستمرار في السياسات ذاتها تجاه سورية؟
روسيا التي تغرق في سورية معنيةُ بشطب المسارات التي اختطتها من قبل، والعودة إلى القرارات الدولية التي تؤكد ضرورة تغيير النظام السوري؛ إمّا أن تفعل ذلك في 2020 أو أن ذلك الغرق سيتعمق، ولن تخرج منه لاحقاً بسهولة.
هل يكون عام 2020 عام الصفقة تلك؟ حدثان جديدان ضاغطان على روسيا: "قانون سيزر" في الولايات المتحدة، وستطاول عقوباته روسيا وإيران وغيرهما، وبالتأكيد سيُحاصر النظام
وبالتالي، لم يكن عام 2019 جيداً للنظام إقليمياً وكذلك دولياً، ومحلياً، يطلق هو النار على قدميه حينما يرفض أية إصلاحات في المناطق المدمرة أو التصالح مع أهلها.
الأسوأ للنظام، أن روسيا وإيران تطالبانه بالأموال، والدولتان تضغطان بشدة عليه لجبي الأموال لهما من الفاسدين والناهبين، وهذا قد يفكّك النظام من داخله، حيث يشكل احتجاز أموال شخصيات كرامي مخلوف وأيمن الجابر والضغط على مئات التجار لدفع الإتاوات للبنك المركزي، أقول كلها عوامل قد تدفع نحو جديدٍ ما في بنية السلطة. صحيحٌ أنه لم يتبلور بعد، ولكنه سيظهر لاحقاً بالتأكيد. من هذه الناحية، سيكون 2020 عام النهايات للنظام ذاته.
لماذا عام النهايات؟ مناطق النفوذ أصبحت مرسومة، وحرب النظام وروسيا ضد إدلب متفق
ماذا بقي من النظام في دمشق حالياً، حتى يتوهم أنه انتصر، وهل يمكن لروسيا بالأصل تعويمه، بعد أن انتشلته من سقوطٍ أكيد في 2015؟ ذكرت أنه يحفر قبره بحربه المحدودة ضد الفاسدين، وهناك أزمته الاقتصادية والاجتماعية، والتي ما تنفكّ تتعاظم، والناس تزداد كراهيةً له، وفقراً وتعاسة. ولهذا هناك من يكتب عن ثورة جياع ممكنة في المناطق الخاضعة له؛ يتحرّك النظام بإرادة الروس، وألاعيبه مع إيران في مواجهة الروس لم تعد ممكنة، وهي، في كل الأحوال، كانت تحت العين الروسية التي كانت تسمح بها، لأسباب تتعلق بصراعات الأخيرة مع أميركا وأوروبا والضغط على الأتراك. أقصد أن الروس أمام خياراتٍ ليست بسيطة؛ فالنظام لا يمكن السماح بإعادة إنتاجه إقليمياً ودولياً، وليس من أموالٍ تتدفق إلى سورية، وارتهان كل مؤسسات الدولة السورية لهم غير كافٍ، حيث لا أموال يمكن أن تشغل المشاريع الروسية، وتعود عليها بالفائدة. أيضاً، سورية ليست أوكرانيا ولا أبخازيا لتكون في المجال الحيوي لروسيا، وتعقيد الوضع يمنع ذلك من أصله، وهناك تدخلاتٌ إقليميةٌ ودولية كبيرة،
الدروس الجزائرية والسودانية والعراقية واللبنانية كلها تقول بضرورة الوصول إلى تسوياتٍ مع الشعوب أو تغيير الأنظمة ذاتها. أن تبتغي روسيا والصين تعميم السلطوية عالمياً، وتهميش الليبرالية والديموقراطية لا يعني أنهما قادرتان على مواجهة أعدائهما (أميركا وأوروبا)، وعدا ذلك، الصين لن تتدخل في دولةٍ غير مستقرّة، وهناك صراع دولي كبير حولها. روسيا في عزلةٍ حقيقية بما يخص سورية، فهي لم تستطع فرض شروطها على حلفائها إلا بحروبٍ أو بمقايضاتٍ بين منطقةٍ وأخرى، وكذلك لم تستطع إيقاف تعديات إسرائيل. عوامل كثيرة توضح للدب الروسي أن الحرب التي انتصر فيها هنا وهناك انتصر بفضل الصفقات، وتتطلب تشغيل العقل، ليبادر إلى عقد التسويات، وأميركا وأوروبا هما مفتاح الحل السياسي.
تفاهة قصة اللجنة الدستورية لفظت أنفاسها، وانتخاب مستقلين جدد في هيئة التفاوض لن تكون مفيدا بأي حالٍ، وسيكون مصيره كما مصير اللجنة الدستورية، وهذا سيدفع مجدّداً الروس إلى أن يبحثوا عن طرفٍ قادر على فرض الحل، وبالتالي مسارات أستانة وسوتشي لا توصل إلى حلٍّ روسيٍّ للوضع السوري؛ أميركا وأوروبا تنتظران الصفقة.
تتجدّد الثورات في لبنان والعراق وإيران، ولن تكون هذه الدول داعمةً للنظام من جديد كما يبدو، وأميركا لن تغادر سورية قريباً، وتنقل وسائل إعلام أن تركيا بدأت ترسل مقاتلين سوريين إلى ليبيا، وهذا إذا صحّ أسوأ ما يحصل للسوريين في نهاية 2019، وإسرائيل ستظل تضرب في سورية.. ضمن كل هذه المعطيات، هل يمكن لروسيا الاستمرار في السياسات ذاتها تجاه سورية؟
روسيا التي تغرق في سورية معنيةُ بشطب المسارات التي اختطتها من قبل، والعودة إلى القرارات الدولية التي تؤكد ضرورة تغيير النظام السوري؛ إمّا أن تفعل ذلك في 2020 أو أن ذلك الغرق سيتعمق، ولن تخرج منه لاحقاً بسهولة.