200 ألف تلميذ متسرّب سنويّاً في الجزائر... والسبب الظروف المعيشية القاهرة

12 سبتمبر 2017
ترك الدراسة يزداد في المناطق المحرومة(فاروق باطيش/فرانس برس)
+ الخط -
يعتقد بعض الآباء أن الدراسة هي الأهم في الحياة، لذلك يتحسرون بسبب رسوب أبنائهم المتتالي، وفشلهم في التعليم خصوصاً في المرحلة الثانوية، لذلك يسعون بلهفة مع إدارة المدرسة لإعادة تسجيلهم خوفاً عليهم من الضياع.

واقع التسرب المدرسي في الجزائر مظلم وقاتم، يلقي بنحو 200 ألف طالب سنوياً خارج أسوار المدرسة، طواعية أو إكراهاً؛ فمن التلاميذ من يترك الدراسة طوعاً لعدم تمكنهم من متابعة تعليمهم ورسوبهم المتكرر لأكثر من عام دراسي، ومنهم من تقهره الظروف وتحول بينهم وبين المدرسة ومتابعة التحصيل العلمي، وغالباً ما تكون ظروفاً قاهرة اجتماعية واقتصادية صعبة.

الآلاف اختاروا ترك مقاعد الدراسة، والسبب هو البحث عن إعالة الأسرة، خصوصاً بالنسبة للأطفال ضحايا الطلاق أو من فقدوا الوالد أي المعيل.

حسين (14 عاماً) يشتغل اليوم في أحد المقاهي في أكبر شوارع العاصمة الجزائرية، يتحصل يومياً على مبلغ يقارب 1300 دينار جزائري، أي ما يعادل 10 دولارات، من خدمة الزبائن. ويوضح لـ"العربي الجديد" أنه ترك الدراسة، منذ سن العاشرة، بعد أن طرده خاله من البيت، وهو ضحية طلاق والدته، وإن قريبه قال له: "نحن لا نعيل ولا نربي أبناء الآخرين" في إشارة إلى والده.

ومنذ ذلك اليوم، صار حسين يتسكع في الطرقات ويتغيب عن المدرسة فسقط مرتين، ومع مرور الوقت صار يبيت كل يوم في مكان، فترك المدرسة نهائياً، على حسب تعبيره.

هذا الطفل الصغير، يتحدث وكأنه رجل كبير، ويردد: "أنا من يصرف على والدتي وأختي الصغيرة، ولا يهمني اليوم سوى جمع المال". والمهم بالنسبة له أنه يعرف القراءة والكتابة ولا تهمه "الشهادة" أو "الدبلوم".




أما والدة عبد المالك (13 عاماً) تصر على أن تسجل ابنها في مركز للتدريب والتكوين المهني، بعد أن "عذبها" في دراسته، وتقول: "بعد وفاة زوجي وجدت نفسي أحل مشاكل دراسة الأبناء، وخرج ابني الأكبر من المدرسة وعمره اليوم 17 عاماً، وهو لا يشتغل ويصاحب أصدقاء السوء"، موضحة أنها تحاول إنقاذ شقيقه وتسجيله في مركز مهني حتى يتعلم حرفة تعود عليه بالفائدة في مستقبله".

العشرات من المتسربين من المدارس يطمحون لإيجاد العمل حتى الصغار منهم، تجدهم في الأسواق وفي الطرقات يقومون بنوع من أنواع التجارة الموسمية كبيع الخبز أو بيع الفواكه والخضر الموسمية، خصوصاً في المدن الكبرى، أو يشتغلون كقابضي تذاكر في الحافلات التابعة للخواص، أو حمالين في أسواق الجملة للخضر والفواكه.


محاربة التسريب بمعرفة الأسباب

ونشر المرصد الجزائري للطفولة، نهاية السنة الدراسية الماضية (2016 -2017) أرقاماً عن وضعية الطفولة في الجزائر. وكشف أن ما يزيد عن 200 ألف تلميذ يتسرب سنوياً من المدارس الجزائرية، خصوصاً في المرحلة الثانوية.

واعتبر المرصد أن تلك الأرقام تستدعي طرح العديد من التساؤلات، في حين طالب فاعلون تربويون ومنظمات وجمعيات تربوية في الجزائر بإعادة النظر في طرق التدريس والتنقيط والتقييم، ومعالجة مختلف الصعوبات التي تدفع بالعشرات من التلاميذ إلى الشارع.

ومن خلال هذه الأرقام المخيفة، وضعت وزارة التربية الجزائرية خطة لمحاربة قضية الرسوب ومنها التسريب من المدارس، خصوصاً في المناطق المحرومة التي يتعذر على الآباء فيها توفير إمكانيات متابعة أبنائهم الدراسة، وطالبت مختلف مديريات التربية بتشريح الوضع و"وضع الأصبع على الجرح" من خلال الكشف عن الأسباب التي تدفع إلى هذه المشكلة.