17 رصاصة قتلت سارة

20 مايو 2015
من أحد التحرّكات المنددة بالعنف ضد النساء(أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

سبع عشرة طلقة كانت كفيلة بإنهاء حياة سارة، في منزلها الزوجي في منطقة دوحة عرمون جنوبي العاصمة اللبنانية بيروت.

احتفلت سارة أوّل من أمس بعيد ميلاد إحدى بناتها قبل أن تستأنف خلافها مع زوجها علي. لكن الخلاف لم ينته هذه المرة عند حدّ الضرب أو الطرد من المنزل، كما جرت العادة خلال عشرين عاماً من الزواج أثمرت خمس بنات وابناً. في تلك الأعوام العشرين، كان زوجها يعنّفها بشكل دائم ويمنعها من زيارة أهلها في لبنان، لا سيّما خلال اغترابهما في أبيدجان الأفريقية حيث يعمل الزوج.

وفجر أمس الثلاثاء، ترك الرجل زوجته وتوجّه إلى غرفة مجاورة يحتفظ فيها ببندقية حربية من طراز كلاشنيكوف، ليعود ويفرغ 17 طلقة في رأسها، قبل أن يشعل سيجارة وينتظر وصول القوى الأمنية إلى المنزل، بحسب ما أفاد محامي الضحية، أسامة موسوي، في اتصال مع "العربي الجديد".

ويوضح الموسوي أنه بادر قبل عشرين يوماً وبطلب من الضحية إلى "رفع دعوى إيذاء مقصود ضد الزوج الذي تغيّب عن جلسات الاستدعاء وطرد زوجته من المنزل من دون إعطائها أوراقها الثبوتية. بعد ذلك، استدرجها إلى المنزل بحجة المصالحة والاحتفال بعيد ميلاد إحدى البنات، قبل أن يقتلها". ويشير المحامي إلى أنه يتابع ملف التحقيق مع الزوج الموقوف في أحد مراكز الشرطة القريبة من مكان سكنه.

من جهتهم، الأولاد الأربعة الذين شهدوا الجريمة، يعانون صدمة كبيرة. هم بالتأكيد لن ينسوا ذلك المشهد. أما الابنتان اللتان تقيمان في أبيدجان، فهما تحاولان تأمين عودة سريعة إلى لبنان للمشاركة في جنازة أمهما.

اقرأ أيضاً: نساء لبنان بحماية حملات الجمعيّات

وكان لبنان قد شهد في خلال الأعوام الأربعة الماضية جرائم قتل عديدة نتيجة العنف الأسري، على الرغم من إقرار قانون "حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري" الذي صادق عليه مجلس النواب قبل عام. ويمنح هذا القانون صلاحيات واسعة للشرطة في التدخل المنزلي وتقديم الحماية لضحايا العنف الأسري، إلا أن المؤسسات المعنية بالدفاع عن حقوق النساء تطالب بتعديلات جوهرية عليه. ولعل أبرزها: "إنشاء قطعة متخصصة بالعنف الأسري في قوى الأمن الداخلي، وتكليف محام عام أسري أو أكثر في كل محافظة لبنانية، وإصدار تدابير حماية تُبعد المُعنِّف عن الضحية"، بالإضافة إلى "تعريف أشمل للعنف، وفصل تطبيقه عن قوانين الأحوال الشخصية لتأمين الحماية للأطفال الذين تجاوزوا سن الحضانة القانوني".

كذلك تشير دراسة أعدتها منظمة "هيومن رايتس ووتش" على مدى ثلاث سنوات، إلى أنّ قوانين الأحوال الشخصية في لبنان "لا تؤمّن الحماية أو المساواة للنساء". وقد أظهرت "تمييزاً ممنهجاً ضد المرأة" في المحاكم الدينية (المعنية بالأحوال الشخصية للمواطنين اللبنانيين). وهو ما يدفع النساء إلى تفضيل اللجوء إلى قرارات الحماية التي ينص عليها القانون المشار إليه آنفاً "حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري"، واتهام المحاكم الشرعية والدينية بالفساد والمحسوبية.

وفي وقت تؤشر أشكال العنف المتبعة إلى خطورة الواقع الذي تعاني منه النساء وسط عدم شمولية القانون، ساهم إصدار القضاء اللبناني أحكاما مخففة بحق المرتكبين وإطلاق سراح بعضهم، في تشجيع حالات العنف. وتتنوّع هذه الأشكال اليوم بين ضرب الضحية، ومثال على ذلك منال عاصي التي ضربها زوجها بطنجرة ما أدى إلى مقتلها، وبين إقدام أحد المواطنين على إلقاء زوجته من الطابق الثاني نتيجة خلافات حادة، ما أدى إلى إصابتها بكسور متعددة في الرقبة والظهر. واليوم يُضاف الرصاص إلى قائمة الأدوات المستخدمة في تعنيف الزوجات، لنشهد جنازة أخرى يحمل فيها الأطفال نعوش أمهاتهم.

30 قراراً

تشير منظمة "كفى عنف واستغلال" لمناهضة العنف ضد المرأة في اتصال مع "العربي الجديد"، إلى أن "المحامية العامة الاستئنافية المكلّفة بالنظر في شكاوى العنف الأسري، القاضية غادة أبوعلوان، تشرف على التحقيق في الجريمة المرتكبة بحقّ سارة. وتبيّن إحصائيات المنظمة أن 30 قراراً أصدرها القضاء اللبناني لصالح نساء تعرّضن للعنف، من 35 طلباً قدّمت في الفترة الأولى من إقرار قانون الحماية الجديد.

اقرأ أيضاً: اجتهاد قضائي لتعزيز حماية اللبنانيّات من العنف الأسري
المساهمون