12 عاماً على كتابة الدستور العراقي: من صاغه انقلب عليه

16 أكتوبر 2017
مواطنان عراقيان يظهران رفضهما للدستور، عام 2005(باتريك باز/فرانس برس)
+ الخط -
على خلاف السنوات السابقة، مرت الذكرى الثانية عشرة لإقرار الدستور العراقي الجديد، أمس الأحد، بصمت ومن دون أي احتفاء أو إشارة له في العراق حتى عبر وسائل الإعلام الحكومية، التي اعتادت على استضافة الخبراء والسياسيين لاستذكار ما يعتبره قادة العملية السياسية في عراق ما بعد الاحتلال الأميركي  "المنجز التاريخي".

وأقر الدستور الجديد الذي عكفت لجنة مؤلفة من 28 عضواً من أحزاب شيعية مختلفة، و15 عضواً من أحزاب كردية، وثمانية من أحزاب مدنية وشيوعية، وتيار رئيس الحكومة الأسبق، إياد علاوي، فضلاً عن أربعة أعضاء يمثلون المسيحيين والتركمان والآشوريين والإيزيديين، بينما غاب السنة كمكوّن مستقل مثل باقي المكونات، ومثّل طائفتهم عضوان فقط كانا ضمن "القائمة الوطنية" لعلاوي. وسبب غيابهم يتمثل برفضهم المبكر لآلية تشكيل اللجنة وظروف تسمية الأعضاء التي أعدت مسبقاً من سلطة الاحتلال الأميركي، فضلاً عن سقوط غالبية المدن السنية شمال وغرب العراق وجانب الكرخ من بغداد في دائرة العنف وخروجها عن السيطرة عندما اندلعت شرارة المقاومة ضد القوات الأميركية.
وشارك في الاستفتاء على الدستور، عام 2005، 63 بالمائة من مجموع الشعب العراقي وحاز قبول 70 بالمائة من المصوتين في مدن جنوب العراق وبغداد وإقليم كردستان العراق، بينما جاءت محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى بالمرتبة الأولى للرافضين له بنسبة 88 بالمائة. واعتبر الدستور نافذاً بالقبول جراء الاستفتاء الذي أشرفت عليه القوات الأميركية من خلال تأمين مراكز الاقتراع ونقل صناديق الانتخابات وفرز الأصوات.

وتتصادف ذكرى مرور 12 عاماً على إقرار الدستور، مع أزمة استفتاء انفصال كردستان العراق، على الرغم من أن المكون الكردي هو أحد أبرز الداعمين والمشاركين في صياغة بنوده. كما تتزامن الذكرى أيضاً مع تصاعد الأصوات السنية والقوى المدنية العلمانية والمكون المسيحي والتركماني المطالبة بإعادة النظر في بنود الدستور المؤلف من 144 بنداً. وتعتبر هذه الأوساط أن سبب المشاكل الحالية هي بنود في الدستور، أدت بالنهاية إلى عدم استقرار العراق. إلا أن آخرين بالفريق المقابل يعتبرون ذلك غير صحيح وأن الخلل في عدم احترام هذا الدستور وركنه على الرفوف واعتماد التوافقات السياسية في البلاد بين الكتل المختلفة.

وعلى خلاف جميع الدساتير للدول العربية، فإن الدستور العراقي لم يذكر أن العراق دولة عربية بل اكتفى بعبارة تعريف البلاد بأن "العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب وعضو في جامعة الدول العربية وجزء من العالم الإسلامي"، فضلاً عن ترسيخه حالة التقسيم الطائفي في العراق عبر تفصيل دواوين سنية وشيعية ومسيحية لكل منها صلاحياته وقوانينه الخاصة التي تتعارض بعضها مع بعض أحكام الدستور نفسه. ومنح رجالَ الدين صلاحيات ونفوذاً بشكل غير مباشر، فضلاً عن احتوائه على فقرات وبنود كاملة وقابلة للتأويل، يبلغ عددها 73 بنداً وفقرة استخدم كثير منها في الصراع السياسي، خاصةً بين عامي 2006 و2014.


وفي هذا الإطار، يقول أحد أعضاء لجنة مراجعة بنود الدستور، القاضي أحمد عبد الجبار الحسن، في أول حديث صحافي له من مقر إقامته في العاصمة الهولندية أمستردام، لـ"العربي الجديد"، إن "الدستور كان يجب أن يمرر والجميع يعلم أنه يحوي كوارث وليس عيوباً فقط". ويضيف أن "من أسوأ الكوارث أنه لم يفصل ويحتمل التأويل ورسخ لقاعدة الدين في إدارة الدولة والغموض في فقراته وكلها أشرنا إليها، لكن السفير الأميركي آنذاك، زلماي خليل زاد، كان يصر على أن خلق دستور في الموعد المحدد، وكان الموضوع قضية رأي عام أميركية وليس شأناً عراقياً خاصاً، بسبب تصاعد العمليات ضد الجيش الأميركي وبدء تكبده خسائر كبيرة، وصور ومشاهد نقل النعوش للجنود الأميركيين إلى بلادهم كانت بمثابة أزمة لإدارة الرئيس الأسبق، جورج بوش الابن". ويتابع القاضي "لذا كان يجب أن يمرر، وكثير من القضاة طالبوا بإعادة نسخته إلى اللجنة واعتبروه غير مناسب من ناحية قانونية وفنية فهو يحتاج إلى شرح وتفسير أكثر لكن ذلك لم ينفع"، وفق تعبيره. ويؤكد أنه "على الرغم من كل شيء، لو تم احترام هذا الدستور من قبل من كتبه، لكان الحال مختلفاً الآن، لكن الجميع لم يحترمه واعتمدوا على التوافق والصفقات بالدرجة الأولى"، حسب قوله. ويبيّن أن "إعادة كتابته حالياً مستحيلة لكن هناك إمكانية تعديل بعض الفقرات والبنود بما يضمن عراقاً مستقراً". ويشير القاضي العراقي إلى أن المادة التاسعة من الدستور تحظر "تكوين مليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة"، لكن "لم يتم حل المليشيات التي كانت موجودة قبل الدستور مثل بدر والمهدي والبشمركة وغيرها، لا بل زادت اليوم عشرات الأضعاف وبموافقة البرلمان والحكومة والذين صاغوا الدستور"، بحسب تعبيره. ويلفت إلى أن المادة العاشرة "منحت إقليم كردستان حرية كبيرة في إدارة شؤونه بعيداً عن بغداد، بما فيها الأمن والدفاع والاقتصاد والحدود وإدارة حقول النفط المنتجة وهو ما رسخ بشكل تدريجي للمشكلة التي نعيشها اليوم من تحول كردستان لكيان شبه مستقل بات يطرح الانفصال عن العراق بعدما امتص من موازنته في 10 سنوات ما يعادل موازنة دولة مثل الأردن لمدة عشرين عاماً". كما يشير إلى أن المادة 112 من الدستور تذكر أن النفط والغاز من الحقول الحالية، ملك لجميع العراقيين. ويوضح أن كلمة "حالية" سببت مشكلة بين أربيل وبغداد الآن، إذ يقول الإقليم إنه يصدّر من حقول النفط والغاز التي اكتشفت من قبله وليس تلك المشار لها أو التي يقصدها في الدستور. ويختم القاضي بالتأكيد على أن "الدستور فيه مشاكل كثيرة وكتب على عجل، لكن وعلى الرغم من عيوبه تلك، لو التزم به، لكان أفضل من الفوضى الحالية".

وفي سياق متصل، يتحدث الخبير بالشأن العراقي، يحيى الكبيسي، عن الدستور العراقي بقوله إن "المشكلة مزدوجة في هذا الدستور فهو نتاج صفقة صريحة بين الأكراد والشيعة وكلا الطرفين وضعا مكتسبات فئوية فيه ولم يكن الغرض أو الهدف منها هو كتابة دستور لدولة ديمقراطية حقيقية". ويضيف أنه "على سبيل المثال الفقرات 110 و112 و114 و115 التي تتعلق بالنفط والغاز العراقي، أعطت فقرات صلاحيات لبغداد بوصفها السلطة الاتحادية ثم منحت صلاحيات مشتركة في جوانب أخرى ثم صلاحيات حصرية لإقليم كردستان واحتملت الفقرات تأويلات كثيرة تفسرها بغداد وأربيل كما تريد". ويذكر أن "هناك عشرات الفقرات من هذا النوع التي غالباً ما تفسر بتفسيرات مختلفة فضلاً عن المادة 76 من الدستور التي تشير إلى أن رئيس الوزراء هو القائد العام للقوات المسلحة". ويوضح أنه "في كل دساتير العالم لا وجود لمثل هذه العبارة بل هناك توضيح وتفصيل لصلاحيات هذا القائد"، لكن الحكومة العراقية "استخدمت تلك المادة بشكل حولت فيه وزير الدفاع إلى مجرد موظف إداري بلا صلاحيات"، وفق تأكيد الكبيسي. كما يلفت إلى أن "الدستور لا يجيز الاحتجاز خارج وزارة العدل لكن اليوم هناك أكثر من 50 سجناً تديرها وزارات الدفاع والداخلية وجهاز مكافحة الإرهاب ومليشيات الحشد الشعبي"، وفق قوله. ويبيّن أن "المشكلة في بنية الدستور نفسه، إذ فيه انتقائية في تطبيق النصوص ويحمل تأويلات مختلفة".

ويشير الكبيسي إلى أن هناك شكوكاً في أنه تم التلاعب بنتيجة الاستفتاء على الدستور عام 2005، متحدثاً عن أن إخفاء وثائق الاستفتاء ومن ثم الأمر بإحراقها وإتلاف جميع ما يتعلق بها بعد إقراره، كلها تصرفات تؤكد تلك الشكوك، بحسب تعبيره. ويرى أنه "كان هناك قرار أميركي بتمرير الدستور بشكل أو آخر كونه كان مرتبطاً بالوضع الداخلي الأميركي، وبالنهاية وصلنا إلى هذه النسخة من الدستور التي سببت وتسبب المزيد من المشاكل"، وفق قوله.

في المقابل، يوضح القيادي في "التحالف الحاكم"، النائب عباس البياتي، لـ"العربي الجديد "، أن "الدستور العراقي ليس مثالياً ولا يمكن القول بذلك لكن كدستور حاول أن يوازن بين الحقوق والواجبات واستطاع أن يجد معادلة جيدة بين السلطات وبين المكونات، وبالتالي هو تعبير عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلاد"، بحسب تعبيره. ويضيف أن "هذا الدستور خضع تطبيقه للسلوك السياسي فكان مطاطياً حسب التوافقات السياسية، التي كانت دائماً مجحفة بحق الدستور ومسيطرة على تفسيره، إذ عندما يتوافق السياسيون على أمر يعطلون مواد في الدستور أو لا يطبقونه وعندما يختلفون، الكل يرفع الدستور راية وينتقد عدم تطبيقه".

في هذا الصدد، يقول رئيس الجبهة التركمانية النائب أرشد الصالحي، لـ"العربي الجديد"، إنه "في الدستور أخطاء كثيرة وكان بحاجة إلى تعديلات لكن للأسف لم تعدل، ولو تم تعديل الدستور لما عثرنا على كثير من تلك المشاكل التي تظهر كل يوم في طريقنا ومن بينها كركوك". ويجدد الصالحي دعوته إلى "تعديل الدستور وإزالة المواد الخلافية وأن تكون كل المحافظات العراقية ضمن جغرافية البلد، وبلا تقسيم صلاحيات، وأن تكون لبغداد السلطة الكاملة"، وفق رأيه.

ويوضح رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، حاكم الزاملي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الدستور العراقي تم بناؤه على أساس المحاصصة الطائفية والحزبية وعلى أساس العلاقات والمجاملات ولذلك اليوم كل مشاكلنا هي عدم احترام الدستور وعدم تطبيقه من الفرقاء الذين كتبوه وفقاً لظروف مرحلة مضت"، وفق تعبيره.