11 سبتمبر في زمن دونالد ترامب: ذكرى بطعم "الخوف"

11 سبتمبر 2018
ترامب وميلانيا بذكرى 11 سبتمبر العام الماضي(برندان سميالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -



بدت الذكرى الـ17 لهجمات 11 سبتمبر/أيلول الأميركية، هذا العام مختلفة عن سابقاتها، تزامناً مع طرح كتاب جديد عن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وما يجري داخلها. "الخوف" هو عنوان كتاب بوب وودورد الجديد، وهو الكاتب الذي يعد من أهم الكتاب الصحافيين في أميركا وربما في العالم، ويعود ذلك إلى دوره في الكشف عن فضيحة "ووترغيت" (1972) التي أطاحت الرئيس ريتشارد نيكسون من البيت الأبيض.

وللرئيس ترامب علاقة شائكة بأحداث 11 سبتمبر التي وقعت على بعد كيلومترات عدة فقط من مقرّ سكنه وعمله في الجادة الخامسة داخل منطقة مانهاتن بمدينة نيويورك. وبدأت هذه العلاقة بعد ساعات عدة من انهيار برجي مركز التجارة العالمي بقلب منطقة وول ستريت. إذ أجرت محطة تلفزيون "دبليو دبليو أو آر" المحلية بمدينة نيويورك، حواراً مع رجل العقارات الشهير بالمدينة دونالد ترامب لسؤاله عن الحادثة، وما يعنيه وصول الإرهاب إلى قلب الولايات المتحدة، ولتبعات هذه الحادثة على عالم المال والأعمال. علق ترامب قائلاً إن "هذه الحادثة سقط معها وانهار أطول مبنى في المدينة، مركز التجارة العالمي، والذي هو في الوقت نفسه أطول مبنى في منطقة وول ستريت مركز القطاع المالي الأهم في نيويورك والعالم". وذكر أنه "الآن يملك أطول مبنى في منطقة وول ستريت، وهو البناية رقم 40 في شارع وول ستريت ذاته والذي يشمل 72 طابقاً، لقد كان المبنى ثاني أطول المباني في وول ستريت، الآن أصبح هو المبنى الأطول". ولم يعر ترامب اهتماماً لأرواح الضحايا أو العملية الإرهابية ذاتها، وتأثيرها في مختلف أنماط الحياة داخل مدنية نيويورك، فقط ما اهتم به هو مكسبه الشخصي.

وبعد مرور 14 عاماً على أحداث 11 سبتمبر، استدعى ترامب الحادثة الإرهابية الكبرى داخل الأراضي الأميركية، عام 2015، ليستغلها انتخابياً بطريقة غريبة. ففي خضم الحملة الانتخابية الرئاسية لانتخابات 2016، والتي أتت به رئيساً للولايات المتحدة، سأل جورج ستيفانابولس، أحد أهم مقدمي البرامج الاختبارية في محطة "آي بي سي"، المرشح ترامب عما ذكره في تجمع انتخابي حضره آلاف الأنصار بخصوص هجمات 11 سبتمبر، وادعائه سعادة وابتهاج الآلاف من العرب الأميركيين بهذه الهجمات، وجاء نص الحوار كما يلي:
ستيفانابولس: "لقد أثرت دهشة الكثيرين بما قلته ليلة أمس بخصوص هجمات 11 سبتمبر، هل تعلم أن الشرطة أكدت أن هذه الأشياء لم تحدث، وأنها ليست إلا إشاعات، هل كنت تقصد شيئاً آخر في حديثك؟".
ترامب: "لقد شاهدت سقوط برجي التجارة العالمي، وشاهدت أيضاً في مدينة جيرسي آلاف الأشخاص يبتهجون لسقوط البرجين، الآلاف كانوا مبتهجين لما يجري".
ستيفانابولس: "هل أنت متأكد؟".
ترامب: "هذا حدث بالفعل، لقد شاهدتهم، لقد شاهدتهم على شاشات التلفزيون".
ستيفانابولس: "كيف والشرطة تنفي حدوث هذه الأشياء؟".
ترامب: "كان هناك الكثيرون ممن يرقصون فرحاً في الجانب الآخر من نيوجيرسي حيث تقطن جالية كبيرة من السكان العرب. كانوا سعداء بسقوط البرجين، قد يكون ما أقوله غير لائق سياسياً ومن غير المناسب الحديث عن هذا الموضوع، لكن هم كانوا سعداء لسقوط البرجين، وهذا ليس شيئاً جيداً".



وعلى الرغم من تكذيب الشرطة رسمياً ادعاء ترامب، وإضافة إلى فشله في عرض أشرطة أو لقطات تلفزيونية تدعم ادعاءاته، إلا أن الملايين من أنصاره آمنوا بما قال من افتراءات ضد الأميركيين من أصول عربية وإسلامية. ولم يتردد ترامب في استغلال ملايين الناخبين الأميركيين وتصديقهم ما يقوله من أجل حصد المزيد من الأصوات. وخلال حملته الانتخابية، تعهّد ترامب بالنظر جدياً في موضوع إغلاق بعض المساجد وتشديد الرقابة على بعضها الآخر. كما قطع عهداً باستصدار بطاقات هوية خاصة بالمسلمين. وتحدث ترامب كذلك عن إنشاء قاعدة بيانات فيدرالية لتعقب وتتبع ومراقبة المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة، ناهيك بالطبع بأكثر وعوده خطورة والمتمثل في منع المسلمين من دخول البلاد. وبالفعل، نجح ترامب في إصدار مرسوم رئاسي تنفيذي يحظر دخول مواطني ست دول إسلامية هي: سورية وأفغانستان وإيران واليمن وليبيا والصومال.

في خطابه الأسبوعي المسجل والذي يبث أسبوعياً للأمة الأميركية، أكد ترامب في 28 يوليو/تموز الماضي أن "هجمات 11 سبتمبر قام بها أجانب ممن استغلوا ثغرات في قوانين الهجرة الأميركية المتساهلة، وقاموا بقتل ما يقرب من ثلاثة آلاف مواطن بريء. وعقب الهجمات قام الكونغرس بخلق جهاز جديد عُهد إليه بتطبيق قوانين الهجرة والمعروف باسم (وحدة تطبيق قوانين الهجرة) أو (آيس)". ثم أضاف أنه "خلال 2017، قامت وحدة آيس بالقبض على 170 ألفا من المهاجرين المتهمين في جرائم خطيرة وكبيرة داخل الولايات المتحدة، إلا أن قادة الحزب الديمقراطي يطالبون بإلغاء آيس وحلّها، أي أنهم يريدون حدوداً مفتوحة ويريدون عددا أكبر من الجرائم". ولا يتورع ترامب عن استدعاء حادثة 11 سبتمبر لكسب بعض النقاط السياسية ضد خصومه الجمهوريين، أو لإشعال حماس قاعدته الانتخابية على أساس تخويفهم من مسارات مشابهة لما واجهته بلادهم في 11 سبتمبر.

وخلال مراسم إحياء ذكرى الهجمات، العام الماضي، قال ترامب إن "الإرهابيين الذين هاجمونا، كانوا يعتقدون أن بإمكانهم بث الخوف وإضعاف روحنا المعنوية، ولكن أميركا لا يمكن ترهيبها". وأضاف أن "أولئك الذين يحاولون ذلك، سينضمون قريباً إلى قائمة الأعداء المهزومين الذين يجرؤون على اختبار قوة عزيمتنا". واتهم ترامب الحزب الديمقراطي بـ"التساهل حيال قضايا الأمن القومي، والهجرة"، وهما قضيتان هامتان في ما يتعلق باهتمامات الناخبين قبل انتخابات التجديد بالكونغرس المقررة في 6 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.



لترامب علاقات متشابكة مع السعودية، بدايتها جاءت خلال حملته الانتخابية حين قال إن "السعودية بقرة حلوب تدرّ ذهباً ودولارات بحسب الطلب الأميركي، ومتى جفت وتوقفت عن منحنا الدولارات والذهب عند ذلك نأمر بذبحها أو نطلب من غيرنا ذبحها". وارتبطت أحداث 11 سبتمبر لدى ترامب بدور مزعوم للسعودية فيها على خلفية وجود 15 سعودياً ضمن الإرهابيين الـ19 ممن نفذوا الهجمات، وذلك قبل أن يغيّر ترامب قناعاته تماماً.

وطالب ترامب بنشر الكونغرس تقرير لجنة تحقيق 11 سبتمبر، والذي أبقاه سرياً الرئيسان السابقان جورج بوش وباراك أوباما، وهو ما قام به الكونغرس منتصف عام 2016، والذي لم يشر بصورة مباشرة إلى أي دور للحكومة السعودية في أداء أي دور في الهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمي. وقبل ذلك، أشار ترامب في حوار تلفزيوني مع محطة فوكس الإخبارية "لقد هاجمنا العراق ونحن كنا نعلم أنهم ليسوا من أسقط مركز التجارة العالمي"، وذلك قبل أن يجعل ترامب السعودية ووجهته الخارجية الأولى بعد وصوله البيت الأبيض. وخلال الزيارة، أغدق ترامب بالمديح على دور السعودية في مكافحة الإرهاب. وبعدما صعد محمد بن سلمان ليصبح ولياً لعهد، تعامل ترامب مع المملكة بعقلية رجل المبيعات أو رجل الأعمال الذي يريد أن يحقق أكبر منفعة مادية من خلال عقده صفقات مليارية سواء في مجال الاستثمارات أو مجال المبيعات العسكرية والتجارية.
وبعدما قبض بن سلمان على منافسيه واحتجزهم بفندق الريتز، خرج ترامب مؤيداً هذه الخطوة قائلاً: "لديّ ثقة كبيرة في الملك سلمان وفي ولي عهده، الأمير محمد". كما رأى في تغريدة على حسابه على موقع "تويتر" أن "بعض أولئك الذين يعاملون بصرامة في السعودية استنزفوا بلدهم لسنوات". وتباهت القيادة السعودية بعقد صفقات تجارية وعقود مشتريات عسكرية تخطت قيمتها مبلغ 400 مليار دولار.

ومنح بن سلمان ترامب كل ما يريد، ولم يتحدث أو يثر مع ترامب أي شيء بخصوص قانون "العدالة في مواجهة رعاة النشاط الإرهابي" المعروف اختصاراً باسم "جاستا". وهو قانون اعتمده الكونغرس بأغلبية تقترب من الإجماع بين أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي داخل المجلسين، مجلس النواب ومجلس الشيوخ. وأيده ترامب، وأقره الكونغرس وأصبح قانوناً، ومن خلاله يمكن توجيه الاتهام للسعودية وأعضاء أسرتها الحاكمة بالضلوع بصورة مباشرة وغير مباشرة في هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، وهو ما يحدث الآن بالفعل أمام محكمة في مدينة نيويورك ومحكمة في ولاية فيرجينيا.



بعد 17 عاما على غزو أفغانستان ومقتل ما يقرب من 2400 أميركي هناك، تبنى ترامب استراتيجية تجاه أفغانستان لا تختلف جذرياً عما تبناه سلفاه بوش وأوباما خلال سنوات حكمهما الـ16. وعلى الرغم من ادّعاء ترامب تبني استراتيجية مختلفة، بعدما أبدى في البداية اعتراضه على أي انسحاب سريع من أطول حرب مسلحة تخوضها الولايات المتحدة، تجلس الولايات المتحدة على مائدة التفاوض مع ممثلي حركة "طالبان" للبحث عن مخرج مناسب لها من هذا المستنقع. وخلال عامه الأول في الحكم، تطور موقف ترامب من أفغانستان، بدءاً من الحيلولة دون تحول أفغانستان إلى ملاذ آمن للمتشددين الإسلاميين الراغبين في مهاجمة الولايات المتحدة، وتعزيز الوجود الأميركي هناك كي يمنع الحركة من الإطاحة بالحكومة التي تدعمها واشنطن في كابول، وصولاً إلى بدء مفاوضات جادة مع طالبان. ويعتقد ترامب ودائرته المقربة أن "بلادهما تقف منتصرة في حربها العالمية على الإرهاب"، إلا أن نظرة على حقائق الأوضاع داخل أفغانستان، وفشل حلف الأطلسي ومن أمامه واشنطن في فرض الاستقرار والتنمية هناك، لا تشير إلى أي نجاح.

تقدّر أعداد المسلمين فى أميركا بـ3.3 ملايين مسلم، يؤدون عباداتهم في 2500 مسجد تتوزع على جميع الولايات الـ50، منهم مليون مسلم أميركي لديهم حق التصويت والانتخاب. ولم يكترث ترامب بهذه الكتلة التصويتية، وذكر أثناء حملته الرئاسية وخلال لقاء مع"سي أن أن" أنه "من الصعب التمييز والفصل بين الإسلام المتشدد وبين الإسلام ذاته. وأعتقد أن الإسلام يكرهنا، الإسلام يكره أميركا".

ويبدو جلياً أن عواصف ترامب الكلامية ضد الإسلام قد أثّرت كثيراً في مسلمي أميركا، سلباً وإيجاباً في الوقت نفسه. فعلى سبيل المثال أظهر تقرير صدر أخيراً عن "مركز التفاهم الإسلامي المسيحي" بجامعة جورج تاون، تصاعداً واضحاً في أعمال العنف المرتكبة بحق المسلمين في الولايات المتحدة، تزامناً مع صعود نجم ترامب السياسي. وهو نفس ما انتهت إليه دراسة مماثلة لبيانات مكتب التحقيقات الفيدرالية. أما من الناحية الإيجابية، فقد دفع خطاب ترامب المسلمين إلى زيادة انخراطهم في الحياة السياسية، ليس كجالية تبرز قضايا الدول التي أتوا منها كمهاجرين في الأساس، بل كمواطنين أميركيين لهم كل الحقوق السياسية الدستورية، وعليهم كل المسؤوليات كذلك. وبالفعل وصلت امرأتان مسلمتان إلى الجولة الأخيرة في انتخابات الكونغرس عن مجلس النواب. فقد فازت رشيدة طليب، وهي مرشحة أميركية من أصول فلسطينية، ببطاقة الترشح التمهيدية للحزب الديمقراطي في الدائرة الثالثة عشرة، وهي دائرة شبه مضمون الفوز فيها لأي مرشح ديمقراطي في ولاية ميتشيغن. وكذلك فازت السيدة إلهان عمر، أميركية من أصول صومالية، كذلك بالانتخابات التمهيدية للديمقراطيين للمنافسة على مقعد الدائرة الخامسة في ولاية مينيسوتا.

أما اليوم فمن المتوقع أن يشارك ترامب في تأبين ضحايا هجمات 11 سبتمبر من إحدى المناطق الريفية بولاية بنسلفانيا، حيث تحطمت طائرة شركة أميركان إيرلاينز، الرحلة رقم 93، بعد أن قام الركاب وطاقم الرحلة بإحباط الهجوم الذي خطط له الخاطفون على مبنى الكونغرس بالعاصمة الأميركية. وتم إنشاء نصب تذكاري لتأبين الضحايا الأربعين من خلال حائط ضخم يحوي أسماءهم. وبعيداً عن إحياء ذكرى 11 سبتمبر، سيصطف الأميركيون خارج محال بيع الكتب للحصول على نسخة من كتاب "الخوف" الذي يشرح الفوضى في البيت الأبيض. ويحتوي الكتاب على الكثير من الأمثلة الدالة على جهل ترامب تعقيدات السياسة الدولية، ويذكر أن ترامب طلب من وزير الدفاع جيمس ماتيس اغتيال الرئيس السوري بشار الأسد بعد الهجوم الكيميائي على بلدة خان شيخون عام 2017، كما ينقل الكاتب عن ماتيس وصفه مدى إلمام ترامب بالقضايا الخارجية بأنه يعادل معرفة طالب في الصف الخامس أو السادس الابتدائي.