يوم أميركي في تونس: كسب واشنطن وعدم خسارة الجزائر

13 نوفمبر 2015
كيري يلتقي الرئيس التونسي خلال زيارته (ماندل نغان/فرانس برس)
+ الخط -

تستقبل تونس وزير الخارجية الأميركي جون كيري، اليوم الجمعة، وسط سعي تونسي إلى اختبار الجدية الأميركية في تقديم قرض لها بقيمة 500 مليون دولار أُعلن عنه سابقاً. ويزور كيري تونس للمشاركة في الجولة الثانية للحوار الاستراتيجي، وهو سيلتقي مسؤولين تونسيين وممثلين عن المجتمع المدني، كما أكدت مصادر دبلوماسية لـ"العربي الجديد" أنه يلتقي كذلك الرئيس الباجي قائد السبسي إثر انتهاء المباحثات، التي لن تتجاوز نصف نهار على أقصى تقدير، ولكن جرى الإعداد لها منذ أشهر بين البلدين.

تأتي زيارة كيري ضمن جولة أوروبية وعربية خلال الفترة الممتدة من 13 إلى 17 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، تحمله من تونس إلى فيينا ثم إلى تركيا، وهو ما جعل المصادر الدبلوماسية نفسها ترفع من أهمية هذه الزيارة بالنسبة لتونس والولايات المتحدة، فجدول أعمال كيري مزدحم بالملف السوري والمتغيرات العميقة والمتسارعة التي تشهدها المنطقة ولكنه أصر على الحضور بنفسه إلى تونس على الرغم من وجود وفد أميركي على درجة عالية من التمثيل.

وقالت المصادر لـ"العربي الجديد" إن جدول أعمال هذا الحوار الاستراتيجي ينقسم إلى ثلاث لجان عليا، تنظر في مواضيع الأمن والاقتصاد والشؤون التربوية والحكم الرشيد وحقوق الإنسان والعدل، ويحضرها من الجانب الأميركي كلّ من مساعد وزير الخارجية ويليام براونفيلد، الذي سيترأس اللجنة الأمنية، وتوم مالينوفسكي المهتم بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية ومساعد وزير الخارجية المهتم بأفريقيا الشمالية والشرق الأوسط جون ديروشيه، ومساعد وزير الخارجية للشؤون الاقتصادية كورت تونغ، وآخرون. وأكدت المصادر أن رئيس اللجنة الأمنية سيكون حاضراً في أعمال كل اللجان، متجولاً بينها.

يعكس هذا الحضور الأميركي البارز، على الرغم من اقتصار المفاوضات على ساعات قليلة، أهمية تونس في عيون الإدارة الأميركية، وهو ما يؤكد نظرة كيري إلى تونس التي تمثّل "الردّ الوحيد على كل من يشكك بالديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا". وكان كيري قد شدد في خطاب ألقاه في مركز "كارنيغي" في واشنطن، أخيراً، على "أن تونس تُظهر المعنى الحقيقي لبناء الوطن في الشرق الأوسط". واعتبر أن الشرق الأوسط اليوم يحتضن شعوباً مليئة بالحيوية والشباب والأمل، على حد تعبيره. ولفت إلى أن أبرز عناصر استراتيجية الأمن للولايات المتحدة في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط تقوم على ضرب تنظيم "داعش".

استراتيجية أكد رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد في قمّة القادة نهاية سبتمبر/أيلول بحضور الرئيس الأميركي باراك أوباما، أن "تونس تتبناها عبر انضمامها إلى التّحالف الدولي ضدّ داعش باعتباره إطاراً مُلائماً للعمل المشترك والالتزام الجماعي بمكافحة التّطرّف العنيف".

اقرأ أيضاً: أزمة "نداء تونس": مبادرات الوقت الضائع تمهّد لكتلة ثالثة؟

وستتناول هذه المحادثات بالتأكيد تفاصيل الإسهام التونسي وما تراه الولايات المتحدة مطلوباً من تونس، في مقابل دعمها بالمعدات كـ"حليف استراتيجي خارج حلف شمال الأطلسي". وأكدت المصادر لـ"العربي الجديد" أنه سيجري التباحث أيضاً في تنفيذ بنود مذكرة التفاهم التي وُقّعت خلال زيارة السبسي إلى الولايات المتحدة، والانتقال من مرحلة الإطار العام والسياسات إلى التنفيذ، وهو ما ينطبق على ضمان القرض بـ500 مليون دولار الذي أُعلن عنه خلال الزيارة نفسها، وكان مجرد إعلان نوايا. غير أن السلطات التونسية قررت الآن الخروج إلى السوق الدولية بغية الحصول على تلك القروض، تحت الضمان الأميركي، وسيتم اختبار الجدية الأميركية في خصوص هذا الوعد، على الرغم من إشارات تلمّح إلى امكانية تراجع في الموقف الأميركي، وهو ما نفاه مسؤول تونسي لـ"العربي الجديد"، على الرغم من أن السبسي كان قد أعرب في لقائه بعدد من نواب "نداء تونس" عن غضبه من الأمين العام الحزب محسن مرزوق الذي زار الولايات المتحدة منذ أسابيع وأرسل إشارات سلبية عن الوضع في تونس جعلت المسؤولين الأميركيين الذين التقاهم يتساءلون عن حقيقة الوضع التونسي.

وقد أثارت هذه اللقاءات موجة من ردود الفعل قال مرزوق إنها مبالغ فيها، مشيراً إلى أن "المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية ديفيد بترايوس هو اليوم رئيس أكبر صندوق استثماري ومالي في العالم، وقد كان له لقاء مع رئيس الجمهورية التونسي في زيارته الأخيرة لواشنطن ووعد حينها بأن يستثمر في تونس، وكان لقائي معه لتذكيره بوعوده".

لكن زيارة مرزوق تزامنت مع جولة زعيم حركة "النهضة" راشد الغنوشي في الولايات المتحدة، وبقدر ما كانت الرئاسة التونسية غاضبة من رحلة مرزوق فقد كانت سعيدة بما قاله الغنوشي الذي سعى إلى الترويج للتجربة التونسية ولظروفها الصعبة وحاجتها إلى دعم أصدقائها.

يدرك التونسيون أن هذا الدعم الأميركي له ثمن بالضرورة، إذ تطالب الولايات المتحدة بإصلاحات جوهرية على المستوى الاقتصادي، منها مراجعة التشريعات الهيكلية، ومنظومة الجمارك، والحوكمة الرشيدة لتسهيل دخول المستثمرين الأميركيين إلى تونس، وسيحضر عدد منهم في اجتماعات اليوم. لكن الثمن الأكبر الذي يخشى التونسيون دفعه يتعلق أساساً بالمسائل الأمنية التي تزعج الجارة الحليفة الجزائر، إذ تعتقد الأخيرة أن الحضور الأميركي في المنطقة هدفه الأساسي خنقها عبر تجاهلها ودعم الجارتين تونس والمغرب.

تجد تونس نفسها بين حليف محتمل وجار مهم، الجزائر والولايات المتحدة. الأول، حليف تاريخي وجار مهم تاريخياً يسارع إلى مساعدتها في الأزمات، آخرها أزمة ما بعد اعتداءات سوسة، حيث سارع السياح الجزائريون إلى تونس بمئات الآلاف بينما كان السياح الأجانب يغادرون المطارات، ثم إن الهمّ الإرهابي بين تونس والجزائر مشترك، والحل في ليبيا يمر بالضرورة من الجزائر، ولكنها في المقابل منزعجة جداً من هذا التقارب التونسي ــ الأميركي، الذي اخفى الكثير من التفاصيل عنها.

وتحاول تونس أن تستفيد قدر الإمكان من الحماسة الأميركية تجاه تجربتها في المنطقة ولكنها تخشى في المقابل أن تخسر الجزائر، وهي معادلة صعبة للغاية تحتاج إلى إدارة متقنة قد لا تربح فيها تونس كل شيء، ولكن ينبغي أيضاً ألّا تخسر كل شيء، من دون احتساب الطرف الأوروبي والفرنسي بالخصوص في هذه المعادلة.

اقرأ أيضاً: كيري يزور تونس الجمعة المقبل