يوميات الجيش السوري المُصورة في رمضان

07 يونيو 2017
الجيش السوري (لؤي بشارة- فرانس برس)
+ الخط -
لم يكتف النظام السوري بتسييس كافة البرامج التي تعرضها قنواته الإعلامية الإذاعية منها والتلفزيونية، وإنما عمل في السنوات الأخيرة على خلق هوة بين السلطة والمدنيين من خلال تلك المنابر، وتكريس طابع الهالة المقدسة حول جيش النظام السوري وقادته، وذلك من خلال إظهار العساكر والجنود بمظهر الأبطال وإظهار المدنيين بمظهر الجبناء وضعفاء النفوس. ففي الموسم الرمضاني الحالي، خصصت الفضائية السورية برنامجاً باسم "خبز وملح"، يرصد يوميات جنود الجيش السوري خلال شهر رمضان.

صورة جديدة، عن "تبجيل" الجيش، وعرض ما تيسر من لقطات ومشاهد معدّة سلفاً أو معلبة، لإظهار صمود قوات النظام، وإثارة عاطفة المُشاهد
يرتدي مقدم البرنامج الزيّ العسكري، ويفتتح حلقاته بجملة "سلام عليكم حماة الديار عليكم سلام"، ثم يقوم بجولة على عدد من الحواجز العسكرية في الطرق التي تفصل دمشق عن ريفها، أو تفصل دمشق عن باقي المحافظات، ليسأل عناصر الجيش عن صعوبات القيام بعملهم خلال هذه الشهر وهم صيام، وعن مدى قدرتهم على تحمل كل هذا الجهد من أجل أمن الوطن والمواطن، وتتنوع أجوبة أبطال الجيش السوري بين "والله عم نتعب بس كل هاد فداء الوطن" أو "إذا نحن ما تعبنا مين بدو يحمي تراب هالوطن".
ويخصص البرنامج فقرة، يخاطب فيها المذيع المواطنين العاديين الذين يقودون مركباتهم بانتظار دورهم لتجاوز حواجز النظام، حيث يتجه إليهم المذيع بزيه العسكري ويحمل على خصره ذخيرة وبرفقته عناصر مسلحة، ويقوم بسؤالهم إن كانوا مستاءين من الانتظار الطويل والوقت المهدور على الحواجز، وعن مدى احترامهم لمهنة العساكر التي تخلفوا هم عنها، فالبعض يحاول أن يتملص من اللقاء بعبارات مثل "الله محيي الجيش وقائد الوطن"، والبعض يضطر للإجابة، فقال البعض: "والله ما في منون الله يقويهم عم يشتغلوا وهني صائمين بس مشان يحمونا"، وتأتي أجوبة المواطنين ممزوجة بين الخوف والمفاجأة، وكأنهم وقفوا فجأة أمام نوع جديد من الحواجز، حاجز إعلامي صناعة، تلفزيون النظام السوري لترصد كاميراته الخوف والذعر في عيون المواطنين.
وبالطبع حاول بعض المواطنين أن يعبروا في البرنامج عن استيائهم من تصرفات الجنود على الحواجز وعن الوقت المهدور، ولكن ردّ المذيع المُسلح كان حاضراً دائماً، فحين استاء أحدهم من الانتظار، رد المذيع: "وإذا، هي تشديدات وتدقيق أمني لمصلحتكم أولاً ولمصلحة البلد ثانياً، الواحد يتأخر شوي مو مشكلة"، فكان رد المذيع درساً بالنسبة لكل المواطنين الموجودين بالقرب منه، والذين تعلموا أن يبرروا تعطل مصالحهم بالضرورات الأمنية.

يختم المقدم البرنامج مع أذان المغرب، وقائد الفرقة أحياناً يعد الطعام بنفسه للجنود الصائمين، إلى سفرة ممدودة له ولبعض العساكر، يشارك فيها مقدم البرامج، مع مزيد من عبارات التبجيل، ومبايعة "قائد الوطن" مجدداً ويقول: "متل ما أنتو شايفين ما فيهم كلون يفطروا وقت الآذان، بتفطر دفعة والباقي بعدين، كل هاد مشان عيون سورية، وليقوموا بواجبهم الوطني"، وينتهي البرنامج بتناول العساكر الطعام من وعاء مشترك، بينما تبدو على وجه المذيع علامات القرف، فيتنحى جانباً ويكتفي بأكل الخبز، بعيداً عن عيون الكاميرا.

المساهمون