يوميات احتجاجات السلط الأردنية: إنذار يتمدّد للحكومة وللقصر

21 مارس 2018
شهدت السلط أوّل مسيرة شعبية رفضاً لرفع الأسعار(العربي الجديد)
+ الخط -
تستعيد ساحة العين، وسط مدينة السلط الأردنية، دوراً تاريخياً أدته منذ نهايات القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، يوم كانت ملتقى لأبناء المدينة العريقة للتباحث في شؤونهم العامة. ففي الأول من فبراير/ شباط الماضي، اختارها محتجون غاضبون على القرارات الاقتصادية للحكومة والتي أنتجت رفعاً "جنونياً" لأسعار السلع والخدمات، مركزاً لاحتجاجهم اليومي، إذ شهدت المدينة الواقعة غربي العاصمة عمّان، أوّل مسيرة شعبية على مستوى المملكة، رفضاً لقرارات رفع الأسعار، وحاول ناشطون في نهايتها إقامة خيمة احتجاج ثابتة عند مدخل المدينة، لكن قوات الأمن منعتهم من ذلك.

يقول الناشط سعد العلاوين، لـ"العربي الجديد": "من حسن الحظ أنهم منعونا من إقامة الخيمة، توجّهنا مباشرة إلى الساحة (...) ساحة العين لها مكانة كبيرة في وجدان سكّان المدنية، منها خرجت قرارات مهمة شكّلت ليس فقط تاريخ السلط، بل والدولة الأردنية". وساحة العين قريبة من السوق التجاري، الذي بات يتلمّس تجاره أثر القرارات الاقتصادية، وتحيطها المراكز التاريخية للحكم، ومؤسسات الدولة الحديثة.

وعند الساعة السابعة من مساء كل يوم، يتوافد المحتجون إلى الساحة، ليديروا حواراً شعبياً حول آخر القرارات الحكومية، بعد أن يعلّقوا مطالبهم الخمسة على أحد جدرانها، تحت عنوان "بدي حقي... مستمرون"، وهي: إسقاط مجلس النواب، إسقاط الحكومة، تشكيل حكومة إنقاذ وطني، التراجع عن سياسة رفع الأسعار والضرائب، ومحاسبة الفاسدين.

وبعد أن يجري استعراض آخر القرارات الاقتصادية للحكومة، وانتقادها، يفتح المجال أمام ملاحظات المشاركين، والتي تبدأ بتشخيص الحالة الاقتصادية، وتمتدّ لانتقاد السياسات الرسمية وصنّاعها، من دون أن يسلم القصر من الانتقاد. وداخل الساحة تنتهي المسيرات التي تخرج أسبوعياً، بمشاركة المئات وأحياناً الآلاف، من أبناء المدينة والمؤازرين من خارجها، والتي تعدّت هتافاتها بعض الشعارات المعلنة، لتصل حدّ انتقاد الملك عبد الله الثاني، وعقيلته رانيا العبد الله، والتحذير من مستقبل استمرار النظام. 

وأثارت هتافات، على غرار "يا عبد الله يا ابن حسين... مال الأردن راح وين"، و"لا ولاء ولا انتماء... إلّا لرب السماء"، و"بطلنا نحكي يعيش... حقّ خبز ما فيش"، و"واحد إثنين... طلقها بأبو حسين"، غضب القصر. وعلى أثرها اعتقلت قوات الأمن عدداً من الناشطين، قبل أن يتم الإفراج عنهم لاحقاً، في مسعى لامتصاص غضب المحتجين. كما جرت وساطات عن طريق شيوخ ووجهاء المدينة، للطلب من المحتجين عدم تجاوز "الخطوط الحمراء" في هتافاتهم.

يؤكد العلاوين أنّ أعداد الملتحقين بالاعتصام اليومي في ازدياد. ويقول "نحن نكسب الشارع، وهذا ما نراهن عليه لاستمرار الاحتجاج، حتّى تحقيق مطالبنا"، مرجحاً أن تلتحق "غالبية المواطنين بالحراك الاحتجاجي في شهر إبريل/ نيسان المقبل، بعد أن يستشعروا أثر قرارات رفع الأسعار على حياتهم". ويضيف الناشط أنه "إذا استمر الاحتجاج حتى إبريل/ نيسان، من دون أن تحقّق الدولة مطالب المحتجين، فإن الأمور لن تبقى على حالها (...) الناس سيصبحون فقراء وليس لديهم ما يخسرونه، وهذا الشهر له ذاكرة عند الأردنيين".

وشهد الأردن في إبريل من عام 1989 انتفاضة شعبية، نتيجة للظروف الاقتصادية السيئة التي عاشتها البلاد بعد أن بدأت علاقتها بـ"صندوق النقد الدولي"، وهي الانتفاضة التي عرفت بـ"هبّة نيسان"، وانتهت بإقالة الحكومة وإلغاء قانون الطوارئ، وعودة الحياة النيابية.

أمين الراشد، الذي اعتقل لمدة 13 يوماً لمشاركته في "هبّة نيسان" عام 1989، وكان يبلغ حينها 19 عاماً، هو أحد رموز ساحة العين. يقول الأربعيني الذي يمتلك محلاً لتأجير مستلزمات المناسبات، لـ"العربي الجديد": "منذ 1989 وإلى الآن والبلد في تراجع. الفقر ينتشر والبطالة تزداد. تم تدمير الاقتصاد والزراعة والاستثمار، وهذه كلها مؤشرات على انهيار الدولة".

لا يأمل الراشد بأن تتطوّر الأوضاع لتصل إلى انتفاضة على غرار "هبّة نيسان" التي شهدت أعمال عنف واستخداماً مفرطاً للقوة من قبل الدولة، بقدر ما يأمل بأن "يلتقط الملك رسالة ساحة العين ويأخذ قراراً سياسياً للبدء بمرحلة إصلاح حقيقية". ويحذّر من عواقب عدم التقاط الرسالة بالقول "لم نعد نثق بالحكومات، لذلك لا نخاطبها، ولا نثق بمجلس النواب ولا نخاطبه، نحن اليوم نخاطب النظام لإنصاف الشعب الأردني، وعلى النظام أن يكون حريصاً على استمرار ثقة الموطنين به. نريد منه أن ينحاز إلى الشعب وليس للحكومات وإملاءات صندوق النقد الدولي".

ويضيف الراشد "نحب النظام ونتمسّك بالملك، ولا نريد بديلاً. نريد فقط أن يلتقط الرسالة قبل فوات الأوان، وحتى يتمكّن كذلك من الحفاظ على ديمومته"، ويشدّد على أنّ ساحة العين "تشكّل صمام أمان يضبط الحركة الاحتجاجية"، مبيناً أنّ "الناس تعبّر هنا عن غضبها بطريقة منظمة، فإذا ترك الأمر للتعبير غير المنظم في الشارع، فستكون العواقب خطيرة".

ويرجع الراشد تأخّر أو بطء التحاق المواطنين بالاحتجاج إلى "الخوف المسيطر، نتيجة لاستمرار النهج الأمني في التعامل مع مطالب الناس". ويشير إلى "تهديدات وصلت للمحتجين بحرمانهم من فرص عمل مستقبلية، في حال واصلوا الانخراط في الحركة الاحتجاجية".

ويقول في هذا الإطار: "نحن دولة ديمقراطية بالاسم، الحقيقة أننا نعيش في دولة أمنية بامتياز (...) في هذه الدولة تعمل دوائر الأمن ضد توجهات الملك. الملك قال للناس أنتم اضغطوا من تحت وأنا من فوق. نحن نقوم بواجبنا بالضغط، فيما الدوائر الأمنية تحاربنا وتحارب التوجهات الملكية".

معتصم الخريسات، مواطن آخر التحق بالاحتجاج منذ يومه الأول، لشعوره بأنه محروم من جميع حقوقه. يقول الشاب العشريني الذي يتقاضى 100 دينار (140 دولاراً) شهرياً، مقابل عنايته بديوان العشيرة: "لا يوجد أمامي مستقبل (...) الشباب غاضبون ويقولون في ما بينهم أكثر مما يقال في ساحة العين".

ويحمّل الخريسات "منظومة الفساد" مسؤولية الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيشها، مؤكداً عزمه على مواصلة الاحتجاج حتى يحصل على حقوقه الكاملة بالعمل والعيش بكرامة، قائلاً "الإجراءات الحكومية لن تبني مستقبل البلد كما تدعي الحكومة، هي تدمر مستقبلنا". وفيما يتواصل الاحتجاج اليومي في الساحة، والذي يختتم بدحيّة (رقصة فلكلورية) تطالب بمحاربة الفساد، يواصل الإعلام الأردني تجاهله، الأمر الذي لم يعد يثير غضب المحتجين الذين راحوا يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي لإسماع أصواتهم، التي باتت تتابع في جميع أنحاء المملكة. وشجعت احتجاجات السلط مدناً وبلدات أخرى على رفع صوتها. إذ شهدت مدينة الكرك الجنوبية، ولواء ذيبان التابع لمحافظة مادبا، جنوب العاصمة، ومدينة الزرقاء، شمال شرق العاصمة، احتجاجات متقطعة أيضاً.

المساهمون