يومان على الانتخابات البريطانية: الأحزاب تعيد تعريف نفسها

10 ديسمبر 2019
يسعى حزب العمال إلى تحقيق "ثورة اشتراكية"(أولي سكراف/فرانس برس)
+ الخط -
لا تقتصر أهمية الانتخابات البرلمانية المرتقبة، بعد غد الخميس، على تحديد أطر المستقبل البريطاني في العقود المقبلة، نظراً لارتباط نتائجها بكيفية تطبيق الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست" فحسب، إذ إن الانتخابات أتاحت فرصة كبرى أمام الأحزاب لإعادة تعريف نفسها، وربما إعادة تشكيل المشهد السياسي. وبعد نحو عقد من التقشف في ظل الحكومات المحافظة المتعاقبة منذ عام 2010، وأزمة الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي التي لا تزال عالقة منذ عام 2016، تستغل جميع الأحزاب البريطانية، سواء قطبي ويستمنستر أي المحافظين والعمال، أو أحزاب الصف الثاني، مثل الديمقراطيين الليبراليين والقوميين الاسكتلنديين، مخاض بريطانيا الجديدة لإعادة رسم سياساتها من خلال مفتاح موقفها من بريكست.

حزب العمال
يسعى حزب العمال إلى تحقيق "ثورة اشتراكية" في بريطانيا، في حال وصول زعيمه جيريمي كوربن إلى رئاسة الوزراء. ويعتقد "العمال" أن الشؤون الداخلية البريطانية، المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، أكثر أهمية لدى الناخب البريطاني من مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي. ولذلك ركزت مقاربة حملة العمال الانتخابية على الأزمات التي خلفتها سياسات التقشف المحافظة منذ عام 2010. كما أن وصول كوربن إلى زعامة الحزب عام 2015، كان بداية تحوّل، أو ربما عودة، في مسار "العمال" إلى اليسار، بعد أن كان ثقله السياسي منذ نهاية الحرب الباردة في الوسط.
وأطلق حزب العمال حملته الانتخابية تحت عنوان "حان وقت التغيير"، معلناً عن عدد من السياسات التي تستهدف الخدمات الصحية والتعليم، إضافة إلى رغبة في تأميم عدد من الصناعات والخدمات العامة. ويركز "العمال" على مسألة الخدمات الصحية الوطنية، والتي عانت من نقص التمويل في العقد الماضي، وكانت مركز جدل في العلاقات المستقبلية مع الولايات المتحدة. واتهم كوربن نِدَّه رئيس الوزراء الحالي، زعيم المحافظين، بوريس جونسون، بنيته خصخصة الخدمات الصحية الوطنية وعرضها على طاولة المفاوضات التجارية مع واشنطن بعد بريكست. ويرغب "العمال" في زيادة ميزانية الخدمات الصحية بنحو 4.3 في المائة سنوياً لحل أزمتها الحالية الناجمة عن نقص التمويل.

كما يريد الحزب تأميم عدد من الصناعات البريطانية الرئيسية، في إحدى أكثر سياساته يسارية، وذلك بهدف إعادة صياغة كيفية إدارة هذه الشركات، إضافة إلى إعادة هيكلة الإشراف الحكومي على عمل شركات القطاع الخاص. وتهدف هذه السياسات، التي تعد الأهم منذ حملة التأميم التي تلت الحرب العالمية الثانية، إلى منح الموظفين مزيداً من الحقوق التي تحميهم من ظروف العمل، إضافة إلى منحهم مزيداً من العائد المالي الذي تجنيه هذه الشركات. وتشمل الشركات التي يرغب حزب العمال في تأميمها، شركات الطاقة والمياه البريطانية، إضافة إلى خدمة البريد وسكك الحديد، بحيث تكون مملوكة من الدولة ومسؤولة أمام الشعب البريطاني. وتشمل السياسات الأخرى رفع الحد الأدنى من الأجور، وتحديد سن التقاعد عند 66 عاماً، ورفع المساعدات للفئات الأكثر حاجة، وبناء المزيد من الوحدات السكنية، وتوفير العناية الاجتماعية. كما ينوي الحزب زيادة الإنفاق على القطاع التعليمي، وإلغاء الرسوم الجامعية، إضافة إلى نزع الصفة "الخيرية" عن المدارس الخاصة في بريطانيا، بما يسمح بفرض الضرائب عليها.
أما في ما يتعلق ببريكست، فتعهّد حزب العمال، في حال وصوله إلى السلطة، بإجراء استفتاء ثانٍ على الخروج من الاتحاد الأوروبي، يكون الخيار فيه بين صفقة عمالية لبريكست والبقاء في الاتحاد الأوروبي. ويريد الحزب إعادة التفاوض على صفقة جونسون، بحيث يخلق خيار بريكست "ذي مصداقية" ويعرضه على الشارع البريطاني مقابل احتمال البقاء. ويريد "العمال" أن تشمل صفقة بريكست عضوية في الاتحاد الجمركي الأوروبي واتفاقا تجاريا يحافظ على ارتباط وثيق بالسوق الأوروبية المشتركة. ويسمح ذلك لبريطانيا بالتجارة مع دول الاتحاد من دون وجود حواجز جمركية، وبالتالي تجاوز عقبة الحدود الإيرلندية. لكن هذا الوضع يقيد حرية بريطانيا في إبرام اتفاقيات تجارية مستقلة. ووضع "العمال" ستة أشهر سقفاً زمنياً للتوصل إلى الاتفاق.
ويريد كوربن التزام الحياد في الاستفتاء الثاني، والسماح للحزب وأعضائه بحرية التصويت، وذلك بسبب حدة الانقسام داخل "العمال". وبينما صوتت قواعد العمال في المدن الكبرى لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، كانت قواعده التقليدية في الشمال الإنكليزي وويلز مؤيدة لبريكست. بل إن هذا الانقسام في قواعد الحزب يشكل أحد هواجسه في الانتخابات الحالية، حيث يسعى كل من المحافظين وحزب بريكست إلى استهداف الدوائر العمالية المؤيدة لبريكست، بزعم معارضة كوربن للخروج من الاتحاد الأوروبي. وستؤدي خسارة هذه الدوائر إلى إضعاف حظوظ "العمال" الانتخابية. وبينما يأمل كوربن في الفوز بالأغلبية البرلمانية، إلا أن الجهود الحالية رامية إلى حرمان المحافظين من الحصول على الأغلبية المطلقة، نظراً لتقدم الأخير في استطلاعات الرأي.


حزب المحافظين
أما حزب المحافظين فيسعى إلى التخلص من عبء سنوات التقشف التي شهدت تراجع الإنفاق الحكومي، وزيادة في الضرائب، وتدهوراً في الخدمات المملوكة للدولة، من خلال زيادة في الإنفاق على البنى التحتية والخدمات العامة والإسكان. كما يريد المحافظون تجميد المستويات الضريبية والرسوم الجامعية عند حدها الحالي. إلا أن جونسون جعل من "تطبيق بريكست" عنوان حملته الانتخابية، ويؤكد على ضرورة الخروج من الاتحاد الأوروبي في الموعد المقرر نهاية يناير/كانون الثاني المقبل. ويعتقد المحافظون أن بريكست سيوفر المليارات من الجنيهات، ما يسمح لهم برفع سقف الإنفاق الداخلي. وأكد جونسون على أنه سيتم الاتفاق التجاري مع بروكسل في غضون الأشهر الأحد عشر التالية لموعد بريكست، مشدداً في الوقت نفسه على عدم تمديد الفترة الانتقالية التالية للخروج من الاتحاد الأوروبي، والتي من المقرر أن تنتهي مع نهاية عام 2020.
كما يرغب جونسون في تعديل نظام الهجرة الحالي، من خلال تطبيق نظام النقاط الأسترالي في بريطانيا، بهدف جذب العمالة الماهرة. ويرى المحافظون أن الاستثمار الداخلي سيرفع من جودة الخدمات الحالية، خصوصاً الخدمات الصحية الوطنية. وبالإضافة إلى رفع تمويلها، تعهّد المحافظون ببناء 50 مستشفى جديدا في بريطانيا، إضافة إلى توظيف نحو 50 ألف ممرضة جديدة، ومنح الدعم للطلاب الساعين إلى دراسة التمريض. كما كان جونسون قد تعهد بتطوير البنية التحتية في الشمال الإنكليزي، من خلال بناء خط قطارات جديد بين ليدز ومانشستر، إضافة إلى تطوير خدمات الإنترنت في الريف البريطاني.
ويهدف الحزب، الذي يتصدر استطلاعات الرأي الحالية، على الرغم من تراجع الفارق بينه وبين "العمال"، إلى الحصول على الأغلبية المطلقة في البرلمان الجديد، أي أكثر من 50 في المائة من المقاعد. وبينما يتصدر المحافظون البرلمان المنحل، إلا أن الانقسامات الداخلية في الحزب، إضافة إلى خسارتهم للأغلبية في انتخابات عام 2017، قيّدت من قدرتهم على تطبيق سياستهم، خصوصاً في ما يتعلق ببريكست. وكان جونسون قد نجح في استعادة ثقة الناخبين المؤيدين لبريكست، ساحباً بذلك البساط من تحت قدمي حزب بريكست، والذي انهارت مستويات دعمه في استطلاعات الرأي الأخيرة إلى ما دون 5 في المائة. إلا أن معارضي بريكست من جمهور المحافظين يتجهون للتصويت في عدد من الدوائر الانتخابية لصالح الديمقراطيين الليبراليين. وهو ما دفع جونسون إلى البحث عن الفارق في دوائر العمال المؤيدة لبريكست، إضافة إلى الدوائر الاسكتلندية التي صوتت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.



الديمقراطيون الليبراليون
أما الديمقراطيون الليبراليون فيسعون إلى التعافي من الأزمة التي ضربتهم بعد المشاركة في الحكومة الائتلافية 2010-2015 بزعامة ديفيد كاميرون، والتي كان فيها زعيمهم، نيك كليغ، نائباً لرئيس الحكومة. واتهم الديمقراطيون الليبراليون حينها بالنكث بوعودهم الانتخابية ودعم سياسات التقشف المحافظة. ودفع ذلك زعيمة الحزب جو سوينسون أخيراً إلى الاعتذار عن دعمها لحكومة الائتلاف، التي كانت وزيرة فيها، والنأي بحزبها عن صورته القديمة.
ويرغب الحزب في تعزيز مكاسبه في السنوات الماضية. فقد استفاد الديمقراطيون الليبراليون من موقفهم المعارض لبريكست، وتموضعهم في وسط السياسة البريطانية، بين حزبي العمال والمحافظين، في جذب العديد من النواب المنشقين عن الحزبين الرئيسيين ليرفعوا عدد مقاعدهم في البرلمان المنحل إلى 21 نائباً. كما ينافس الحزب على المقاعد التي يعاني فيها قطبا السياسة البريطانية. فالديمقراطيون الليبراليون يسعون إلى كسب المقاعد المحافظة المعارضة لبريكست، بينما ينافسون في دوائر عمالية تضررت فيها سمعة "العمال" نتيجة أزمة معاداة السامية، مثل فنشلي وغولدرز غرين (دوائر في شمال لندن)، والتي تمتلك جالية يهودية كبيرة.
ويشمل برنامج الحزب الانتخابي سياسات مثل رفع تمويل الخدمات الصحية البريطانية، من خلال تخصيص 1 في المائة من ضريبة الدخل لصالحها، ومجانية رعاية الأطفال، وتوظيف 20 ألف مدرس جديد، وتجميد أسعار تذاكر القطارات، وزيادة في أجور الوظائف الأدنى أجراً، وبناء 300 ألف وحدة سكنية سنوياً، وزيادة في الضرائب على الأثرياء، وتشريع الحشيش. كما يتميز الحزب بعدد من السياسات الخاصة بالبيئة، والتي أهمها تحويل 80 في المائة من الكهرباء البريطانية إلى مصادر متجددة. كما تعهّد الحزب بإعادة توطين 10 آلاف لاجئ سنوياً. وبينما تراجع تأييد الديمقراطيين الليبراليين في الأيام الأخيرة، إلا أن عدد المقاعد التي سيحصدها ستؤدي دوراً حال خرجت الانتخابات ببرلمان معلق، لا يحصل فيه المحافظون أو العمال على الأغلبية البرلمانية، حيث سيحتاج كلا الحزبين الكبيرين إلى التحالف مع الأحزاب الأقل عدداً في البرلمان، مما يتيح لها فرصة تحديد شروط الدخول الائتلاف.

القوميون الاسكتلنديون
يعد القوميون الاستكلنديون ثالث أكبر الأحزاب في البرلمان المنحل بعدد 35 نائباً، ويتوقع أن ترفع الانتخابات من حصتهم في برلمان ويستمنستر، حيث يهيمن على أغلب المقاعد الاسكتلندية في ويستمنستر. ويرغب القوميون الاسكتلنديون في إجراء استفتاء جديد على الاستقلال الاسكتلندي، وهو ما يتطلب موافقة الحكومة المركزية في لندن. وسيستغلون احتمال الوصول إلى برلمان معلق إلى فرض شرط القبول بالاستفتاء الثاني على الاستقلال للدخول في الائتلاف الحكومي.
كما يعارض الحزب كلياً الخروج من الاتحاد الأوروبي، خاصة أن أغلبية الاسكتلنديين صوتت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي عام 2016. وتدعو زعيمة الحزب نيكولا ستورجون إلى التوجه لاستفتاء جديد على بريكست، وتدعم خيار البقاء في الاتحاد. وتطالب ستورجون أيضاً يمنح المزيد من السلطات للحكومة الاسكتلندية في ادنبرة، وذلك بما يشمل نهاية "حقيقية" لسياسات التقشف، وحماية الخدمات الصحية، ومنح ادنبرة صلاحيات أكبر فيما يتعلق بالهجرة وقوانين العمل والرعاية الاجتماعية والمواصلات. وبينما توقع استطلاع للرأي نهاية الأسبوع الماضي بأن يرفع القوميون الاسكتلنديون مقاعدهم إلى 46 مقعداً، يواجه الحزب منافسة من المحافظين الاسكتلنديين الذي ينافسونهم على أصوات مؤيدي بريكست في اسكتلندا.