سواء في الكتابة الأدبية أو في المسرح والسينما، عرف اليابانيون كيف يهضمون ثقافات الغرب مع الحفاظ على خصوصيات هويتهم من دون دخول في حالة التمزّق التي عرفها آخرون كما هو الحال مع العرب. هذه المصالحة قامت بالأساس على مبدأ الهضم، أي تحويل كل ما هو عالمي إلى مكوّن ثقافي ياباني.
يوم الخميس الماضي، رحل أحد أبرز المسرحيين اليابانيين، يوكيو نيناغاوا (1935 – 2016) والذي أسبغ الروح اليابانية على شخصيات شكسبير حيث يعدّ أحد أبرز ناقليه إلى المسرح من خارج الثقافة الأوروبية، إذ جعل الشخصيات الشكسبيرية تجسّد حكايات من التاريخ الياباني، القديم والحديث، إضافة إلى إقحام شخصيات يابانية ضمن الحبكات الشكسبيرية، كما أنجز مسرحيات باستخدام نصوص المسرحي البريطاني الأصلية بلغتها أو مترجمة لليابانية، وقدّم أعمالاً لـ بريخت وتشيخوف وإبسن.
لا تقتصر إضافة نيناغاوا على الاقتباس من شكسبير، حيث لم يبدأ هذا الاقتران إلاّ في منتصف سبعينيات القرن الماضي أي بعد قرابة سبع سنوات من احترافه المسرح. كانت بدايته عبر الاشتغال على المسرح التاريخي والتراثي الياباني، ثم تحوّل إلى إخراج الكلاسيكيات الإغريقية قبل أن يركّز على شكسبير، كما اقتبس للمسرح أعمالاً من الرواية اليابانية مثل: تانغو في آخر الشتاء، خدمة توصيل.
لعلّ أبرز ما قدّمه نيناغاوا هو القراءة البصرية الجديدة في المسرح، خصوصاً على مستوى تصميم المشاهد والعلاقات التي يخلقها بين الديكور والأزياء والوجوه والأقنعة، وقد استفاد هنا من معرفته بالفنون التشكيلية حيث كان في بداية حياته المهنية يطمح أن يحترفها قبل الانشغال بالمسرح.
قبل ثلاثة أسابيع من رحيله، كان نيناغاوا حاضراً في مسرح في طوكيو أثناء أداء إخراجه لمسرحية "ريتشارد الثاني" ضمن احتفالات المئوية الرابعة لرحيل شكسبير. خلال العرض ساءت حالته الصحية ونُقل إلى المستشفى حيث مكث فيه حتى رحيله في 12 من الشهر الجاري.