يمنيون خارج السعودية... معاناة إنسانية جديدة مع الترحيل

19 مارس 2018
لا فرص عمل في البلاد (Getty)
+ الخط -
يبدو أن المصائب تصرّ على الالتصاق باليمنيين أينما حلّوا، في بلادهم المأزومة أو في بلدان الاغتراب حيث يبحثون عن لقمة عيش كريمة لعائلاتهم. واليوم، تأتي موجة الترحيل السعودية لتزيد الطين بلّة

ترحيل مئات آلاف المقيمين اليمنيين في المملكة العربية السعودية مأساة جديدة تضاف إلى قائمة المآسي التي يعاني منها اليمنيون، والتي تجعل ما يجري في اليمن "أسوأ كارثة إنسانية معاصرة" بحسب المنظمات الدولية. وفي مطلع العام الجاري، راحت السلطات السعودية تحصر بعض الأعمال بالسعوديين وتغلقها في وجه الوافدين، في حين أصدرت قرارات بترحيل كل من لا يملك تصريح عمل نظامي، وذلك بهدف خفض معدّلات البطالة بين السعوديين وتوفير فرص عمل للشباب السعودي. أتى ذلك وسط تحذيرات من تداعيات كارثية قد تصيب اليمن وتهدده بآثار اقتصادية واجتماعية سلبية.

تفيد إحصاءات وزارة الداخلية السعودية بأنّ 65 في المائة من الذين جرى ترحيلهم أخيراً من أراضيها هم يمنيون، بينما ينتظر 130 ألف يمني آخرين مصيراً مماثلاً. في السياق، يقول أحمد حميد وهو من المغتربين اليمنيين المرحّلين من السعودية، إنّ "السلطات فرضت رسوماً وقوانين ساهمت في تعقيد أوضاعنا لينتهي الحال بعدم السماح لنا بالعمل في مجالات كثيرة وحصر تلك الأعمال والمهن بالسعوديين". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّه لم يتمكّن من "دفع المبالغ الكبيرة التي فرضتها السلطات السعودية".

ويتابع حميد: "أعيش منذ سنوات في المملكة أنا وأفراد أسرتي، وكنت أعمل في متجر لبيع الإلكترونيات والهواتف النقالة، وعندما صدر قرار الرسوم الواجب تسديدها عن كلّ فرد من أفراد أسرتي شهرياً، كان من الصعب البقاء. فراتبي بسيط". ويشير إلى أنّه قرّر إعادة أفراد أسرته إلى اليمن، لكنّ ذلك لم يكن الأمر الوحيد الذي غيّر حياته، ويقول إنّ "قرار سعودة محلات الهواتف النقالة كان الضربة التي دمّرت كل شيء. فغادرت المملكة مجبراً، وها أنا اليوم في مدينتي في محافظة إب (وسط) أبحث عن عمل من دون أن أوفَّق، وأعيش على ما أحصل عليه من بيع مقتنيات ثمينة خاصة بنا".



لا يختلف وضع المواطن اليمني سعد اليريمي عن وضع حميد، فهو جرى ترحيله من السعودية في أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي، الأمر الذي تسبب في سوء وضعه المعيشي ووضع ثلاث أسر كان يعيلها في اليمن. يقول لـ "العربي الجديد" إنّه "بسبب الحرب، كان أخي وزوج أختي بلا عمل، ولأنّني الوحيد الذي يعمل في السعودية، فقد تحملت مسؤولية إرسال مبالغ مالية لثلاث أسر، إحداها تتألف من سبعة أفراد، من بينهم أطفال. لكنّني أخيراً، وكما هي الحال بالنسبة إلى مغتربين كثيرين، أجبرت على ترك مصدر رزقي ورزق الأسر التي كنت أعيلها بسبب نظام السعودة".

ويخبر اليريمي أنّه "لأكثر من أربعة أعوام، كنت شريكاً لمواطن سعودي في محل بيع خضراوات وفواكه في العاصمة السعودية الرياض. لكنّ السلطات عمدت أخيراً إلى سعودة محلات الخضار التي يعمل فيها يمنيون وطردت كل من يعمل في هذا المجال". يضيف: "أنا في اليمن منذ أكثر من شهرَين، ولم أجد حتى اليوم أيّ عمل. ويبدو أنّني سوف أعود من جديد إلى السعودية مهما كانت النتائج وحتى بالتهريب، لأنّني أريد أن أعيش وأفراد أسرتي. وسوف أفعل أيّ شيء في سبيل تحقيق ذلك". ويعبّر اليريمي عن سخطه إزاء "الذين حرموني من مصدر رزقي في مثل هذه الظروف وعاملوني بطريقة غير لائقة. فقد ألقي القبض عليّ وتقييدي وسجني كأنّني مجرم، قبل أن يجري إخراجي من البلاد بملابسي فقط. لم يسمحوا لي بحمل أيّ من مقتنياتي الخاصة. هل يجوز لهم أن يفعلوا بي ذلك؟ هل نستحق نحن اليمنيون هذه المعاملة؟".
يفتقد والده لكنّ بقاءه في السعودية أفضل للجميع (محمد حويس/ فرانس برس)


من جهته، علي مغترب يمني في السعودية، وعلى الرغم من الراتب الزهيد الذي كان يحصل عليه في مقابل عمله، فإنّه يرفض العودة إلى اليمن ويختبئ في إحدى العزب في مدينة جدّة. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "العودة إلى اليمن انتحار، بسبب الحرب والجوع والأمراض. بالتالي، ليس أمامي إلا أن أتخفّى حتى تنتهي الحملات الأمنية فأعود إلى العمل من جديد". ويخبر علي الذي تحفّظ عن الكشف عن هويته كاملة، أنّه مختبئ منذ أربعة أشهر ولا يخرج إلى الشارع مثل عدد كبير من اليمنيين الذين يرفضون الترحيل. يضيف: "في اليمن، لن تجد أبداً عملاً بسبب الحرب. لكنّني لو عملت هنا وحصلت فقط على ألف ريال سعودي (نحو 270 دولاراً أميركياً)، فإنّ فارق سعر الصرف سوف يساعد أسرتي على الصمود وإن كان المبلغ تافهاً. هذا ما يمكن فعله". ويشير علي إلى أنّه سوف يعمل في أيّ عمل، "وإذا قبضت عليّ الجوازات السعودية ورحّلتني، فإنّ هذا يكون قضاء الله وقدره. لكنّني سوف أعود من جديد ولن أبقى في منزلي في صنعاء بينما يموت أولادي من الجوع".

تخوّف من الجوع
الجوع الذي يتخوّف منه اليمنيون هو الذي يدفع كثيرين من المرحّلين اليمنيين إلى الالتحاق بجبهات القتال، إمّا مع الجماعات المسلحة كالحوثيين والقاعدة أو مع الجيش الوطني التابع للحكومة الشرعية. ويرى المتخصص في الشؤون الأمنية صادق المرادي أنّ "ترحيل المغتربين اليمنيين قسراً يساهم في ظهور مشكلات أمنية واجتماعية عدة"، محذراً من "ردّ فعل عكسي". ويشرح المرادي لـ"العربي الجديد" أنّ المغتربين الناقمين على السعودية بسبب قراراتها الأخيرة، "سوف ينخرط عدد كبير منهم في القتال على الجبهات والالتحاق بالجماعات المسلحة بهدف الحصول على المال، وفي الوقت نفسه انتقاماً من السلطات السعودية". ويلفت المرادي إلى أنّ "الحوثيين رحّبوا أخيراً في تصريح رسمي بعودة المغتربين اليمنيين، وأكدوا أنّ معسكراتهم مفتوحة أمامهم وجاهزة لاستيعاب جميع اليمنيين العائدين من السعودية للمشاركة في الحرب ضدها وضد الحكومة الشرعية".

في السياق، يقول الناشط الحقوقي محمد عبد الوهاب لـ"العربي الجديد" إنّ "الإجراءات السعودية الأخيرة تهدّد بتراجع كبير في التحويلات المالية، بعدما كانت أهم مورد اقتصادي يحمي اليمنيين من شبح الجوع في ظل الحرب التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من ثلاثة أعوام". ويؤكد عبد الوهاب أنّ "الأسر اليمنية تعتمد على تحويلات المغتربين بصورة رئيسية، في ظل توقف مصادر الدخل وتسريح آلاف الموظفين من القطاع الخاص وتوقف رواتب موظفي الدولة منذ نحو عام ونصف العام". ويلفت إلى أن "من شأن ذلك سوف يزيد من المعاناة الإنسانية لآلاف الأسر اليمنية".

تحركات حكومية فاشلة
وكانت الحكومة اليمنية قد شكلت مطلع فبراير/ شباط الماضي، لجنة عليا برئاسة وزير الخارجية عبد الملك المخلافي للتواصل مع الحكومة السعودية وبحث المشكلات والمعوقات التي تواجه المغترب اليمني، خصوصاً بعد القرارات السعودية التي قضت بسعودة معظم الوظائف، غير أنّ جهودها ومحاولاتها باءت بالفشل.

وبعد فشل المساعي اليمنية في استثناء اليمنيين من قرار السعودة ورسوم المرافقين، أصدر الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي توجيهاً بإعفاء المغتربين اليمنيين العائدين من السعودية إلى اليمن بصورة نهائية من الرسوم الجمركية والضريبية، الأمر الذي أثار جدالاً واستياءً واسعَين.

وتُعَدّ العمالة اليمنية الثانية لجهة الكثافة في السعودية، إذ إنّ نحو مليونَي مغترب يمني يمثلون 20 بالمائة أو أكثر من الوافدين المقيمين في المملكة. ويُقدّر عدد اليمنيين المرحّلين أو الذين سوف يطاولهم الترحيل خلال الفترة المقبلة من جرّاء تطبيق القوانين الجديدة لنظام سعودة الوظائف والأعمال، بأكثر من 400 ألف يمني من مختلف الأعمار. يُذكر أن كثيرين من هؤلاء قضوا أغلب حياتهم في السعودية.




وكان مسؤول حكومي يمني قد كشف في تصريحات صحافية سابقة أنّ عدد المغتربين اليمنيين الذين جرى ترحيلهم أو سجّلوا خروجاً نهائياً عبر منفذ الوديعة الحدودي، بلغ 36 ألف مغترب خلال الفترة الممتدة ما بين بداية ديسمبر/ كانون الأول و20 فبراير/ شباط الماضي. ولفت إلى أنّ هذه الأرقام لا تشمل عدد المغتربين العاديين الذين غادروا عبر المطارات السعودية إلى مطار عدن، أو الذين انتقلوا إلى بلدان أخرى بحثاً عن فرص جديدة للعمل والاغتراب.

كيف تتمكّن من استكمال تعليمها في حال عاد والدها؟ (محمد حويس/ فرانس برس)



تجدر الإشارة إلى أنّه وبحسب تقرير مؤشّرات الاقتصاد اليمني الأخير الصادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، فقد ارتفعت نسبة الفقر في اليمن إلى 85 في المائة من إجمالي عدد السكان البالغ 27 مليون نسمة.
المساهمون