يعلون.. غزة.. والاقتتال الداخلي

16 أكتوبر 2014

موشيه يعلون في أحد الأنفاق المكتشفة قرب غزة (29أكتوبر/2013/Getty)

+ الخط -

شاعت، أخيراً، مقولة لوزير الحرب الإسرائيلي، موشيه يعلون، "ليس من المتعة أن تقتل عدوك بيدك، فعندما يقتل عدوك نفسه بيده، أو بيد أخيه، فإن المتعة أكبر، وهذه سياستنا الجديدة، أن نُشكّل مليشيات للعدو، فيكون القاتل والمقتول من الأعداء". يمكن فهم هذه المقولة على غير وجه، مع الحذر، هنا، أن إسرائيل ليست قدراً مقدوراً، تفعل ما تشاء وقتما تشاء، وعلى أي نحو تشاء، في فلسطين وفي المنطقة بأسرها. ولكن هذه المقولة تُحدث نوعا من الخوف العميق لأنها صدرت من "قاتل" محترف يستمتع بالقتل بيديه، وخصوصاً بعد العدوان على غزة، حيث خبر هذا القاتل نوعاً جديداً من المقاتلين الأشداء الذين غيروا مسلّمات كثيرة في قاموس الحرب وعقيدة القتال في إسرائيل.

موشيه يعلون من أشد رافضي قصة "السلام" برمتها، وأحد أشد دعاة الاحتلال والتوسع حماسة، وسيرته "المهنية"، حسب المصادر المتاحة، تقول إنه "يستمتع" حين يقتل "عدوه" بيديه، فما الذي تغير في طريقة تفكيره، حتى بدأ يبحث عن "متعة أكبر"؟

تقول السيرة إياها إن يعلون يهودي من أصول أوكرانية، شارك مباشرة في اغتيال الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية، خليل الوزير (أبو جهاد) عام 1988 في تونس. وأصبح جنرالاً في 1995، ثم رئيساً لوحدة الاستخبارات، ثم تسلم قيادة منطقتي الشمال والوسط، قبل أن يصبح رئيساً لهيئة الأركان عام 2002. كما بنى لنفسه صورة "المتشدد"، حيث كان خلال خدمته العسكرية في طليعة من قمعوا الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ولم يتردد في وصف الفلسطينيين بـ"السرطان"، وعارض اتفاق تبادل الأسرى مع حركة حماس عام 2011، والتي خرج بموجبها 1027 أسيراً فلسطينياً في مقابل إطلاق سراح جلعاد شاليط. ورفض تفكيك مستوطنات غزة عام 2005، فهو يقول إن "اليهود يستطيعون، ويتوجب عليهم العيش في كافة أرض (إسرائيل) (الحدود التوراتية) إلى الأبد".

وهاجم يعلون، في عام 2009، حركة السلام الآن المناهضة للاستيطان، ووصفها بـ"الفيروس"، خصوصاً بعد أن كشفت أنه صادق خلال فترة أربعة شهور، منذ بداية ولايته، على بناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية جديدة في المستوطنات المقامة على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. ويرفض يعلون الانسحاب من "مليمتر واحد" من الأراضي المحتلة عام 67، مؤكداً عدم وجود أي مشكلة ببقاء الوضع الحالي بشأن المفاوضات والصراع الفلسطيني الإسرائيلي مائة عام قادمة!

وبالعودة إلى ما يُمتع يعلون، تقول سيرته، كقاتل محترف، إنه قاد عملية اغتيال أبوعلى مصطفى، أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في رام الله، وشارك في عملية اغتيال أبو جهاد. وبفضله، تم تصفية ثلثي قوائم الاغتيال الإسرائيلية. ووصف روبرت فيسك عملية اغتيال أبوجهاد، بأن ما لا يقل عن أربعة آلاف إسرائيلي، جُندوا للعملية في تونس، ورأت زوجة الشهيد العصابة التي اغتالته تفرغ أربعة مخازن ذخيرة في جسده بشكل "احتفالي"... "وبعد ذلك، تقدم ضابط ملثم بلثام أسود، وأطلق النار على رأسه، ليتأكد من أنه فارق الحياة ". ويخبرنا روبرت فيسك أن الذي أطلق الرصاصات الأخيرة على رأس الضحية عام 1988، كان "ضابط مخابرات اسمه موشي يعلون"، وهو "أحد كبار الضباط الإسرائيليين الذين يقفون وراء سياسة الاغتيالات التي قررت إسرائيل تطبيقها في حربها ضد الفلسطينيين"، وهذه الجرائم، وغيرها من التي تملأ سيرة حياة يعالون، وصلت إلى حد خشية ملاحقته قضائياً، حتى في الدول الأوروبية، فاضطر إلى إلغاء زيارة كانت مقررة له إلى لندن، خشية التعرض لملاحقات قضائية، بتهمة ارتكاب "جرائم حرب" في الفترة التي كان خلالها رئيس أركان الجيش بين 2002 و2005، وكان قد صرح أنه يمتنع، منذ سنوات، من التوجه إلى بريطانيا لهذه الأسباب!

هذا هو يعلون الذي يقف على رأس هرم مؤسسة الحرب في إسرائيل، كقاتل محترف، فما الذي نقرأه في تصريحه ذاك، والسياسة "الجديدة" التي ستنتهجها إسرائيل في التعامل مع "أعدائها". وماذا يعني حينما يقول ما قال؟ وأين ستكون هذه "المليشيات الجديدة"؟

تذهب القراءة الأكثر تشاؤماً مباشرة إلى غزة التي شعر بالأسى فيها، لأن المقاومة حرمته رؤية النصر، إذ يقر بانعدام صورة "النصر" بالنسبة للجيش، ويتفهم مخاطباً الجمهور الإسرائيلي "شوقكم لنصر كنصر حرب الأيام الستة عام 1967"؟

الخوف، هنا، يتملكنا من تحويل "ملف المصالحة" بين حركتيْ فتح وحماس إلى محاولة لإنتاج "نسخة غزة" للتنسيق الأمني في الضفة الغربية. ولكن، بنكهة دموية، لأن "العدو" في غزة مسلح وشرس وأكثر خطورة، ويحتاج إلى انتهاج سياسة جديدة. وللأسف، ثمة من يعتقدون في جهاز السلطة الفلسطينية أن مهمتهم "الوطنية" قمع أبناء جلدتهم، ومنع نشوء أي مقاومة حقيقية، عبر تسخيرهم كل ما يملكون من قوة، ليكونوا أداة في يد الاحتلال، ومن أسفٍ، أيضاً، أنهم سجلوا "نجاحا" كبيراً في الضفة الغربية، حين منعوا، ولم يزالوا، اندلاع الانتفاضة الثالثة!

المشهد في غزة أكثر دموية، في حال تمت "المصالحة!"، وامتدت "ولاية" السلطة الأمنية إلى القطاع، والرعب، هنا، متجه إلى مخاطر تشكيل مليشيا "التنسيق الأمني" من عناصر السلطة، لتحقيق ما يريد يعلون، حين قال: "ليس من المتعة أن تقتل عدوك بيدك، فعندما يقتل عدوك نفسه بيده، أو بيد أخيه، فإن المتعة أكبر، وهذه سياستنا الجديدة، أن نُشكّل مليشيات للعدو فيكون القاتل والمقتول من الأعداء"!

فشل يعلون في قتل عدوه بيديه، في غزة، فهل يجلس واضعاً قدماً على أخرى، مستمتعاً بمشهد قتل الأخ أخاه؟