مشروع قانون لمنصات التواصل يثير غضباً واسعاً في المغرب

28 ابريل 2020
عبّر الناشطون والحقوقيون والصحافيون عن صدمتهم (جلال مرشدي/Getty)
+ الخط -

أثار تسريب مسودة مشروع قانون يتعلق باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي موجة غضب واسعة في المغرب، وصلت إلى حد اتهام الحكومة بـ"محاولة تكميم الأفواه" واستغلال الطوارئ الصحية لتكريس "قواعد الضبط والتحكم"، فيما بدا لافتاً أن الزوبعة التي أثارتها المسودة لن تنزل برداً وسلاماً على الائتلاف الحكومي.

ونشر صانع المحتوى واسع التأثير مصطفى الفكاك، المعروف بـ"سوينكا"، مساء أمس الاثنين، صوراً قيل إنها لبعض المواد التي تضمنها مشروع القانون المتعلق بمنصات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي لاقى حالة من الصدمة والرفض في صفوف المستخدمين والأوساط الحقوقية والصحافية، جرّاء تضمنه لعقوبات سالبة للحرية تصل إلى ثلاث سنوات سجن بسبب الدعوة إلى مقاطعة منتوج تجاري.

 

وأبدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي معارضتهم الشديدة وانتقادهم اللاذع للمشروع الذي أعده وزير العدل، معتبرين أنه يمس بحرية التعبير ويروم "تكميم الأفواه"، ويثير أكثر من علامة استفهام عن توقيت إثارته ومراميه في ظرف استثنائي يتسم بانشغال البلاد بكل مكوناتها في الحرب ضد فيروس كورونا المستجد.

كما اتهم رواد المنصات الاجتماعية الحكومة بـ"عدم إشراك الحقوقيين والصحافيين في صياغة مشروع القانون"، و"التعتيم"، إذ لم تفصح عن مضامينه ونشره في بوابة الأمانة العامة للحكومة، مكتفية، في بيانها الصادر في 19 مارس/آذار الماضي، بالإشارة إلى "المصادقة عليه، مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة في شأنه بعد دراستها من طرف اللجنة التقنية ثم اللجنة الوزارية المحدثتين لهذا الغرض".

وفي محاولة للضغط على الحكومة، أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي حملة لإسقاط مشروع القانون المثير للجدل، مع دعوات للتصدي له من خلال وسم #يسقط_قانون_2220، الذي تصدر ترند موقع "تويتر" بالمغرب، إلى جانب #أرفض_2220.

كما تم اليوم، الثلاثاء، إطلاق عريضة تحمل عنوان "قانون 22.20 لن يمر"، جاء فيها أن "الحكومة تستعد لتمرير مشروع قانون يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، بعيداً عن القيم الدستورية القائمة على التشاركية".

وقالت العريضة إنه "نظراً لخطورة المشروع على منظومة حقوق الإنسان وعلى حق التعبير، كما تتوخى ذلك الوثيقة الدستورية، وأنه لا يتماشى مع المرجعيات الحقوقية الدولية، واعتباراً لما يتضمنه من قواعد قانونية فضفاضة يترتب عنها ترتيب جزاءات حبسية، وخوفاً من استغلال ظروف غير عادية لتمرير قانون ضار بالحقوق الفردية والجماعية ويمس بسيادة القانون ودولة المؤسسات، نعلن نحن المواطنين والمواطنات رفضنا المطلق لمشروع القانون 22.20 المشؤوم".

ويتضمن المشروع بنوداً مثيرة للجدل كتلك المتعلقة بالدعوة إلى معاقبة دعاة المقاطعة الاقتصادية للشركات، إذ تنص المادة 14 من النسخة المسربة من المشروع، على السجن من ستة أشهر إلى سنة وغرامة من 5000 درهم (نحو 500 دولار) إلى 50000 درهم (5 آلاف دولار)، لكل من قام على شبكات التواصل الاجتماعي بالدعوة إلى مقاطعة منتوجات أو بضائع أو القيام بالتحريض على ذلك، وعلى العقوبة نفسها لكل من حرض الناس على سحب الأموال من مؤسسات الائتمان.

كما ينص مشروع القانون على تطبيق العقوبات ذاتها بالسجن والغرامة، على من نشر محتوى إلكترونياً يتضمن خبراً زائفاً من شأنه التشكيك في جودة وسلامة بعض المنتجات والبضائع وتقديمها على أنها تشكل تهديداً وخطراً على الصحة.

وكان الحديث عن تقنين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد بدأ خلال حملة المقاطعة الشعبية التي كانت قد استهدفت، قبل ما يربو عن السنة، شركة للمحروقات وأخرى للمياه المعدنية وثالثة لمشتقات الحليب، احتجاجاً على ارتفاع الأسعار، وهي العملية التي تكبدت فيها تلك الشركات خسائر فادحة.

ورأى أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، رشيد لزرق، أنه "في الوقت الذي أشاعت فيه جائحة كورونا أجواءً من التضامن والتكاثف، ارتأت الحكومة في شخص وزير العدل أن تضرب في العمق الحقوق والحريات والمكتسبات عبر توظيف إجراءات الطوارئ لتمرير قانون يظهر الاحتباس الفكري لواضعه تحت مبرر مواجهة الأخبار الزائفة".
وأشار لزرق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى "كون الوزير محسوباً على حزب تقدمي، يطرح بحدة سؤال الكفاءة في حكومة العثماني، وكذا محاولتها ضرب الفصل 25 من الدستور الذي ينص على كون حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها".

وفي تقدير خالد البكاري، الناشط الحقوقي، فإن وضع هذا المشروع للمصادقة عليه والتداول فيه في مجلس الحكومة خلال هذه الظروف الحرجة هو "تعبير صارخ عن الاستهتار بما تمر به البلاد، وعن العقلية التي تتحكم في إنتاج القرارات، والتي يتقاطع فيها البعد الأمني الضبطي مع بعد خدمة مصالح منفعية".

ويرى الناشط الحقوقي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التكتم على تفاصيل المشروع وعدم نشره للعموم هو دليل على نية سيئة كانت تروم تمريره في هذه الظروف في غفلة من الرأي العام، مضيفاً: "صحيح أن المشروع لم يقدم بعد للبرلمان، ولكن ما تسرب منه يكشف عن العقلية التي تتحكم فيه، وهي عقلية لا يمكن ائتمانها على مصالح البلاد والعباد، الأخطر في أي قانون ليس مواده بل الاختيارات التي تؤطره والمصالح التي تقف وراءه".

من جهتها، قالت النائبة البرلمانية والصحافية حنان رحاب، إن ما يثير التساؤل فعلاً هو الصيغة الملغومة التي جاءت بها المصادقة على مشروع القانون داخل الحكومة، معتبرةً أن المقاربة التشاركية في إعداد المصادقة على مشروع القانون لم يتم احترامها، إذ إن الحكومة كان عليها طلب رأي "المجلس الوطني للصحافة"، وفق ما ينص عليه القانون المنظم له، على اعتبار أن مشروع القانون حول شبكات التواصل الاجتماعي لها صلة مباشرة بملف حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة.

وبحسب النائبة البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المشارك في الحكومة، فإن المشروع يجب أن لا يمر، لافتة في تصريح للموقع، إلى أن "هناك قانون الصحافة والنشر، الذي يمكن أن يسري على المواقع الاجتماعية، وفي أقصى الحالات يمكن تعديل القانون بما يتيح سريانه على المواقع الاجتماعية بعيداً عن سن أيّ عقوبات حبسية، وفقط للحالات المجرّمة في القانون الأصلي، كالقذف والتشهير والمس بالحياة الخاصة".

وفي ظل الجدل حول النسخة المسربة، كان لافتاً، صباح الثلاثاء، تداول مذكرة لوزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد، كان قد وجهها إلى الأمانة العامة للحكومة تتضمن رأيه في مشروع القانون المثير للجدل.

وفي الوقت الذي كشفت فيه المذكرة عن موقف رافض لوزير الدولة المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية، للقانون الذي يقيد حرية التعبير ويهدد بسجن دعاة المقاطعة، لوّح عدد من المنتمين إلى حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي ينتمي إليه وزير العدل محمد بنعبد القادر، إلى وقوف حليفهم حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الائتلاف الحكومي، وراء تسريب مشروع القانون لتصفية حسابات سياسية، ما ينذر بأزمة جديدة في حكومة سعد الدين العثماني.
المساهمون