يحيا العسكر.. يموت الجميع!

23 مايو 2014

حفتر في مؤتمر صحافي في بنغازي (مايو 2014 Getty)

+ الخط -
حتى كتابة هذه السطور، لم يكن الجنرال الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، قد طلب من مواطنيه الخروج إلى الشوارع في مظاهرات مليونية، كي يفوضوه بمواجهة الإرهاب المحتمل، أو القائم فعلاً، على ما يقول، بل إنّ الرجل بادر بتحريك جنده، ليطلقوا النار على خصومه، في بنغازي، ثم في طرابلس، من دون تفويض شعبي، كالذي طلبه، وحصل عليه، الجنرال المصري عبد الفتاح السيسي، عقب انقلابه العسكري على الرئيس الشرعي المنتخب، محمد مرسي، وعلى حكم "الإخوان المسلمين".

ثمة، إذن، اختلافات بين الحالين تفرض هذا التباين الشكلي، في خارطة طريق الاستيلاء على السلطة، لعل أولها أن حفتر ضابط متقاعد، يحظى بولاء وحدات وكتائب عسكرية متفرقة، لا وزير دفاع، يقود أكبر الجيوش العربية، كما كان السيسي. وثانيها أن تحريك ملايين المتظاهرين في بلد مترامي الأطراف (مليون وثمانمائة ألف كيلومتر مربع) وعدد سكانه أقل من سبعة ملايين نسمة، لا يبدو ممكناً، مثل ما كان في دولة أصغر مساحة (مليون كيلومتر مربع)، ويزيد قاطنو عاصمتها  فقط على عشرة  ملايين، بينما تكتظ مدنها الأخرى وأريافها بنحو 70 مليوناً، ثم إن قوى الثورة الحاكمة في ليبيا، وهذا اختلاف ثالث، ظلت دوماً، ولا تزال، أقوى من أن تنال منها بقايا نظام العقيد معمر القذافي، وهي على الرغم مما ارتكبت من أخطاء، أو خطايا، لم تتعرض لحملات تشهير وتشويه مؤثرة فعلاً، وتساوي ما تعرض له حكم الإخوان المسلمين، في مصر، من شيطنة وتخوين، على أيدي ما تسمى الدولة العميقة التي واصل رموزها التشبث بمواقعهم، ومصالحهم ونفوذهم، وقدرتهم على التأثير، بعد سقوط الرئيس حسني مبارك، ومحاكمته.

لكن تلك الاختلافات، في الشكل، وغيرها، تظل أقل من أن تحجب جوهر ما يحدث اليوم في ليبيا، وما حدث قبلاً في مصر، باعتبارهما فصلين هامين، في تاريخ ثورة مضادة، يقودها جنرالات، كانوا قد تربوا، في أحضان أنظمة الحكم السابقة، وتصعب تبرئتهم، أيضاً، من اتهامات خصومهم لهم، بتنفيذ أجندات سياسية خارجية، لقوى تضع نصب عيونها إجهاض ثورات الربيع العربي، وجعل مصيرها عبرة لمن يعتبر، قبل أن تتمدد نحو المزيد من هشيم ديكتاتوريات الجهل والقمع والفساد.

على أيّ حال، وإن تكن ليبيا تقدم، الآن، نموذجاً مماثلاً لما قدمته جارتها الشرقية مصر، في شأن تدخل العسكر برسم مصيرها، فإن جارتها الغربية تونس أعطت نموذجاً آخر، يقول، ببساطة، إن وصول مركب الثورة الشعبية إلى بر الأمان يبقى ممكناً، طالما ابتعد هؤلاء عن غرفة قيادتها.

الجنرالات، وفق هذا الفهم لدورهم الراهن، على الأقل، ليسوا إلا حصان طروادة الزمن العربي الجديد، يقدمون أنفسهم على أنهم رموز سلام وأمن واستقرار، فيحتفي بهم البسطاء والطيبون من مواطنيهم، ثم لا يلبث جندهم أن يخرجوا على الناس، ليعيدوا فرض قانونهم الأثير؛ العبودية أو الموت.

وفي التاريخ القريب والبعيد، أدلة وبراهين وقرائن، تتجاوز الجغرافيا الليبية والمصرية والتونسية، لترينا ماذا يحل بالأوطان تحت حكم العسكر. لقد استولى الجنرال حافظ الأسد على السلطة عام 1970 تحت شعارات التصحيح، وجاء برئيس انتقالي صوري، يُدعى أحمد حسن الخطيب، ثم سرعان ما ترشح للرئاسة، تماما كما يفعل السيسي اليوم، وفاز طبعاً، بغالبية ساحقة، وظل يفوز، ويقتل، ويقمع، ويعتقل، ويفوز، إلى أن مات، وورث الحكم، من بعده، ابنه بشار الذي تحول من طبيب إلى ضابط، وصار يقتل، ويقمع، ويعتقل، ويترشح للرئاسة، ويفوز، ومازال يقتل، ويقمع، ويعتقل، ويترشح للرئاسة.. وسيفوز، حتى لو مات الجميع، ولم يبق في البلاد أحد.
 
EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني