27 سبتمبر 2019
يحدث في اللاذقية
سقط، في العاشر من نوفمبر/تشرين ثاني الجاري، صاروخ على موقف باص قرب جامعة تشرين في اللاذقية، وهو موقفٌ يكتظ دوماً بالطلاب والناس، ويُسمونه موقف الفقراء. وقد استوطن الموت سورية، وصار يحصد الضحايا ببراعة كبيرة، إذ قضى فور سقوط الصاروخ 22 شخصاً، حسب وكالة الأنباء الرسمية، وأصيب بجروح خطيرة أكثر من خمسين. جاء شريط الأخبار والصور المرافقة له على الحادث، وأعقبه بخبر عن ضحايا الغوطة الذين تعرضوا لقصفٍ. وفي الوقت نفسه، عرض التلفزيون السوري ابتهاجه بتحرير جنود أسرهم "داعش" في مطار حلب، وقرئت تعليقات عديدة على "فيسبوك" ممن أصاب عقلهم العطب، هللوا للانتصارات، ولنجاح النظام في استعادة تلك الرقعة من المطار وتحرير الأسرى.
تفوق الحالة السورية المأساوية اللامعقول، حيث يعجز عقل بشري عن تحمل كل هذا الإجرام. ولكن، للاذقية وضع خاص، فهي نسبياً أكثر المدن أماناً في سورية، أو أقلها أذىً، خصوصاً بعد أن نزح إليها مليونا شخص، معظمهم من حلب، ويحقّ لكل سوري يسكن في اللاذقية أن يتساءل: ماذا تفعل القوات الروسية والطيران الروسي في اللاذقية، وقد دخلوا بذريعة حماية الساحل من الإرهابيين. ولم يبق لاذقاني واحد إلا وشكا من طنينٍ في أذنيه، بسبب الدويّ الذي لا ينقطع للطيران الروسي، وصفير سيارات الإسعاف المستمر، والتي تنقل قتلى وجرحى سقطوا في قرى اللاذقية. أصبح الموت اليومي مرادفاً للخبز اليومي، والكل يشاهد الجنود الروس يحضرون صلاة القداس كل أحد في الكنيسة في اللاذقية، وربما هي أوامر من قادتهم بحضوره، للتدليل على أرثوذوكسيتهم. وبعضهم تعلم تدخين الأركيلة مع شابات وشبان في المدينة. ولأننا، نحن السوريين، لم نجنّ بعد، الكل يطرح السؤال: ماذا تفعل الطائرات الروسية في سورية، فلا تهدأ ليل نهار، ولماذا، في الوقت نفسه، لا يتوقف صوت سيارات الإسعاف، كما لو أن هنالك رابطاً واضحاً بين هذه الطائرات وموت السوريين الذين تنقلهم سيارات الإسعاف، ومعظمهم مدنيون وأطفال.
من يبالي بشعور الأطفال الذين كانوا قرب موقف أسبيرو في اللاذقية، وشاهدوا بشراً يتناثرون شظايا لحم محترق. فتح أحد الأطفال فمه مذهولاً، وقال عبارة تبدو كالنكتة: بابا مثل أفلام كرتون. مثل توم وجيري اللذين يتمزقان نتفاً، لكنهما يُعيدان لحم جسميهما. اعتقد الطفل المُروّع من المشهد الإجرامي، على الأغلب، أن الذين تمزقت أجسادهم وتناثرت سوف يُعيدون لحم جروح أجسادهم وتصدعاتها، مثل أفلام كرتون، ويضحكون ويركبون الباص ويعودوا أحياء. ولكي تكتمل المهزلة، ويتحقّق مسرح اللامعقول، تنقل الفضائيات لنا قلق الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، والتحضيرات الجدية من أجل مؤتمر لحل الأزمة السورية.
قمة المهزلة فعلاً، وقمة الاستخفاف بالشعب السوري، فما يحصل على الأرض مزيد من الجنون والقتل السهل والتصعيد، لكن أصحاب ربطات العنق الملمعة لن يتقاعسوا عن تقديم مسرحية: المؤتمر من أجل حل المأساه السورية، مثل عشرات المؤتمرات الفاشلة من أجل سورية، وذلك كله مترافق مع انهيار فظيع لليرة السورية، وانقطاع أدوية إسعافية وضرورية كثيرة وتضاعف أسعارها. وأصبح المواطن السوري كبش المحرقة لشياطين العالم. كلهم مستعد أن يُضحّى به، حسب مصالحه. كيف نصدّق أن هناك مساعي جدية لحل الأزمة، وكل يوم ينزح ألوف السوريين، ويهاجرون. وهناك من يسرق حصصاً من طعام بعضهم في مخيمات اللجوء، إذ يحدث أن ترى في اللاذقية محلات تبيع معلبات كتب عليها "مُخصص لمخيم الزعتري". أي تاجر حرب باع طعام الأطفال السوريين الجياع للتجار؟
ليس شهداء اللاذقية يوم العاشر من نوفمبر الجاري الوحيدين في سورية. لكن، بعد أن هجّت عصافير السماء، ورفرفت الطائرات الروسية بكثافة في سماء اللاذقية لحماية سكان الساحل، وبعد أن امتلأت شوارع اللاذقية بالجنود الروس الوسيمين الذين من أهم مهامهم حضور القداس الإلهي، يوم الأحد، خصوصاً أن الكنيسة مختلطة، ويصلي جنباً إلى جنب رجال ونساء، وصبايا وشبان، يحق لنا أن نتساءل: أين حماية أهل الساحل، وأهل اللاذقية التي تضم مليوني نازح، هجّوا من المناطق المُلتهبة، ومن البراميل المُتفجرة؟ كيف تحمي الشعب السوري، يا بوتين، وما رأيك بتفجير موقف الحافلات؟
من يجرؤ على البرهان أن الشعب السوري ليس أعزل في مأساته، وأنّ لا أحد يمثله، ولا أحد يدافع حقاً عنه. تشكلت هذه القناعة عند السوريين جميعاً، ولم يبق للسوري، لكي لا يفقد عقله من الألم والقتل اليومي والإجرام، سوى أن يكون مثل الطفل ابن السنوات الخمس الذي شهد تفجر موقف حافلات، ورأى الناس تتمزق أشلاء، لكنه حمى نفسه من العته والجنون، وربما لم يستطع أن يصدّق أن الإنسان مجرم إلى هذا الحد، قال إنها أفلام كرتون، سيعود هؤلاء إلى الحياة، ويلصقون نتف أجسادهم. لم يبق للسوري إلا أن يحسد أفلام الكرتون التي تغلب الموت، وتعيد إلى نفسها الحياة بقدرة قادر.
تفوق الحالة السورية المأساوية اللامعقول، حيث يعجز عقل بشري عن تحمل كل هذا الإجرام. ولكن، للاذقية وضع خاص، فهي نسبياً أكثر المدن أماناً في سورية، أو أقلها أذىً، خصوصاً بعد أن نزح إليها مليونا شخص، معظمهم من حلب، ويحقّ لكل سوري يسكن في اللاذقية أن يتساءل: ماذا تفعل القوات الروسية والطيران الروسي في اللاذقية، وقد دخلوا بذريعة حماية الساحل من الإرهابيين. ولم يبق لاذقاني واحد إلا وشكا من طنينٍ في أذنيه، بسبب الدويّ الذي لا ينقطع للطيران الروسي، وصفير سيارات الإسعاف المستمر، والتي تنقل قتلى وجرحى سقطوا في قرى اللاذقية. أصبح الموت اليومي مرادفاً للخبز اليومي، والكل يشاهد الجنود الروس يحضرون صلاة القداس كل أحد في الكنيسة في اللاذقية، وربما هي أوامر من قادتهم بحضوره، للتدليل على أرثوذوكسيتهم. وبعضهم تعلم تدخين الأركيلة مع شابات وشبان في المدينة. ولأننا، نحن السوريين، لم نجنّ بعد، الكل يطرح السؤال: ماذا تفعل الطائرات الروسية في سورية، فلا تهدأ ليل نهار، ولماذا، في الوقت نفسه، لا يتوقف صوت سيارات الإسعاف، كما لو أن هنالك رابطاً واضحاً بين هذه الطائرات وموت السوريين الذين تنقلهم سيارات الإسعاف، ومعظمهم مدنيون وأطفال.
من يبالي بشعور الأطفال الذين كانوا قرب موقف أسبيرو في اللاذقية، وشاهدوا بشراً يتناثرون شظايا لحم محترق. فتح أحد الأطفال فمه مذهولاً، وقال عبارة تبدو كالنكتة: بابا مثل أفلام كرتون. مثل توم وجيري اللذين يتمزقان نتفاً، لكنهما يُعيدان لحم جسميهما. اعتقد الطفل المُروّع من المشهد الإجرامي، على الأغلب، أن الذين تمزقت أجسادهم وتناثرت سوف يُعيدون لحم جروح أجسادهم وتصدعاتها، مثل أفلام كرتون، ويضحكون ويركبون الباص ويعودوا أحياء. ولكي تكتمل المهزلة، ويتحقّق مسرح اللامعقول، تنقل الفضائيات لنا قلق الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، والتحضيرات الجدية من أجل مؤتمر لحل الأزمة السورية.
قمة المهزلة فعلاً، وقمة الاستخفاف بالشعب السوري، فما يحصل على الأرض مزيد من الجنون والقتل السهل والتصعيد، لكن أصحاب ربطات العنق الملمعة لن يتقاعسوا عن تقديم مسرحية: المؤتمر من أجل حل المأساه السورية، مثل عشرات المؤتمرات الفاشلة من أجل سورية، وذلك كله مترافق مع انهيار فظيع لليرة السورية، وانقطاع أدوية إسعافية وضرورية كثيرة وتضاعف أسعارها. وأصبح المواطن السوري كبش المحرقة لشياطين العالم. كلهم مستعد أن يُضحّى به، حسب مصالحه. كيف نصدّق أن هناك مساعي جدية لحل الأزمة، وكل يوم ينزح ألوف السوريين، ويهاجرون. وهناك من يسرق حصصاً من طعام بعضهم في مخيمات اللجوء، إذ يحدث أن ترى في اللاذقية محلات تبيع معلبات كتب عليها "مُخصص لمخيم الزعتري". أي تاجر حرب باع طعام الأطفال السوريين الجياع للتجار؟
ليس شهداء اللاذقية يوم العاشر من نوفمبر الجاري الوحيدين في سورية. لكن، بعد أن هجّت عصافير السماء، ورفرفت الطائرات الروسية بكثافة في سماء اللاذقية لحماية سكان الساحل، وبعد أن امتلأت شوارع اللاذقية بالجنود الروس الوسيمين الذين من أهم مهامهم حضور القداس الإلهي، يوم الأحد، خصوصاً أن الكنيسة مختلطة، ويصلي جنباً إلى جنب رجال ونساء، وصبايا وشبان، يحق لنا أن نتساءل: أين حماية أهل الساحل، وأهل اللاذقية التي تضم مليوني نازح، هجّوا من المناطق المُلتهبة، ومن البراميل المُتفجرة؟ كيف تحمي الشعب السوري، يا بوتين، وما رأيك بتفجير موقف الحافلات؟
من يجرؤ على البرهان أن الشعب السوري ليس أعزل في مأساته، وأنّ لا أحد يمثله، ولا أحد يدافع حقاً عنه. تشكلت هذه القناعة عند السوريين جميعاً، ولم يبق للسوري، لكي لا يفقد عقله من الألم والقتل اليومي والإجرام، سوى أن يكون مثل الطفل ابن السنوات الخمس الذي شهد تفجر موقف حافلات، ورأى الناس تتمزق أشلاء، لكنه حمى نفسه من العته والجنون، وربما لم يستطع أن يصدّق أن الإنسان مجرم إلى هذا الحد، قال إنها أفلام كرتون، سيعود هؤلاء إلى الحياة، ويلصقون نتف أجسادهم. لم يبق للسوري إلا أن يحسد أفلام الكرتون التي تغلب الموت، وتعيد إلى نفسها الحياة بقدرة قادر.