يا محمّد

28 يونيو 2014
+ الخط -

سيّدُ من تأمَّل ليل الحقول، واستبطنَ أسراره -  يوصي ألاّ يُدفن في الليل. هكذا هو. رغم أنه ذاهب إلى ضفاف ليل أبدي، ينحاز كعادته للشمس.

نعم. من عاش حياته كلّها في النور، وأعلن مواقفه كلّها في النور، وكالنور عاش ومات، لا تليق به العتمة.

أتذكّر محمد عفيفي مطر، في هذا الليل البرشلوني الطيّب، وأسترجع ذكرياتي القليلة معه. في القاهرة حيث سهرنا ليلة في حي "الحسين" وهو يأخذ بيدي من زقاقٍ إلى عطفةٍ إلى مقهى. ويخبّ كعصفور داخل جلبابه الريفي. وفي بغداد، قبل 13 سنة، إذ كانت آخر سهرة جمعتنا على انفراد في فندق المنصور.

هل أنسى؟

حكيت له وقتها كيف سرقت متشاعرة من عائلة يسارية ـ صارت بنت وزير بعد ذلك ـ قصيدة طويلة مدوّرة له، وكيف كنتُ اتهمتها بالسرقة، معتمداً على حدسٍ يعوزه إثباتُ الاسم. حتى جاء البرهان سريعاً، فنزلتْ القصيدة باسمه في صفحة "القدس" الثقافية، بعد شهر. وحكيت أنني أصررت حينها على خروج الفتاة من المسابقة، إلاّ أن لجنة التحكيم بحروف دالِها [وكانت أجمعت على منحها الجائزة الأولى] تنازلت بسبب اعتراضي ومنحتها الجائزة الثالثة! وهكذا فاز عفيفي (من خلال منتحلة القصيدة) بتلك المرتبة في مسابقة محلية باسم ناجي العلي.

وأنا إلى اليوم، لا يمكن أن أنسى تعقيبه أبداً: "مرتبة ثالثة في مسابقة تحمل اسم ناجي، ولا جائزة مبارك".

ضحكنا طويلاً على المفارَقة، والألم العراقي يتمرأى من تحتنا ونراه من الشرفة، وقال لي: حرام أن تكسر خاطرها، فما دامت البُنيّة أحبت القصيدة فأنا متنازل لها.

ثم أخذنا الحديث، فحمّلني رسالة إلى صديقنا العزيز مروان برزق. وكم ضحكنا على ذكرياته الطريفة مع مروان "التّقيل" وقول محمد "إنه أكبر شاعر طفل رأيته في حياتي"

الآن أتذكّره ويمضّني الأسى على الحال والمآل. فها هي الثورة التي حلم بها وأرّث نارها ـ في قصائد مشغولة بخيوط الذهب ـ تُخطف من أيدي صانعيها، وتنام مدحورةً في لحية شيخٍ أو خوذة جنرال.

تُرى متى سيستبدل شعبك "احتفالات المومياء المتوحشة" بـ "رباعية الفرح"؟

متى يا محمد؟

أيها الصوت الطالع ثقيلاً وكثيفاً مثل بقبقة في الطّمي.

يا مُواطن الألم الجمّ.

سلاماً لِنُبلك،

وسلاماً على يدك الباقية.


*شاعر فلسطيني مقيم في برشلونة

دلالات
المساهمون