مثلما أدخل نزار قباني البيت الشامي إلى قصيدته، فعل بدر شاكر السيّاب حين أدخل الشناشيل، أي تلك الشرفات الخشبية البارزة في الطابق الأوّل من البيوت البصرية، إلى قصيدته الشهيرة : شناشيل ابنة الجلبي.
كتب السياب قصيدته هذه حين كان مريضاً في لندن قبل سنتين وشهرين من وفاته عام 1964. ليست الشناشيل وحدها الحاضرة في قصيدة اسمها، بل قصّة الحبّ الكسير على عادته مع السيّاب.
تشبه الشناشيل المشربيّات التي نجدها في العمارة الإسلامية في بيوت دمشق والقاهرة مثلًا. صحيح أن مؤرخي العمارة يجدون أصولًا هندية في تصاميم شناشيل البصرة وهذا صحيح، إلا أن انسجامها في المكان ما كان ليتّم على هذا النحو لولا ذاك التقاطع الوثيق مع المشربيّات. فالزخرفة والنمنمة، اللتين تقومان على البدء من البسيط والصغير، ثمّ إنشاء شيء هائل منه، حاضران في كلّ العمارة الإسلامية. وقوّة التناسب التي تميّز تلك العمارة لطالما فتنت الناظرين وسحرتهم لمتعتها الجمالية، وناسبت القاطنين فيها للذكاء في وظائفها. وهذا كلّه حاضرٌ في الشناشيل كما في قصيدتها.
الشناشيل البصرية من خشب هو أحياناً محلي ويفضّل خشب شجر التفاح، وأحيان أخرى يكون خشبها مستورداً من الهند أو أندونيسيا. إذ إن البصرة، بموقعها المميّز وطبيعتها الممتلئة بالسواقي والأنهار الصغيرة الناجمة عن التقاء النهرين؛ دجلة والفرات في منطقة القرنة، كانت جاذبة إلى أبعد حدّ، درجة قيل عنها أنها بمثابة "بندقية" شطّ العرب.
كلّ ما في المكان البصري ينضّح بالماء والسحر، لذلك ربّما اختار السيّاب الشناشيل دون غيرها، إذ فيها علاقةٌ مع الماء بادية في موقعها على ضفّة النهر، وفيها لعبة التخفي وراء الخشب المخرّم والمتقاطع، شيء يناسب قصّص الحبّ البرئية أو تلك التي من طرف واحد، كعادة الحبّ مع السيّاب.
لكن الشاعر الاستثنائي سرّب إلى قصيدة الشناشيل تلك، أمرين اثنين؛ الشعر الشعبي وسيدنا المسيح. وفي الحالين كان الماء والحبّ حاضران : "يا مطراً يا حلبي/ عبّر بنات الجلبي/ يا مطراً يا شاشا/ عبّر بنات الباشا". لا يحتاج هذا المقطع لتعليق أو ما شابه، فهو يدخل القلب بلا استئذان كما الضوء إلى الشناشيل. أمّا عيسى عليه السلام، فميلاده يكفي لإدخال سحر مجلوب من القرآن الكريم :"وتحت النخل حيث تظلّ تمطر كلّ ما سعفه/ تراقصت الفقائع وتفجر، إنه الرطب/ تساقط في يد العذراء وهي تهزّ في لهفهْ/ بجذع النخلة الفرعاء تاجُ/ وليدك الأنوار لا الذهبُ/ سيصلب منه حبّ الآخرين، سيبرئ الأعمى". مات السياب في الكويت يوم ميلاد سيدنا المسيح وهطل المطر.
كتب السياب قصيدته هذه حين كان مريضاً في لندن قبل سنتين وشهرين من وفاته عام 1964. ليست الشناشيل وحدها الحاضرة في قصيدة اسمها، بل قصّة الحبّ الكسير على عادته مع السيّاب.
تشبه الشناشيل المشربيّات التي نجدها في العمارة الإسلامية في بيوت دمشق والقاهرة مثلًا. صحيح أن مؤرخي العمارة يجدون أصولًا هندية في تصاميم شناشيل البصرة وهذا صحيح، إلا أن انسجامها في المكان ما كان ليتّم على هذا النحو لولا ذاك التقاطع الوثيق مع المشربيّات. فالزخرفة والنمنمة، اللتين تقومان على البدء من البسيط والصغير، ثمّ إنشاء شيء هائل منه، حاضران في كلّ العمارة الإسلامية. وقوّة التناسب التي تميّز تلك العمارة لطالما فتنت الناظرين وسحرتهم لمتعتها الجمالية، وناسبت القاطنين فيها للذكاء في وظائفها. وهذا كلّه حاضرٌ في الشناشيل كما في قصيدتها.
الشناشيل البصرية من خشب هو أحياناً محلي ويفضّل خشب شجر التفاح، وأحيان أخرى يكون خشبها مستورداً من الهند أو أندونيسيا. إذ إن البصرة، بموقعها المميّز وطبيعتها الممتلئة بالسواقي والأنهار الصغيرة الناجمة عن التقاء النهرين؛ دجلة والفرات في منطقة القرنة، كانت جاذبة إلى أبعد حدّ، درجة قيل عنها أنها بمثابة "بندقية" شطّ العرب.
كلّ ما في المكان البصري ينضّح بالماء والسحر، لذلك ربّما اختار السيّاب الشناشيل دون غيرها، إذ فيها علاقةٌ مع الماء بادية في موقعها على ضفّة النهر، وفيها لعبة التخفي وراء الخشب المخرّم والمتقاطع، شيء يناسب قصّص الحبّ البرئية أو تلك التي من طرف واحد، كعادة الحبّ مع السيّاب.
لكن الشاعر الاستثنائي سرّب إلى قصيدة الشناشيل تلك، أمرين اثنين؛ الشعر الشعبي وسيدنا المسيح. وفي الحالين كان الماء والحبّ حاضران : "يا مطراً يا حلبي/ عبّر بنات الجلبي/ يا مطراً يا شاشا/ عبّر بنات الباشا". لا يحتاج هذا المقطع لتعليق أو ما شابه، فهو يدخل القلب بلا استئذان كما الضوء إلى الشناشيل. أمّا عيسى عليه السلام، فميلاده يكفي لإدخال سحر مجلوب من القرآن الكريم :"وتحت النخل حيث تظلّ تمطر كلّ ما سعفه/ تراقصت الفقائع وتفجر، إنه الرطب/ تساقط في يد العذراء وهي تهزّ في لهفهْ/ بجذع النخلة الفرعاء تاجُ/ وليدك الأنوار لا الذهبُ/ سيصلب منه حبّ الآخرين، سيبرئ الأعمى". مات السياب في الكويت يوم ميلاد سيدنا المسيح وهطل المطر.