يارا.. أعجوبة سعيد عقل

30 ديسمبر 2014
لـ "يارا" جديلتين شقراوين (Getty)
+ الخط -
لا يمكن تصنيف "يارا" في خانة أغاني الأطفال، مع أن لـ"يارا" جديلتين شقراوين وهي ليست من الأغاني العاطفية التي تحكي عن الأشواق والغرام.. هي، باختصار، قصة شعرية إنسانية طريفة مَرْوِيّة بأقل ما يمكن من الكلمات، على مبدأ: البلاغة الإيجاز. 

ولكن هذا المبدأ لا يمكن أن يلخِّص العملية البلاغية عند سعيد عقل كلها، فثمة عناصر أخرى يتفرّد باستخدامها من شأنها أن ترفع البلاغة إلى مستويات عالية.

مثلاً: (ألـ) التعريف التي يُدخلها على جملة اسمية مؤلفة من مبتدأ وخبر، فيقول: يارا الـ جدايلها شقر. ويُدخلها على جملة تبدأ بحرف الجر: الـ (فيهن بيتمرجح عمر). وفي مكان لاحق يُدخلها على الفعل الماضي: يارا الـ غفي ع زندها خَيَّا الزغير، وهذا الـ (خَي) الصغير سيصبح، بعد لأي، بطلاً رئيسياً في الحكاية. صلّي يا ربي صَيّرُو خيي كبير.
إن المبدأ الأساسي في صناعة المراجيح هو تدلية حبلين إلى الأسفل، ووضع صفيحة عرضانية بينهما.. هنا: جديلتا يارا أرجوحة يتأرجح فيها عُمْرٌ ما.

معروفٌ أن الاسمين: "يارا ورندلى" هما من ابتكارات سعيد عقل وترغلاته. ومن جهة أخرى، لو اعتبرنا أن كلمة "الحلوة" تقليدية، واردة عند شعراء ومغنين آخرين كسيد درويش (الحلوة دي)؛ إلا أن صفة (الحلواية) هي ماركة مسجلة لسعيد عقل.

الآن، ترتيب الجملة: نام أخو يارا الصغير على زندها، فانطلقت حنجرتها بالغناء، وفي تلك اللحظة شرعت الرياح تدوزن أوتارها. وههنا صورة حسية، لأن من عادة الرياح الصفير، أي: العزف.. ولكنه عزفٌ عشوائي، وأما عند سعيد عقل فهو: مُدَوْزَن.

قبل بضع سنوات، وبينما أنا أشتغل على تأليف برنامج إذاعي عن أغاني فيروز، وقفتُ حائراً عند عبارة (وللسما دَيْهَا هاكي الدَيْن الحرير ـ انلمتْ الشمس وعَبِّتْ زْوَارا). اتصلت بصديقي الأديب اللبناني الرائع سحبان مروة (الرحمة لروحه الآن)، وسألته عن معنى الشطر الأخير، وبالأخص: عبت زوارا.. فقال لي: كلمة زْوَار بالأصل سريانية، ومعناها القبضة أو الكف.
فكأن الشمس كانت تقلّد يارا في رفع الكفين إلى الأعلى.. فتأمّل.
دلالات
المساهمون