10 نوفمبر 2024
وهم التفاوض واستمرار الموت السوري
حسناً فعل وفد المعارضة السورية الأساسي بمغادرة جنيف، إثر وصول المحادثات مع فريق المبعوث الدولي، دي ميستورا، الوسيط التقني المحايد إلى درجة الهلامية، إلى حائط مسدود، نتيجة فقدان أي أمل بجديةٍ ما من وفد النظام المعزّز بغياب الرؤية الشامل لدى المبعوث الدولي، كما جزء من فريقه. وربما سيمكث على ضفاف بحيرة ليمان للتسوّق بعضٌ من معارضي القواعد العسكرية الروسية "الوطنيين"، أو نظراؤهم من متسلقي الوهم بلعب أي دور، ولو إعلامي على الأقل، في الساحة السورية، منذ بدء المقتلة.
ترافق هذا التعليق الصريح ممن يُمثّل غالبية اتجاهات المعارضة، بشقيها المدني والمسلح، مع ثبات حقيقة عدم تنفيذ أي خطوة يمكن أن تسجل في حقل حسن النيات، ولو الشكلي، من النظام. فلم يتم وقف الأعمال العدائية، فقد تم تسجيل أكثر من ألفي اختراق للهدنة المزعومة، منذ إعلان بدايتها بتوافق دولي يوم 27 فبراير/ شباط المنصرم. كما غابت أي مبادرة لإطلاق سراح ولو بعضٍ من آلاف المعتقلين القدامى والجدد. إضافة إلى فشلٍ ذريع في إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي يحاصرها النظام، وهي بالعشرات. فشلٌ توّج بدخول مُهين لمجموعة من موظفي الأمم المتحدة العاملين، تحت إشراف الأجهزة الأمنية السورية، إلى مدينة داريا المجوّعة منذ أكثر من سنتين، بدون اصطحاب أية مساعدة، ولو رمزية، بحجة تفقد الاحتياجات، والتأكد من وجود المدنيين.
مراوحة في المكان مرفقة بتصريحاتٍ أمميةٍ كثيرة غير قابلة للصرف، حتى في أسوأ أسواق القطع المزوّر. ففي جملة تحمل كل تناقضات موقفه، والذي اختار أن يلتزم بحياكته بعناية، ذكر دي ميستورا ما معناه أن الهدنة في وضع جيد، على الرغم من تسجيل خروق عديدة، ومن الهجمات العسكرية الإيرانية/ الروسية/ المليشياوية على مدينة حلب، أو ما تبقى منها. ودونما حتى استرشادٍ بتعليمات المرشد الروحي للعمل الأممي، بان كي مون، لم يجرؤ المبعوث الدولي أن يُبدي ولو قلقاً مشوباً بالانزعاج الدبلوماسي مما يحدث. وسيُتاح له قريباً مشاهدة عرضٍ خاصٍ، مع بعض المُسليّات، لما ستسجله طائرات "الدرون" الروسية من المقاطع التاريخية، والتي ستُظهر فاعلية أسلحة التدمير الروسي في سورية، متيحةً بيع مزيد من السلاح الروسي، الفعّال حتماً في إحالة حلب الشهباء إلى حلب الشهداء.
وإمعاناً في تسلية الأمميين، من موظفين ومبعوثين ومنتفعين ومراقبين، لا حول لهم ولا قوة، قصف الطيران السوري، يوم تعليق المحادثات، مدينتي معرّة النعمان وكفرنبل في الشمال، باستهدافٍ واضح لم يكلّ ولم يملّ للمدنيين في الأسواق الشعبية. وسقط في الهجوم، غير المباغت إلا للسذّج، ما يقارب 60 ضحية، ترامت أشلاؤهم على عربات الخضار والفواكه.
تعليق المشاركة في المفاوضات الخطوة الوحيدة التي يمكن لوفد المعارضة أن يخطوها، في
ظل توافق دولي وعربي على استمرار عملية التفاوض للتفاوض، والتي لا يملك أحدٌ، عدا الروس، تصوراً لمآلاتها. وبالطبع، لم يمنع الموت المصوّر، خصوصاً مع سابقة عرض منظمة العفو الدولية مقطعٍ لسقوط برميل متفجر على المدنيين، أياً ممن يوجدون في جنيف من "المعارضة" المُشكّلة في القواعد العسكرية الروسية، وهم معيّنون من مساعد أول، في أحسن الأحوال من جهاز أمن غير أساسي، من الاستمرار في تسوقّهم في جنيف. ولم يشعر معارضو مجموعة "أستانة"، والذين يُعدّون على أصابع اليد المبتورة الواحدة، والمسلحون بشبكة علاقات عامة مخابراتية روسية، بضرورة تسجيل موقف أخلاقي، ولو مرة، في مسيرة أدائهم منقوص الالتزام. همهم الأول والأخير لقاء عدسات التلفزة وتوزيع الابتسامات المليئة بضحالة الذكاء. أما موقعو وثيقة القاهرة، فهم، وإن لم يُعلّقوا مشاركتهم بعد، إلا أن تصريحاتهم تدل على تردّدهم في الاستمرار في مسرحية المشاركة بمن حضر. ويبدو واضحاً عدم نيتهم مساعدة المبعوث الدولي على الاستمرار بمسرحيةٍ تحمل مشهداً عبثياً كل يوم، بل وكل ساعة.
تتزاحم الضغوط من كل حدب وصوب على وفد المعارضة السورية، للعودة إلى المفاوضات، ويكاد الأصدقاء يضغطون أكثر من حلفاء الطرف الآخر، ويكاد الأميركيون يهدّدون بأن تعليق المشاركة يضع حداً نهائياً لأي شرعية، يعتقدون أنهم منحوها لهذا الوفد "المسكين". ويكاد المرء يتخيّل موقف المفاوض الفلسطيني، مع النسبيّة في التشبيه، عندما يخضع لضغوط عدة للقبول بالعدم المطروح أمامه على طاولة مفاوضاتٍ أشبه بالجبن الفرنسي المثقوب.
يُخطئ من يحسم في هذا الأمر، ولا يتساءل عن أقل القرارات ضرراً للمعارضة "اليتيمة": البقاء ومحاولة الحصول على حدٍّ أدنى، يوقف آلة الموت والدماء، مسؤولية منطقية. والتعليق احتجاجاً على عدم التزام النظام بمقرّرات فيينا ومجلس الأمن الأخيرة، هو أيضاً موقفٌ إنساني ووطني، يتماشى مع حقوق الضحايا المستباحة. أما الاعتماد على من يُسمون أنفسهم أصدقاء فهو رهان فاشل، لم تستوعبه المعارضة بعد. ويبدو أن الحوار مع حلفاء النظام من الروس غير متاح في الأمد القصير. المعارضة في موقفٍ لا تُحسد عليه أبداً، ولو أن بعض النفوس الضيقة تتشفّى، وهي تنتظر فرصة الإحلال.
ترافق هذا التعليق الصريح ممن يُمثّل غالبية اتجاهات المعارضة، بشقيها المدني والمسلح، مع ثبات حقيقة عدم تنفيذ أي خطوة يمكن أن تسجل في حقل حسن النيات، ولو الشكلي، من النظام. فلم يتم وقف الأعمال العدائية، فقد تم تسجيل أكثر من ألفي اختراق للهدنة المزعومة، منذ إعلان بدايتها بتوافق دولي يوم 27 فبراير/ شباط المنصرم. كما غابت أي مبادرة لإطلاق سراح ولو بعضٍ من آلاف المعتقلين القدامى والجدد. إضافة إلى فشلٍ ذريع في إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي يحاصرها النظام، وهي بالعشرات. فشلٌ توّج بدخول مُهين لمجموعة من موظفي الأمم المتحدة العاملين، تحت إشراف الأجهزة الأمنية السورية، إلى مدينة داريا المجوّعة منذ أكثر من سنتين، بدون اصطحاب أية مساعدة، ولو رمزية، بحجة تفقد الاحتياجات، والتأكد من وجود المدنيين.
مراوحة في المكان مرفقة بتصريحاتٍ أمميةٍ كثيرة غير قابلة للصرف، حتى في أسوأ أسواق القطع المزوّر. ففي جملة تحمل كل تناقضات موقفه، والذي اختار أن يلتزم بحياكته بعناية، ذكر دي ميستورا ما معناه أن الهدنة في وضع جيد، على الرغم من تسجيل خروق عديدة، ومن الهجمات العسكرية الإيرانية/ الروسية/ المليشياوية على مدينة حلب، أو ما تبقى منها. ودونما حتى استرشادٍ بتعليمات المرشد الروحي للعمل الأممي، بان كي مون، لم يجرؤ المبعوث الدولي أن يُبدي ولو قلقاً مشوباً بالانزعاج الدبلوماسي مما يحدث. وسيُتاح له قريباً مشاهدة عرضٍ خاصٍ، مع بعض المُسليّات، لما ستسجله طائرات "الدرون" الروسية من المقاطع التاريخية، والتي ستُظهر فاعلية أسلحة التدمير الروسي في سورية، متيحةً بيع مزيد من السلاح الروسي، الفعّال حتماً في إحالة حلب الشهباء إلى حلب الشهداء.
وإمعاناً في تسلية الأمميين، من موظفين ومبعوثين ومنتفعين ومراقبين، لا حول لهم ولا قوة، قصف الطيران السوري، يوم تعليق المحادثات، مدينتي معرّة النعمان وكفرنبل في الشمال، باستهدافٍ واضح لم يكلّ ولم يملّ للمدنيين في الأسواق الشعبية. وسقط في الهجوم، غير المباغت إلا للسذّج، ما يقارب 60 ضحية، ترامت أشلاؤهم على عربات الخضار والفواكه.
تعليق المشاركة في المفاوضات الخطوة الوحيدة التي يمكن لوفد المعارضة أن يخطوها، في
تتزاحم الضغوط من كل حدب وصوب على وفد المعارضة السورية، للعودة إلى المفاوضات، ويكاد الأصدقاء يضغطون أكثر من حلفاء الطرف الآخر، ويكاد الأميركيون يهدّدون بأن تعليق المشاركة يضع حداً نهائياً لأي شرعية، يعتقدون أنهم منحوها لهذا الوفد "المسكين". ويكاد المرء يتخيّل موقف المفاوض الفلسطيني، مع النسبيّة في التشبيه، عندما يخضع لضغوط عدة للقبول بالعدم المطروح أمامه على طاولة مفاوضاتٍ أشبه بالجبن الفرنسي المثقوب.
يُخطئ من يحسم في هذا الأمر، ولا يتساءل عن أقل القرارات ضرراً للمعارضة "اليتيمة": البقاء ومحاولة الحصول على حدٍّ أدنى، يوقف آلة الموت والدماء، مسؤولية منطقية. والتعليق احتجاجاً على عدم التزام النظام بمقرّرات فيينا ومجلس الأمن الأخيرة، هو أيضاً موقفٌ إنساني ووطني، يتماشى مع حقوق الضحايا المستباحة. أما الاعتماد على من يُسمون أنفسهم أصدقاء فهو رهان فاشل، لم تستوعبه المعارضة بعد. ويبدو أن الحوار مع حلفاء النظام من الروس غير متاح في الأمد القصير. المعارضة في موقفٍ لا تُحسد عليه أبداً، ولو أن بعض النفوس الضيقة تتشفّى، وهي تنتظر فرصة الإحلال.