01 نوفمبر 2024
ولايات ترامب الأميركية
لم يترك الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مجالاً للمخيلة لرسم ما قد يقوم به خلال ولايته الرئاسية، والتي من الواضح أنها لن تكون سهلة على العالم، فما يقوم به يومياً تجاوز القدرة على الاستيعاب، ولا سيما أنه يأتي من رئيس الولايات المتحدة، أي الدولة التي ترفع شعلة الحرية والديمقراطية والمؤسساتية، وترغب في تصديرها إلى العالم، ولو بالقوة.
من كان يتخيّل أن رئيساً أميركياً قد يتوجّه إلى القضاء بعبارات الإهانة التي استخدمها دونالد ترامب، خصوصاً عندما لجأ إلى التقليل من شأن القاضي الذي حكم ضد قرار الحظر على دخول رعايا سبع دول مسلمة، حين استخدم تعبير "المدعو قاضياً". ترامب، من حيث علم أم لم يعلم، لم يحط من قيمة قاضٍ فقط، بل من كل النظام القضائي الأميركي، والذي من المتوقع أن يهبّ ضده قريباً، إذ لم يقف الرئيس الأميركي عند هذا الحد، بل توجّه إلى القضاء مرة أخرى بعد قرار محكمة سان فرانسيسكو تأييد وقف تنفيذ الحظر، بالقول "نراكم في المحكمة". هنا، أيضاً، يتفوق ترامب على نفسه، فهو ينوي محاكمة القضاة أمام القضاء، هذا كان خياره الأول، والآن يعد لخيار آخر بتحدّي القضاء، وإصدار مرسوم آخر يخصّ الهجرة، يحمل مضمون القرار السابق نفسه، المرفوض قضائياً.
هو منطق الشركة الذي يدير به ترامب الولايات المتحدة. منطق لا يعرف غيره، وعلى أساسه فإن كل ما، أو من، يعارضه يقف في خانة المعادين للمصالح التي وحده يراها، فالشركة ملكه، وهو المسؤول عن أرباحها أو خسائرها. هذا وارد الحدوث في مجموعات ترامب الاقتصادية. لكن، أن ينتقل معه إلى البيت الأبيض، فالأمر على درجةٍ كبيرةٍ من الخطورة على مستقبل أميركا دولة ديمقراطية.
مثال آخر على إدارة الرئيس لشركة "ولايات ترامب الأميركية" هو تعاطيه مع الإعلام. إذ لم يسبق لأي رئيس أميركي أن خصّص كل هذا الوقت لانتقاد وسائل الإعلام التي تهاجمه. الأمر يشكّل هوساً بالنسبة له، وفق منطق الإدارة الديكتاتورية للمصالح العائلية. كل ما هو معارض لسياسة ترامب يُعدّ "أخباراً مزيفة". ليس هذا ما يقوله الرئيس الأميركي فحسب، بل جنّد له طاقم البيت الأبيض بأكمله، والذي يبدو أنه يعامل أفراده كموظفين خاصين يلبّون رغباته. وحدها "فوكس نيوز"، بحسب ترامب، صاحبة المصداقية التي لا غبار عليها من بين عشرات وسائل الإعلام العاملة على الأراضي الأميركية، إلى أن يثبت العكس. والعكس هنا يكمن في تحوّل وسائل الإعلام الأخرى إلى أبواق تمجّد الرئيس، على غرار الأنظمة الشمولية المنتشرة في العالم، والتي يبدو أن "أميركا ترامب" تسير على هديها.
وفي مؤشر إضافي على المسار الشمولي الذي يقود فيه ترامب الولايات المتحدة، عمد أخيراً إلى تحويل الحساب الرسمي للرئيس الأميركي على "تويتر"، وليس حسابه الشخصي، إلى منصّةٍ للدفاع عن مصالح ابنته التجارية، بعدما عمد أحد المتاجر إلى وقف بيع منتجاتها، لأنها لا تحقق الأرباح، وهو منطقٌ من المفترض أن يتفهمه "رجل الأعمال" ترامب. إلا أن "الديكتاتور" ترامب لم يفعل، بل جند أيضاً موظفي البيت الأبيض للقيام بدعايات مجانية للمنتجات خلال ظهورهم على شاشات التلفزة، لمناقشة الانتقادات الموجهة لإدارة ترامب للبلاد.
أمثلة، ربما لم نرها مسبقاً في أي دولة عالم ثالثية، وربما لم نكن لنتوقع رؤيتها، فحتى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لم يخرج مهاجماً القضاء بتصريحات علنية عند إبطال اتفاقية تيران وصنافير، غير أن لترامب أسلوباً خاصاً في إدارة البلد - الشركة، خلال السنوات المقبلة. أسلوب من الواضح أنه لن يكفّ عن إدهاشنا يوماً بعد يوم.