"الهيئة" بين الداخل والخارج

03 يناير 2025

عمال سوريون يفرغون طائرة مساعدات سعودية في مطار دمشق (1/1/2025 فرانس برس)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

منذ توليها زمام قيادة سورية بعد سقوط نظام بشّار الأسد، أبدت هيئة تحرير الشام قدراً كبيراً من البراغماتية في التعاطي مع الخارج، مع تعديلٍ في الخطاب الموجّه إلى الدول العربية والغربية لمحاولة طمأنتها إلى حسن نياتها في إدارة المرحلة الانتقالية في سورية الجديدة، إضافة إلى أنها لن تشكّل خطراً على الغرب أو دول الجوار، وبعث رسائل إلى أنها لن تكون مرتهنة لدولة بعينها.
ومن الواضح أن زعيم "الهيئة"، أحمد الشرع، يغازل السعودية منذ اليوم الأول، وهو اختار منصات إعلامية سعودية للظهور عليها بمقابلتين عربيتين، إضافة إلى مقابلتيه مع "سي أن أن" الأميركية و"بي بي سي" البريطانية. غزل ردّت عليه الرياض بإيجابية، بداية من إرسال الوفد السعودي، برئاسة مستشار في الديوان الملكي، للقاء الشرع، مروراً بطائرة الإغاثة السعودية التي وصلت إلى دمشق قبل يومين، وأخيراً دعوة وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة، أسعد الشيباني، لزيارة الرياض، وهو ما حصل أمس. واللافت في الزيارة، ورغم أن الإعلان عن الدعوة كان مخصّصاً فقط لوزير الخارجية، إلا أن الوفد ضم إضافة إلى الوزير المعني وزير الدفاع ورئيس جهاز الاستخبارات.
رفع مستوى الوفد الزائر، وهو من المؤكد بالتنسيق مع السلطات السعودية، يشير إلى أن الملفات التي ستبحث أوسع بكثير من العلاقات الثنائية، وأن "الهيئة" تسعى إلى دور أساسي سعودي في المرحلة الانتقالية السورية، خصوصاً في ما يتعلق بإعادة بناء الأجهزة الأمنية وإعادة الإعمار ورفع العقوبات المفروضة على النظام السوري السابق، والتي ما زالت البلاد تعاني منها. ولعل الطلب الأهم سيكون الضغط عبر الوسطاء والحلفاء على الفصائل المسلحة الأخرى لتسليم سلاحها، وقطع الطريق على أي تدخّل يؤجج الفوضى الحالية، وما قد تصل إليه من اقتتال أهلي في حال استمرارها.
وأن تكون السعودية المحطة الخارجية الأولى لوفد من الحكومة الانتقالية، فذلك يحمل دلالات سياسية، موجّهة بالأساس إلى تركيا التي سارعت إلى تبنّي "الهيئة" وحكومتها، غير أن من الواضح أن هناك توجّساً متبادلاً بين الطرفين، وهو ما يفسّره بقاء "الحكومة المؤقتة"، برئاسة عبد الرحمن مصطفى، المعروف أنها تعمل تحت الغطاء التركي. كذلك فإن عمل "الجيش الوطني" في الشمال، والموالي أيضاً لأنقرة، يجري من دون تنسيق مع قيادة العمليات في الهيئة. وبالفعل، تسربت معلومات عن رفض تركي طلب الهيئة تسليم "الجيش الوطني" سلاحه، خلال زيارة وزير الخارجية هاكان فيدان إلى دمشق.
هذه الرغبة في التقارب مع السعودية والإعجاب الذي أبداه الشرع في مقابلته بـ"رؤية 2030"، والتي تعني انفتاحاً اجتماعياً لم يسبق أن شهدته السعودية وبدأ يظهر فعلياً، لا تتماشى مع ما تقوم به الهيئة داخلياً، والذي سيثير حفيظة الرياض وغيرها من العواصم العربية غير المستعدة للتعايش مع "نظام حكم إسلامي" في المنطقة. وكان لنا في مصر مثال، رغم أن حكم الإخوان المسلمين كان أقلّ تشدداً بكثير مما بدأ يظهر على السطح من وزراء "الحكومة المؤقتة"، فتعديل المناهج التعليمية في سورية، وبحسب قرار من وزير التربية المؤقت، رغم أنه ليس من صلاحياته في هذه المرحلة الانتقالية، والحديث عن قالب محدد للمرأة السورية وفق مفهوم عائشة الدبس، وغيرهما من ممارسات، لا تبشر بنظام سوري من الممكن أن تتعايش معه الدول العربية القريبة والبعيدة، ولا الحكومات الغربية التي لا قيامة لسورية من دون توافقها على رفع العقوبات وتخفيف الحصار الذي خنق اقتصاد البلاد.
قد يكون من المبكر الحكم أن هذا النظام هو ما تسعى "الهيئة" إلى تكريسه، خصوصاً في حال توسع الانفتاح عليها عربياً وغربياً، الأمر المفترض أن يجبرها على تعديل في استراتيجيتها لحكمٍ لا يلائم سورية.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".