"هل أنتما بحاجة إلى مساعدة؟".
توقّف بسيارته إلى جانب السيارة التي تمزّق إطارها للتوّ على الأوتوستراد السريع الذي يصل بين بيروت وجبل لبنان. الساعة العاشرة ليلاً. أكثر أو أقل. لا فرق. المهمّ أن هذا الطريق السريع معتم وموحش، ما يزيد من مآسي ركاب السيارة التي تضطر إلى التوقف.
كان "البنشرجي"، أو الرجل الذي يتولّى تلحيم الإطارات أو تغييرها، قد قدّم نصيحة سيئة قبل أسبوع: "الإطاران الخلفيان بخير ولا يحتاجان للتغيير. كل ما يحتاجه الإطاران هو بعض الهواء. عدا عن ذلك، كل شيء بخير".
نصيحة أكّدت غياب خبرة صاحبها وبدائيته في عمله بالرغم من سنّه المتقدّم. نصيحة غير موفقة حسمها الأوتوستراد السريع الذي يمرّ بين جبلين يأكلهما مقلع، صخرة وراء صخرة.
نزل الشاب من السيارة من دون أن يسمع إجابة الغريبَين اللذين وضعتهما رغبة التمتّع بهواء الجبل ليلاً على طرف الطريق، بعدما خسرا أحد الإطارين الخلفيين.
لم يعرّف عن نفسه، ولم يطلب تعريفاً من الغريبَين. قدّر الإرباك الذي تتسبب به "قطعة الطريق" فقرّر المبادرة.
تناول من الصندوق قفّازَين مطاطيين أبيضَين ولبسهما مثل طبيب محترف. ثم تناول "العفريت" والمفكّ وتوجّه فوراً نحو الإطار الممزّق وبدأ برفع السيارة وتغيير الإطار.
لم يقبل أن يعاونه أحد، باستثناء ضوء من الهاتف الخلوي كان يوجّهه أحد الغريبَين. أراد أن يفعل كل شيء بيدَيه ووحده مثل فلاح يحفظ أثلام أرضه. لم يرد للغريبَين أن يوسّخا أيديهما بالسخام الأسود أو بمهمّة، من الواضح جيداً، أنهما ليسا ملمّين بها. وكانا كلما حاولا أن يمدّا يد العون في شيء "يسرق" الأداة من أيديهما ويتولّى متابعة المهمّة التي تطّوع لها.
عمل الشاب الأشقر الذي هبط كملاك على الغريبَين المربكَين من السماء بسرعة ونشاط رياضيَين. كان قد قام بالمهمة نفسها مراراً. خبرته ونخوته تؤكدان هذا الأمر. أنقذ عابري سبل كثيرين في أوقات مختلفة.
انتهى من المهمة. أعاد أغراضه إلى السيارة وهمّ بالمغادرة. فدار حديث مقتضب بينه وبين أحد الغريبَين.
- مين حضرتك؟
- شربل بليبل من بكفيا. وأنت؟
- فلان الفلاني من بيروت.
- تشرّفنا.
وعندما لاحظ شربل أن الغريب سيوغل في تقديم الشكر، سارع إلى الانسحاب قائلاً: "لا شيء يستحق يا صديقي. عندما تمرّ على بكفيا في أي وقت من الأوقات أعلم أن لك بيتاً فيها. نحن ولاد بلد". ثم ركب في سيارته بعدما اطمأن على الغريبَين، ومضى.
البلد ما زال بخير. بألف خير.