استيطان كفر الديك للسيطرة على الجبال المشرفة على الساحل الفلسطيني

18 أكتوبر 2024
فلسطينيون يتظاهرون ضد المستوطنين (عصام الريماوي/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الأهمية الاستراتيجية لكفر الديك: تقع كفر الديك شمالي الضفة الغربية وتعتبر "شرفة إسرائيل" على الساحل الفلسطيني، مما يجعلها ذات أهمية استراتيجية للمستوطنين والاحتلال الإسرائيلي.

- مأساة سميح الناطور: حاول سميح الناطور بناء منزل لأسرته في كفر الديك، لكن سلطات الاحتلال هدمته في 15 أكتوبر 2023، مما اضطره لاستخدام الطابق الأرضي كمزرعة للدجاج.

- التحديات الاستيطانية: واجه الناطور مضايقات من المستوطنين، بما في ذلك إقامة بؤرة استيطانية وإغلاق الطريق، مما أدى إلى تضييق الخناق على السكان المحليين وتهديد عشرات المنازل بالهدم.

لدى كفر الديك شمالي الضفة الغربية أهميتها بالنسبة إلى المستوطنين والاحتلال الإسرائيلي لكونها تعد شرفة إسرائيل على الساحل الفلسطيني، لتزداد البؤر الاستيطانية وبالتالي هدم بيوت الفلسطينيين.

أراد الفلسطيني سميح الناطور أن يؤمن لأسرته وأطفاله منزلاً يعيشون فيه بشكل مستقل، فهو وأسرته الصغيرة يقطنون في منزل والديه في بلدة كفر الديك الواقعة غرب سلفيت، في شمال الضفة الغربية. قبل ثلاث سنوات، بنى منزلاً مستقلاً في الأرض التي يمتلكها غرب بلدته، لكن سرعان ما وصله إخطار من سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدم المنزل، إلى أن هدم فعلياً يوم الثلاثاء في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

وعام 2021، توقف الناطور عن مواصلة العمل في المنزل بسبب التطورات في قضية منزله في مؤسسات ومحاكم الاحتلال، وكان قد بنى طابقين، وأكمل تشطيب الطابق العلوي المسمى "الروف"، وبقي الطابق الأرضي الرئيسي الذي لم يقسم إلى غرف ويستكمل تشطيبه، ليستخدمه مزرعة لتربية الدجاج.

بؤرة استيطانية تواجه المنزل

الناطور على هذا الحال منذ ثلاث سنوات، لا يترك منزله لعله يثبت حقه ببقائه، إلى أن أقام مستوطن بؤرة استيطانية قبالة بيته قبل عشرة أشهر تقريباً، وسط تسارع إقامة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، وهي واحدة من 29 بؤرة أقيمت بعد بدء العدوان على غزة. كان لهذه البؤرة الرعوية التي يوجد فيها معظم الوقت مستوطن واحد الأثر الكبير على الناطور وعلى كل المنطقة التي يوجد بيته فيها. فالمضايقات لم تتوقف، وتشمل الاعتداءات على المزارعين ومحاولة جعل وجود الناطور في بيته أمراً مستحيلاً، لكنه صمد بمساعدة عدد من أبناء بلدته الذين تعاونوا على إقامة مزرعة للدجاج في الطابق الأرضي.

ثبت التاطور رغم كل المضايقات، والتي كان آخرها إغلاق الطريق إلى بيته. إذ وضع المستوطن قبل أسابيع حجارة كبيرة وساتراً ترابياً لمنع المركبات من الوصول إلى المنزل، وأصبح يضطر إلى السير على الأقدام قرابة 450 متراً بعد ركن مركبته في كل مرة يريد فيها الوصول إلى بيته. وكان يوصل الأعلاف للدجاج بصعوبة بالغة، إما سيراً على الأقدام أو باستخدام حمار.

بعدما فشل المستوطن بإبعاد الناطور عن بيته، لجأ إلى جيش الاحتلال واستغلال القوانين من أجل هدم المنزل في نهاية المطاف باستخدام جرافتين عسكريتين. فبعد فشل عنف المستوطن، كرس جيش الاحتلال نفسه لخدمته وخدمة أهدافه، ومن ورائها أهداف الحركة الاستيطانية المتنامية في المنطقة وفي مناطق الضفة الغربية بشكل عام.

فحتى الوصول إلى الأراضي من أجل رعايتها كما يتوقع الناطور لن يكون متاحاً، فقد اقتلع جيش الاحتلال ثلاث أشجار زيتون مثمرة خلال عملية الهدم، يقول إنه كان يعتني بها جيداً، ولم يقطف ثمارها حتى الآن، وكان ينتظر بفارغ الصبر أن يحصل على محصول جيد بعدما قدم لها كل الرعاية المطلوبة.

متنفس كفر الديك يخنقه الاستيطان

تقع هذه المنطقة التي كان يقيم فيها الناطور غرب كفر الديك ويؤكد الناشط ضد الاستيطان فارس الديك، لـ"العربي الجديد"، أنها المتنفس الوحيد لها. ففي الناحية الشمالية الغربية مستوطنات وشارع استيطاني رئيسي يمنع أي تمدد للبلدة إلى ذلك الاتجاه، وفي الجنوب أرض منحدرة صعبة التضاريس. في تلك المنطقة متنزه طبيعي للبلدة خصوصاً في الربيع، ومناطق رعوية، وأراض مزروعة بالزيتون، أصبحت أخيراً شبه محرمة على الأهالي، وقد تعرض عدد من الرعاة والمزارعين، بحسب الديك، لاعتداءات المستوطنين أكثر من مرة، وكانت قد قُضمت من أراضيهم مساحات واسعة لإقامة شارع بطول كيلومتر ونصف الكيلومتر لربط البؤرة الرعوية الجديدة بأقرب مستوطنة.

هذه البؤرة الجديدة سيطرت عملياً بقوة سلاح المستوطن، وبمساعدة جيش الاحتلال له، على ثلاثة جبال، تشكل قرابة ألفي دونم. أما مساعدة جيش الاحتلال لهذا المستوطن، فهي تحصل بشكل سريع كلما استدعاه. في إحدى المرات اعتقل الجيش لمدة يومين مزارعاً كان مع زوجته في أرضه، بحجة منع الوجود في المنطقة من دون تنسيق مسبق مع جيش الاحتلال.

الصورة
فوق أنقاض بيت مدمر (ناصر اشتيه/ Getty)
فوق أنقاض بيت مدمر (ناصر اشتية/ Getty)

إطلالة على الساحل

وتشكل البؤرة الجديدة إضافة إلى بؤرة أخرى غير بعيدة، وأربع مستوطنات في المنطقة الشمالية والشمالية الغربية، ومنها مستوطنة بروخين التي تؤوي من يسمون بفتية التلال، منطقة واسعة تشرف على الساحل الفلسطيني وضمنه مطار اللد.

وهناك مستوطنة كبيرة اسمها بدوئيل، يقول الديك إن رئيس وزراء الاحتلال السابق أرئيل شارون زارها في ثمانينيات القرن الماضي، وقال إنها "شرفة إسرائيل" لإطلالتها على الساحل. ووضع المستوطنون لافتة عند مدخل المستوطنة كتب عليها "شرفة إسرائيل".

هذا المنزل هدم بحجة عدم حصول صاحبه على رخصة بناء، لكن وجوده في منطقة مصنفة "ج" وفقاً لاتفاق أوسلو، يعني أنه لا يمكن عملياً الحصول على رخصة، فهي من المفترض أن تستصدر من سلطات الاحتلال وفقاً لتوزيع المسؤوليات في الاتفاقية. فالمنطقة "أ" تتبع أمنياً وإدارياً للسلطة الفلسطينية، والمنطقة "ب" تتبع أمنياً للاحتلال وإدارياً للسلطة الفلسطينية، والمنطقة "ج" تتبع أمنياً وإدارياً لسلطات الاحتلال التي لا تصدر تراخيص لإبقاء المنطقة "ج" فارغة من البناء الفلسطيني في حين تتاح للبناء والتوسع الاستيطاني.

عشرات المنازل مهددة بالهدم

ومنزل الناطور ليس الوحيد الذي استهدف خلال السنوات الماضية في كفر الديك بل إن عددها يقارب 60 إلى 70 منزلاً، كما يقول رئيس بلدية كفر الديك علاء الديك لـ"العربي الجديد". وكانت قد وصلت لتلك المنازل إخطارات وقف بناء وهدم خلال عدة سنوات، بحجة البناء دون ترخيص في المنطقة "ج".

وبعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يلحظ، بحسب الديك، تجدد الإخطارات لعدد من هذه المنازل، وقد هدم الاحتلال بالفعل منذ شهر إبريل/ نيسان الماضي 15 غرفة زراعية. ويعاني الأهالي والمزراعون من مضايقات واعتداءات تزايدت ما بعد الحرب، بهدف إبعادهم عن أي مناطق قريبة من المستوطنات الأربع المحيطة بالبلدة.

المساهمون