اصطدمت إجراءات الحكومة السودانية التي تستهدف وقف استيراد الأدوية المنتجَة محليا، بأزمة أثارها المستوردون الذين يرون في هذا التحرك تقييدا لأنشطتهم وإيذانا باتساع رقعة السوق السوداء في الدواء والتهريب، نتيجة ندرة أصناف مهمة منه.
وحذرت السلطات السودانية قبل أيام من التحايل على القرار الرئاسي الذي حظر استيراد الأدوية التي تُنتج محليا، فيما بدأت وزارة المالية والبنك المركزي في تنفيذ القرار، مع الالتزام باستيراد الأدوية المزمنة وفق سعر الدولار الرسمي.
وأثار القرار الصادر عن رئاسة الجمهورية، الأسبوع الماضي، جدلا واسعا بين الشركات المستوردة للأدوية وأجهزة الدولة التشريعية والمواطنين، على اعتبار أنه أثر سلبا على أسعار الدواء، وسط مخاوف من حدوث ندرة كبيرة في الأيام المقبلة.
وأوقف السودان بموجب هذا القرار استيراد 232 صنفا من الأدوية البشرية و24 صنفا من الأدوية البيطرية، فيما وفرت الإمدادات الطبية التي تطرحها الحكومة نحو 292 صنفا من أدوية الأمراض المزمنة.
ولا يزال استيراد 620 صنفا من أدوية الأمراض المزمنة مستمرا عبر القطاع الخاص السوداني، حيث لا يُنتج أي منهم محليا.
وبدد وزير الصحة، بحر إدريس، في تصريحات صحافية قبل أيام، مخاوف المهنيين من شح الأدوية، قائلا إن الدولة تدعم الدواء بنحو 120 مليون دولار سنويا، فضلا عن توفير الدولار اللازم لاستيراد الأدوية بالسعر الرسمي.
ويبلغ السعر الرسمي للدولار في السودان نحو 6 جنيهات، فيما يقفز سعره في السوق الموازية إلى 18 جنيها.
ويوفر البنك المركزي قرابة 200 مليون دولار لاستيراد الأدوية سنويا، بما يعادل قرابة 10% من حصيلة ما تجنيه الدولة من الصادرات غير النفطية، وفق بيانات رسمية. لكنّ مصدرا في اتحاد الصيادلة قال إن الحكومة توفر 64 مليون دولار فقط سنويا لاستيراد الدواء، بينما يتم تدبير العملات الصعبة اللازمة، ما يعنى أن 90% من استيراد الدواء يتم وفقاً لآلية السوق الموازية.
وكانت الحكومة السودانية قد تراجعت بشكل جزئي عن قرار تحرير أسعار الأدوية، إذ استثنت من القرار جملة من الأدوية المنقذة للحياة وأدوية القلب والقسطرة، ووجهت بضرورة التسعير للسيطرة على زيادة الأسعار.
وأكد الصندوق القومي للإمدادات الطبية، في وقت سابق، ارتفاع نسب توفير الأدوية والمستلزمات الطبية بنسبة 95 في المائة، خلال الأعوام الأخيرة، مقارنة بما كانت عليه في 2010. وأشار الصندوق إلى دعم أسعار 509 أصناف من الأدوية مرتفعة الأسعار.
وسبق أن توقف بنك السودان المركزي عن توفير عملات أجنبية لاستيراد الأدوية، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بنسب متفاوتة وصلت في بعض الأصناف إلى 150% وسط ندرة المعروض، الأمر الذي أفضى إلى توقف قرابة مائتي صيدلية عن العمل.
وقال الدكتور محمد عبدالله، الخبير في صناعة الدواء، لـ "العربي الجديد"، إن السودان يمتلك 19 مصنعا تغطى 43% من الاحتياجات، وما تبقى يستورد من الخارج.
وأوضح رئيس اتحاد الصيادلة، صلاح إبراهيم، لـ "العربي الجديد"، أن مجلس الأدوية والسموم بدأ في إعداد قوائم الأدوية المصنعة محليا، لحظر استيراد مثيلتها.
ويرى إبراهيم، أن أي قرار دون دراسة يثير توجس وترقب من قبل الشركات المستوردة، لكنه نفى أن تكون الندرة الحالية في الأدوية بسبب القرار الحكومي، مطالبا بالتدرج في تنفيذ القرار، خاصة أن 90% من الحقن بمختلف أنواعها وقطرات العيون وبخاخات الأزمات القلبية، وجزء من أدوية الشراب ومستحضرات التجميل، تستورد من الخارج ولا تنتج محليا.
ويقترب عدد الأدوية المسجلة في المجلس القومي للأدوية والسموم بالسودان من خمسة آلاف صنف، تُنتج المصانع المحلية منهم نحو 750 صنفاً فقط.
ويشير إبراهيم إلى أن التحدي الأكبر أمام قرار وقف استيراد الأدوية التي تُنتج محليا، يكمن في قدرة الشركات المحلية على تغطية الحاجة في السوق، مشيرا إلى أن معظم مصانع الأدوية المحلية العاملة في إنتاج الدواء، تعمل بنحو نصف طاقتها الإنتاجية فقط؛ بسبب مشكلات داخلية متمثلة في الكهرباء والعمالة وارتفاع تكاليف الإنتاج.
في المقابل، يؤكد رئيس المجلس القومي للأدوية والسموم، زين العابدين الفحل، على جودة وفاعلية الأدوية المصنعة محليا، مشيرا إلى أن تنفيذ القرار سيتم على مرحلتين، لتسهيل الإجراءات وتسجيل الأدوية التي تُنتج محليا، فيما توقع تلقي شكاوى في الفترة المقبلة نتيجة ارتباك السوق لحين الانتهاء من اعتماد الآلية الجديدة.
وافتتح الرئيس السوداني عمر البشير، في إبريل/نيسان الماضي، أكبر مخزن دواء في العاصمة الخرطوم، بسعة تخزين 46 ألف متر مكعب، وبمواصفات ومعايير تستجيب لأسس التخزين الجيد، والتخلص من العمل اليدوي عبر استخدام التكنولوجيا والرافعات الحديثة لنقل الأدوية.