وقفة مع محمد اشويكة

15 سبتمبر 2018
محمد اشويكة
+ الخط -

تقف هذه الزاوية، مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه.


ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
أعاني من مشكلة تدبير الوقت؛ فالمشاريع المؤجَّلة أو غير المكتملة كثيرة، وثقل الحياة أصبح ضخماً كذاك الحيوان الأسطوري الذي يُحَسُّ ولا يُرى، سيما أن المغريات كثيرة ومتعدّدة، والمنغّصات المرتبطة بالشرط الوجودي للإنسان دراماتيكية، فلا يمكن للمبدع أو المفكّر أن يعيش مرِحاً في جو مضطرب كهذا، وإلّا سيصير كائناً مهزوماً يتسلّى بالمأساة.


ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
لم يكن عملاً واحداً، وإنما اثنين: مجموعتي القصصية "الكَراطيط"، وكتابي "العرض السينمائي تصوّراً للعالَم"؛ فأنا لا أعرف الاشتغال بيد واحدة، ولا أجيد الحديث منفرداً رغم حبّي الشديد للوحدة والانعزال. لا أحب السير على الضفّة المرسومة للجميع سلفاً، وكأنني خُلقتُ من البدء أعسرَ كي تتسلّى يدي اليسرى بما تقترفه تلك اليمنى الغبيّة، وإن كان نفض الغبار يتمّ بهما معاً.


هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
أبداً.. لذلك أُعدّد التجارب، وأكتب بيدَين، وأسافر كثيراً؛ ففي بعض الأحيان أجدني منطلقاً نحو آفاق لم يكن مخطَّطاً لها مسبقاً، تماماً كما يحدث في سفر المتعة؛ إذ كلّما خطّطنا لمساراته بعقلانية أفسدناه وأفقدناه فضيلة الاستكشاف. الحياة ليست عقلانية بالقدر الذي نتصوّره به دائماً. هناك انفلاتات ماتعة لو خلقنا لها أجواء البروز والتجلّي. لم أكن أخطّط لتكون مجموعتي القصصية القادمة متواشجة مع الفوتوغرافيا، ولا أن أنشغل بكتاب بصري عبر الهاتف المحمول، ولكن الرغبة في تحويل تلك الآليات التي تسجننا إلى وسائل للإبداع كانت حافزاً نحو التفكير بهذا الشكل.


لو قُيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
يُغريني كثيراً عالَم الجبال.. وتأسرني الفلاحة.. وتفتنني الموسيقى.. وأعيش في خضمّ الصورة.. وأتمنّى أن أظلّ جوّالاً مدى الحياة، فماذا عساني فاعلٌ بهذا الجنون الذي يسكنني؟


ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
آه ثم آه.. أحلم أن أستيقظ يوماً وأجد أمام ناظري، ودونما افتعال أو رهبة، عالماً دون فقر ولا تطرّف ولا حرب ولا فساد ولا استغلال.. أحلم بأناس يعشقون الجمال، يتحابّون بشكل فعلي، وببلدان تتقاسم الخيرات والتكنولوجيا دون تضييق أو ضيق أو جشع وبلا حدود.. وأن تكون الأُسَر في عمق التغيير، وأن يكون التعليم مُنقذاً للإنسان وليس مُضيِّعا له، وأن نسعى سوياً للحد من الشقاء المكدّس الذي يعمّ الحياة بفعل تراجع الضمير وهيمنة التدمير.


شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
أود أن ألتقي كارل ماركس شريطة ألا يكون مطّلعاً عمّا آلت إليه الأوضاع الإنسانية اليوم (سلبياً وإيجابياً)، وذلك لاختبار قدراتي الشخصية المتواضعة على الاستشراف النظري للكون؛ فتارةً أصير مرتاحاً ومرتكناً للدعة والخمول والاستهلاك.. وتارة أصير مهموماً بالاستهلاك المادي السلبي، والتفاخر بامتلاك المال والغنى كجوهر محدّد لهوية بعض الأفراد والشعوب، دونما أي إسهام في نماء الفرد والتأثير الإيجابي في قيمه العليا.


صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
لا خير في حياة دون صداقة: صداقة الإنسان والكتاب معاً. فأن تقرأ معناه الخروج من دائرة الصداقة المسيَّجة إلى الدائرة المنفتحة على البشرية، فيصير لك، نتيجة هذا الفعل الذهني، المركَّب أصدقاء تتماهى أو تتناقض معهم من دون أن تراهم، وتنتقل عبر ثقافات ومجتمعات قد لا يمكن أن تزورها أبداً. ولكن الصداقة معها ممكنة. صحيح، صرت أحتفظ بالأصدقاء الخُلَّص، وأكون صادقاً مع نفسي وصديقاً لها حينما أنأى بها عن الوَحَل، فلم يعد الزمن صديقاً لي.


ماذا تقرأ الآن؟
لا أقرأ كتاباً واحداً، ولا أكتفي بالقراءة فحسب، بل تتزاحم الأفلام مع الكتب في حياتي. هكذا، صار الجوار قائماً بين البيبليوفيليا والسينيفيليا في قرارة روحي الحرونة. لا أعرف هل الأمر مشكلة في حد ذاته بالنظر للصراع الداخلي الذي أعيشه، ولكن الأمر لا يخلو من متعة وشغف مزدوج: أجد نفسي غير قادر على الأحادية. أنفتح الآن على قراءة كتاب فلسفي جمالي جماعي حول المونتاج تحت عنوان "المونتاج"، وأشاهد في آن واحد بعض الأفلام التي يتحدّث عنها.. ويا لمتعة المقارنة!


ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
قلّةٌ من أصدقائي يعرفون بأن شريكتي ورفيقتي في الحياة مطربة، وها أنا اليوم أنخرط معها في مغامرة التمويل الذاتي المستقل والمغاير رفقة ثلّة من الأصدقاء المغاربة والعرب قصد إنتاج بعض الأغاني التي تعمد أسلوباً فنّياً مختلفاً، وذلك استناداً إلى تجارب شعرية معاصرة. وبما أنني قمت بسفر رفقة صباح زيداني لبعض الدول الأوروبية، فقد كانت موسيقاها رفيقة لنا، ومتاحفها ومكتباتها حاضنة لتنقّلاتنا، وذلك بغية الاكتشاف، لأن الموسيقى اكتشاف لأصوات الطبيعة، ولأصواتنا الداخلية.


بطاقة
محمد اشويكة كاتب وقاصّ وناقد سينمائي مغربي، من مواليد 1971 في قلعة السراغنة شمال مدينة مرّاكش التي يعيش ويعمل فيها أستاذاً للفلسفة. صدرت له ثماني مجموعات قصصية؛ من بينها: "الحب الحافي" (2001)، و"درجات من واقعية غير سحرية" (2012)، ودراستان حول القصّة القصيرة؛ هما: "المفارقة القصصية" (2008)، و"مناقير داروين" (2010)، وكتاب في أدب الرحلة بعنوان "أنفاس الجغرافيا" (2013)، إلى جانب عشر دراسات في النقد السينمائي والجماليات البصرية؛ من بينها: "الصورة السينمائية: "السينما المغربية: أطروحات وتجارب" (2008)، و"الجماليات البصرية: السينمائي والتشكيلي نموذجاً" (2017).

المساهمون