على إحدى عتبات شوارع الحي السكني المكتظ، في منطقة أبراج المقوسي، في شمال مدينة غزة، جلس الحاج فريد أبو جامع هادئًا وأمامه العشرات ممن كانوا يصرخون مطالبين بتعويضات منشآتهم المدمرة في الحرب الأخيرة على غزة صيف عام 2014، والتائهة عن أعين الوزراء والمانحين حتى اللحظة.
حالة البرود لدى أبو جامع، باغتت مطالباته في العام الجاري فجأةً، بعدما سئم طوال الأعوام الماضية من الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات المطالبة بحقه كما غيره، في إعادة إعمار 3 منشآت صناعية له، ومنزله الخاص الذي كان يؤوي 12 فردًا من أسرته، قبل أن تُنسف الحيطان الساترة لعائلته، ومعها قوتهم ومصدر رزقهم الوحيد.
وأمام الحاج الفلسطيني، كان العشرات من أصحاب المنشآت المدمرة بفعل العدوان الإسرائيلي، يصرخون لحقوقهم الضائعة منذ صيف عام 2014، اليوم الثلاثاء، أمام مقر وزارة الاقتصاد، في مدينة غزة، في وقت علت فيه أصواتهم مطالبة وزيرة الاقتصاد الفلسطيني، عبير عودة، بـ"أخذ ملف تعويض تلك المنشآت الصناعية على محمل الجد".
أمّا أبو جامع، فكأنما انتظر فرصة للتحدث، وأزاح هدوءه وقال غاضبًا لـ"العربي الجديد": "لقد انتكبنا. 4 سنوات ونحن نأخذ وعودًا كاذبة بتعويضنا، حتى وصلت أمورنا إلى ما هو أسوأ، وأصبحنا نمثل أمام المحاكم على خلفية ذمم مالية لتجار آخرين. نحن لا نتسوّل، نحن نطالب بحقوقنا، ولدي عائلة وأسرة لا أستطيع دفع شيكل واحد لهم".
على الجهة المقابلة كان لطفي أبو طه، يصرخ عونًا بعدما تبددت كل السبل أمامه في حل قضايا الذمم المالية التي رُفعت عليه، بعدما لم تُصرف له أي تعويضات على منشآته التي دمرت في الحرب الأخيرة إلى عامنا الحالي، وأضحى مديونًا للعديد من التجار الذين نفد منهم الصبر في استرجاع أموالهم من الفلسطيني.
وصرّح أبو طه لـ"العربي الجديد"، أنه "تعرض للسجن مع 68 تاجرًا آخرين من أصدقائه على خلفية ديون مالية لم يقوَ على سدادها بعد تدمير منشآته الصناعية في الحرب"، مؤكدًا على أن حاله أصبح بين النيابات والمحاكم طوال نهاره، مرغمًا على إيجاد حل من لا شيء بينما ما زالت الوعود بصرف تعويضاتهم مختفية تمامًا.
وأمام مقر وزارة الاقتصاد، كانت حالة الغضب واضحة في مطالبات المتضررين في الحرب الأخيرة، إذ إن الصخب الذي خرج من حناجرهم صدّع البنايات السكنية من حولهم، وراحت هتافاتهم تقول: "بدكو نعيش زي الدراويش حقنا في رزقنا ما يتنسيش"، "مصدر رزقي راح في الحرب إلى متى هذا العيش على الإعانة والكابونة".
في غضون ذلك، أوضح الممثل عن أصحاب المنشآت الصناعية المدمرة، حمزة المصري، أن عدد المنشآت المتضررة من الحرب يصل إلى 5427 منشأة، بواقع 936 في القطاع الصناعي، و3227 في القطاع التجاري، و1171 في القطاع الخدماتي، و93 في قطاع السياحة.
وأضاف في كلمته بالوقفة، إن الخسائر غير المباشرة قدرت بحوالى 89 مليون دولار، توزعت على 43 مليوناً في القطاع الصناعي و26 مليوناً في القطاع التجاري، و13 في قطاع الخدمات، و6 ملايين في القطاع السياحي، ووصول قيمة الأضرار إلى 203 ملايين دولار، في حين لم يعوض إلا أصحاب المنشآت ذات الأضرار التي تقل عن سبعة آلاف دولار.
وطالب المصري الحكومة الفلسطينية والمسؤولين وأصحاب القرار بسرعة صرف التعويضات لأصحاب المنشآت المدمرة، ودعوة الجهات المانحة إلى الإيفاء بتعهداتها المالية التي قطعتها على نفسها في مؤتمر المانحين، الذي عقد في القاهرة عقب الحرب الأخيرة على القطاع، وذلك لتمكين أصحاب تلك المنشآت من إعادة بناء نفسها.
كما دعا وزارة الاقتصاد الفلسطينية ممثلة بالوزيرة، عبير عودة، إلى "بذل الجهد والطاقة بخصوص هذه القضية التي لم تذكرها ولو لمرة واحدة في أي لقاء أو حوار لها"، مطالبًا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالوقوف تجاه مسؤولياته بالضغط على الجهات المانحة في الإسراع بدفع تلك التعويضات.