وقفة بين عامين

02 يناير 2015

مظاهر احتفال بالعام الجديد في أسواق بغداد (20 ديسمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

نقف، اليوم، على عتبة بين عامين، فيما تقف الأمة العربية أمام طريقين. طريق تودي بنا إلى أمة الدويلات الصغيرة المشتّتة، أمة الهويات الطائفية، طريق تودي بنا إلى "سايكس بيكو" جديد. أما الدرب الآخر فهي درب النمط الحديث للوحدة العربية، درب التكامل الاقتصادي والاجتماعي، درب أمة تحتفل بتنوّع أطيافها.
قد يدعونا واقع الأرض إلى التشاؤم، أو ربما السخرية من أي طرح قومي، أو على الأقل في الوقت الراهن. ولم لا؟ فالحروب الطاحنة التي تجتاح المنطقة تنذر بمستقبل قاتم. القتلى في سورية تجاوزوا المئتي ألف، وعدد النازحين في الداخل واللاجئين إلى إلخارج بات يزيد عن عشرة ملايين سوري، ولا حلّ في الأفق. وفي العراق، نشهد انقسامات عرقية وطائفية تولد إرهاباً، ولم يعد للمؤسسات حرمة، ولا قدرة على ضبط الحياة السياسية والاجتماعية. وفي فلسطين، تواصل إسرائيل بناء المستوطنات وجداراً عازلاً، وتقتلع الفلسطينيين من أرضهم من دون حسيب أو رقيب. في المقابل، كانت تونس الاستثناء الوحيد، ونأمل في أن يشكّل نجاح الانتخابات الرئاسية، في الأيام قبل رأس السنة، نموذجاً وخميرة يعيدان إلى الربيع العربي فرصة استئناف مساره.

لكن، الأهم، علينا الإقرار بأن مشكلاتنا لا تقتصر على العنف الدائر اليوم. فهول الكارثة التي يشهدها العالم العربي قد تدفع بعضنا إلى نسيان أن مشكلاتنا مزمنة ومتجذّرة. فوضعنا كان قبل ثورات الربيع العربي، وما زال، في حالٍ يرثى له.
نحن أمة غنيّة شعوبها فقيرة. فالمنطقة تتصدّر دول العالم، من حيث نسبة البطالة التي باتت تتخطّى، اليوم، 20%. في اليمن، يتخطّى معدل الفقر 30%، وفي مصر 20%. النمو المطرد الذي حققته بعض دول المنطقة، مثل تونس ومصر، في السنوات التي سبقت ثورات الربيع العربي لم يستفد منها إلا قلة قليلة من المجتمع.
نحن أمة غنية تفتقر إلى الخدمات الأساسية، كالصحة والماء والتعليم، ففي اليمن، ست نساء تمتن كل يوم، وهن يهبن الحياة لأطفالهن. مئات المرضى يموتون على أبواب المستشفيات سنوياً، لأنهم لا يملكون تأميناً صحياً. أكثر من 25% من سكان المنطقة، معظمهم ممن يقطنون في القرى الريفية النائية، ليس لديهم صرف صحي مناسب ولا تصل إليهم مياه شرب.
نحن أمة غنية، تغيب فيها العدالة والمساواة بين أبنائها، فالنظام الاقتصادي السائد هو رأسمالية المحاباة. نظام يزداد فيه الأغنياء ثراءً والفقراء فقراً. فساد مستشرٍ، وسائط ومحسوبية توصد باب التقدم أمام الفئات الأقل حظّاً في المجتمع.
نحن أمة غنية نساؤها وشبابها مهمشون. تمتلك المنطقة خزاناً من الشباب. لكنهم، وللأسف، لا يجدون فرص عمل توفر لهم العيش الكريم. ففي مصر، مثلاً، نحو 80% من العاطلين عن العمل دون سن الثلاثين. أما النساء فحدّث ولا حرج. القيم الاجتماعية والقوانين المقيّدة لهن تحول دون مشاركتهن الفعالة في السوق الاقتصادية.
أمام هذا الواقع، يتساءل المرء، ما هو الحل إذاً؟ الحل يبدأ من المواطنة والتكامل العربي.
قبل أربع سنوات، انطلقت شرارة الثورات العربية تطالب بالتغيير. ثورة تصدّرها الشباب. لكن التغيير المرجوّ لن يصل إلى مبتغاه، من دون إيمان راسخ بمبدأين أساسيين: المواطنة والتكامل بين الدول العربية، وهما لا ينفصلان عن بعضهما. فالمواطنة تعني انتماءً عربياً مبنياً على أساس الحقوق والواجبات، انتماءً يساوي بين جميع أفراد المجتمع، على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وإثنياتهم وعقائدهم السياسية والحزبية. أما التكامل فهو يعني أن تؤمن دول المنطقة بأنها تمثّل امتداداً لبعضها البعض، بعيداً عن هيمنة إحداها على الأخرى، أو التقوقع والانعزال.
لا يمكن أن يكتب النجاح لثورات الربيع العربي، إذا ما ظلّت الشعوب ترزح تحت نير الديكتاتوريات، وتعاني من الفقر والأمية، ولا تمتلك القدرة على تحصيل لقمة العيش وتأمين فرصة عمل.
هل نستطيع أن نتفاءل؟ هل سنسترجع قدرتنا على التحكّم بمصيرنا، أم نستسلم للقدر؟ يكمن التحدّي في التزامنا باستئناف المسيرة القومية المستنيرة المبنية على أسس العروبة الحديثة.
لقد أمضيت حياتي عروبياً، ومهما تبدو هذه الرؤية بعيدة، اليوم، إلا أنني أثق بأن الشبان والشابات الذين أطاحوا أنظمة استبدادية حكمت عقوداً يعون، تماماً، أنه لا خيار أمامهم سوى إحقاق المساواة بين جميع أفراد المجتمع والانفتاح على الآخر.
كل عام وأنتم بخير.