ما زالت معدلات وفيات الأمومة مرتفعة بطريقة لا يمكن القبول بها، بحسب منظمة الصحة العالمية. والبلدان قليلة الموارد ليست المعنيّة الوحيدة، فثمّة أخرى من بينها الولايات المتحدة الأميركية.
تفارق مئات آلاف النساء الحياة في كلّ عام نتيجة مضاعفات الحمل والولادة. وقد سجّلت دراسة صادرة عن منظمة الصحة العالمية وفاة أكثر من 300 ألف امرأة في عام 2015 حول العالم. على الرغم من أنّ هذا الرقم مرتفع، فإنّه يبيّن تحسّناً بالمقارنة مع دراسة سابقة صدرت في عام 2005 وسجّلت معدّل وفيات تخطّى نصف مليون امرأة. وتشير المنظمة إلى أنّ تلك الحالات بمعظمها يمكن تفاديها. إلى ذلك، وعلى الرغم من أنّ تلك الحالات بمعظمها تسجّل في الدول النامية، فإنّ دولاً صناعية كالولايات المتحدة الأميركية تسجّل نسباً عالية بالمقارنة مع مثيلاتها اقتصادياً.
في الولايات المتحدة الأميركية، وهي واحدة من أكثر الدول تقدماً في العلاجات الطبية المختلفة، يصل مجموع الوفيات الناتجة عن الحمل والولادة إلى 800 أو 900 حالة سنوياً، بحسب ما تبيّن دراسة صدرت حديثاً. وهذا الرقم يوازي ثلاثة أضعاف وفيات الأمومة في كندا وستة أضعاف ما يُسجَّل في الدول الاسكندنافية. وتشير الدراسة كذلك إلى أنّ عدد النساء اللواتي هنّ في خطر شديد بسبب الحمل أو الولادة وقريبات من الموت، يصل سنوياً إلى أكثر من 40 ألف حالة في الولايات المتحدة.
وتعيد الدراسة كما دراسات أخرى سابقة هذه الفروقات بين الولايات المتحدة ودول صناعية أخرى إلى أسباب عدّة منها النظام الصحي الأميركي أو بصورة أدقّ عدم توفّر التأمين الصحي للملايين، بمن فيهم النساء. وعدم توفّر التأمين الصحي أو وجوده بصورة محدودة، من شأنه أن يصعّب عملية الفحوصات الروتينية اللازمة للمرأة الحامل بهدف التأكد من سلامتها وسلامة جنينها ومتابعة أيّ تعقيدات من الممكن أن تظهر ومعالجتها. وتلفت الدراسة إلى أنّ معدّل تلك الوفيات داخل الولايات المتحدة يرتفع بين الأميركيات من أصول أفريقية ليصل إلى ثلاثة أضعاف المعدّل القومي.
صحيح أنّه في إمكان أيّ شخص التوجّه إلى مستشفيات معيّنة أو مستوصفات لتلقّي العلاج في حالة الطوارئ، لكنّ الحمل يحتاج أكثر من مجرّد متابعة طوارئ، إذ من المحتمل أن تكون حالة المرأة الحامل خطيرة من دون أن تظهر الأعراض بصورة واضحة أو مباشرة. إلى ذلك، فإنّ توفّر تأمين صحي لدى المرأة الحامل لا يضمن بالضرورة تغطية كل نفقات الفحوصات والمتابعة، إذ إنّ بعض تلك الاشتراكات يغطّي الأساسيات فقط. وقد يبدو من البديهي القول بوجوب أن تشمل أساسيات أيّ برنامج صحي الحفاظ على صحة المرأة عموماً والحامل خصوصاً وكذلك سلامتها، إلا أنّه ثمّة رأياً آخر لسياسيين كثيرين في الولايات المتحدة، لا سيّما الجمهوريين منهم. ويعارض الجمهوريون في الغالب الإجهاض واستخدام موانع الحمل ويربطون دعمهم لرزمات تأمين صحي مختلفة بأموال فدرالية أو أموال حكوماتهم في الولايات المحلية، بضرورة عدم تغطية تلك البرامج تكاليف الإجهاض أو حتى موانع الحمل. وهو ما يعني أنّ تلك البرامج تقدّم خدماتها بطريقة جزئية فقط.
يُضاف إلى ذلك ارتفاع نسبة النساء "الكبيرات في السنّ" اللواتي يقدمنَ على الحمل والإنجاب، إذ إنّه يزيد من احتمالات دخول الحمل في تعقيدات صحية وخطورته. والأمر نفسه ينطبق على حالات الحمل لدى النساء "الصغيرات في السنّ". وتشير الدراسات كذلك إلى ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض مزمنة في الولايات المتحدة من دون معالجتها، كالسكري والسمنة، والتي تزيد كذلك من مخاطر الحمل وتعقيداته.
ويتوقع بعض الخبراء أن تكون أرقام الوفيات أكبر من تلك المنشورة في الدراسة، إذ تعاني الولايات المتحدة في مجالات عدّة من نقص في الإحصاءات على مستوى الدولة بسبب نظام استقلال الولايات الأميركية واختلاف طرق تسجيلها لتلك الوفيات، فضلاً عن الاختلاف والنقص في جمع المعلومات أحياناً داخل الولاية نفسها. وتناشد جهات مختصة السلطات المختلفة في كل الولايات تشكيل لجان خاصة تنظر في كل حالات الوفيات وأسبابها وتطالب بفحوصات إضافية عند وفاة امرأة حامل أو امراة خلال سنة من تاريخ إنجابها. ويأمل المختصون بأن يؤدّي التسجيل الأدقّ لتلك الحالات وكذلك الفحوصات، إلى كشف خلل محتمل في النظام غير ظاهر للعيان. ومن المحتمل أن يؤدّي ذلك إلى تقليص تلك الأعداد بنسبة أكبر، ليس فقط عدد النساء المتوفيات، بل كذلك عدد اللواتي قد يمثّل الحمل والولادة خطراً حقيقياً على حياتهنّ.
في السياق، تشير منظمة الصحة العالمية في تقريرها الأخير إلى أنّ ارتفاع وفيات الأمومة، خصوصاً في الدول النامية وقد ينطبق ذلك على الولايات المتحدة الأميركية بصورة غير مباشرة، يعكس "الفروقات والتفاوت في الحصول على الخدمات الصحية ويبرز الثغرة الموجودة بين الفقراء والأغنياء حول العالم". وتلك الوفيات تأتي نتيجة مضاعفات خلال الحمل يمكن علاج معظمها كما يمكن الوقاية منها عند الحصول على خدمات صحية أساسية ووقائية. وتوضح كذلك أنّ تلك المضاعفات قد تظهر عند المرأة قبل الحمل لكنّها تتضاعف خلاله، ومن بينها "النزيف الوخيم وهو النزيف الذي يأتي بعد الولادة في الغالب، وكذلك ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل وتعسّر الوضع والإجهاض غير المأمون".