وفاة نجوى قدح الدم مهندسة لقاء البرهان ونتنياهو بفيروس كورونا

27 مايو 2020
نجوي قدح الدم شخصية مثيرة للجدل(تويتر)
+ الخط -
أعلنت الخرطوم، اليوم الأربعاء، وفاة السفيرة نجوى قدح الدم، المستشارة الخاصة لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، نتيجة إصابتها بفيروس كورونا.

وطبقاً لصحيفة "السوداني"، فإن الطائرة التي هبطت في مطار الخرطوم، أمس الثلاثاء، ويعتقد أنها إسرائيلية، حملت فريقاً طبياً من 8 أفراد، وجاءت بغرض إجلائها من مستشفى علياء التابع للسلاح الطبي للعلاج خارجاً، لكن الفريق الطبي اصطدم بتأخر حالتها.

وعرفت قدح الدم بأدوار غامضة طوال مسيرتها، ولا سيما في السنوات الأخيرة، وكانت آخر تلك المهمات مشاركتها في هندسة اللقاء الذي جرى مطلع فبراير/ شباط الماضي، بين رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مدينة عنتبي الأوغندية، وكانت كذلك ضمن من حضر اللقاء، والوحيدة التي ظهرت صورها وهي تصافح نتنياهو.

وتعد الراحلة قدح الدم، كذلك، واحدة من أكثر المقربين من الرئيس الأوغندي يوري موسفيني، ونجحت من خلال قربها منه، بتحقيق مصالحة تاريخية بينه وبين الرئيس المعزول، عمر البشير، ما قاد إلى تطور كبير في العلاقات بين الخرطوم وكمبالا.

مهندسة لقاء البرهان ونتنياهو

قبل نحو 7 سنوات، بدأ اسم السودانية نجوى قدح الدم، يثير جدلاً سياسياً في البلاد، ولا سيما بشأن الأدوار التي أدتها في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس المعزول عمر البشير على الصعيد الدبلوماسي. لكن هذا الجدل لم يتوقف بعد إطاحة البشير، إذ عادت إلى الأضواء أخيراً، بعد أن برز اسمها كواحدة ممن يستعين بهم رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، الذي عينها مستشارة له بعد الاستغناء عن خدماتها في وزارة الخارجية بعد إطاحة نظام البشير.

وتحفّظت قدح الدم عن الإدلاء بأي معلومات تنفي أو تؤكد مشاركتها في هندسة لقاء البرهان-نتنياهو، الذي شكّل نقطة تحوّل كبيرة في السياسة الخارجية السودانية لجهة التطبيع مع إسرائيل، وأثار انقساماً في الوسطين السياسي والشعبي بين رافض لمثل هذا التوجّه، خصوصاً لما يمثله من طعنة للشعب الفلسطيني، وبين مؤيد له. واكتفت قدح الدم، في تصريح واحد، بالتأكيد أنها حضرت اللقاء بصفتها كبيرة مستشاري الرئيس الأوغندي يوري موسفيني، وبصفتها الأخرى سفيرةً في القصر الجمهوري للسودان.

وأشارت مصادر عدّة إلى أن قدح الدم عكفت على الإعداد للقاء منذ أشهر بالتواصل مع المحامي الإسرائيلي نيك كوفمان. ووفق مصادر خاصة تحدثت لـ"العربي الجديد"، عملت قدح الدم على مدى أشهر لإنجاح اللقاء، وتفرغت له تماماً ومعها 3 أشخاص آخرين، وتنقلت لمدة 10 أيام قبل اللقاء بين الخرطوم وكمبالا.

وفي السياق نفسه، كشف تقرير بثته القناة "13" الإسرائيلية، أخيراً، أنّ المحامي كوفمان الذي يعمل في الدفاع عن متهمين لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، كان المبادر لنسج اتصالات أولية مع البرهان، ونقل رسالة له من نتنياهو. ووفقاً للتقرير الإسرائيلي، فقد بدأت الاتصالات بشأن اللقاء بين نتنياهو والبرهان، في مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وفي مطلع يناير/ كانون الثاني وصل كوفمان إلى السودان حاملاً رسالة نتنياهو والتقى البرهان الذي حمّله ردوداً "إيجابية" على الاقتراح، لينتقل الموضوع إلى قناة اتصال جديدة من خلال نجوى قدح الدم. وتولّت الأخيرة مواصلة عملية الاتصالات بين مستشار نتنياهو للأمن القومي، مئير بن شبات ورئيس "الموساد" يوسي كوهين، وموفد نتنياهو السري للعلاقات مع الدول العربية الذي يُعرف باسم "معوز" لتنسيق عقد لقاء القمة بين الطرفين.

وبعد حديث كثيف دار عنها عقب لقاء البرهان-نتنياهو، انتشرت سيرة ذاتية لها على مواقع التواصل الاجتماعي، وردت فيها إشارات إلى علاقتها بالمدير الأسبق لجهاز المخابرات السودانية، الفريق صلاح قوش، والإمارات، فاضطرت إلى إصدار توضيحات تنفي حصولها على الجنسية النمساوية، والإعلان أنها لم تعمل سفيرةً في أوغندا، وأنها رفضت ذلك حينما عرض عليها المنصب قبل سنوات، لرغبتها في العمل الدؤوب على تطوير علاقة السودان بأوغندا وتحقيق السلام في المنطقة، مؤكدة أنها لم تعمل لحساب قوش إطلاقاً.

حياتها

وبحسب ما هو معروف عنها، وُلدَت نجوى عباس أحمد محمد قدح الدم، وهو اسمها الكامل، في مدينة أم درمان غرب الخرطوم، ودرست فيها كل المراحل، وانتقلت لدراسة الهندسة الميكانيكية في جامعة الخرطوم، التي تخرجت منها عام 1989، وحصلت بعدها على درجة الماجستير في الطاقة المتجددة، ثم التحقت بوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، ثم جامعة زيمبابوي. وخلال رحلتها العلمية تزوجت أستاذها، ألماني الجنسية، أحمد نومان، قبل أن تنفصل عنه.

وفي الوقت الذي أشارت فيه تقارير صحافية إلى حصولها على الجنسية النمساوية، نفت قدح الدم ذلك رسمياً، على الرغم من قولها إنه لا يوجد ما يمنع ازدواجية الجنسية في القوانين السودانية.

أتاح لها عملها في منظمة تابعة للأمم المتحدة في أوغندا، فرصة الاقتراب كثيراً من الرئيس يوري موسفيني، الذي يعدها مثل ابنته، كما ذكرت قدح الدم بنفسها، في واحد من حواراتها الصحافية، وقاد ذلك إلى توسطها بين البشير وموسفيني، لتحسين العلاقة بين بلديهما، إثر سلسلة توترات مستمرة سبّبها تبادل الاتهامات بإيواء كل طرف لجماعات متمردة. ونجحت مساعيها عام 2015 في تنظيم زيارة لموسفيني للخرطوم، كانت بمثابة تحوّل في العلاقة بين الخرطوم وكمبالا، وغيّرت تماماً من نظرة موسفيني للبشير، بل إنه تحوّل إلى واحد من أكبر الداعمين له في معركته ضد المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت أمر قبض بحقه في عام 2010.

ذلك الاختراق الكبير، أوجد لقدح الدم مكانة كبيرة وسط النظام السابق الذي وثق بها، ولو ظاهرياً، وكلفها مهمات عديدة، منها إيصال رسائل إلى عدد من الجهات، ومنها كذلك تنسيق الدور السوداني والأوغندي في تحقيق السلام في جنوب السودان. وبمجرد توقيع هذا الاتفاق، قرر البشير منحها وسام النيلين في عام 2018. كذلك حصلت على جواز دبلوماسي سوداني بدرجة سفير، وفي الكثير من رحلاتها من الخرطوم وإليها كانت تُفتح لها صالة كبار الزوار وتستخدم سيارات الرئاسة.

موسفيني في بيتها

برز أكثر من تساؤل عن علاقتها بموسفيني، الذي حرص في أثناء زيارته للخرطوم على زيارة منزل أسرتها في أم درمان، لكن قدح الدم أشارت إلى أن عملها في أوغندا، وتحديداً شمال البلاد، هو الذي قرّب المسافات بينها وبين موسفيني. ولفتت إلى أن علاقتها بموسفيني ليست الوحيدة في وسط الرؤساء وحكام الدول، متحدثة عن علاقات لها مع رئيس زيمبابوي الراحل روبرت موغابي والنيجيري أولوسيغون أوباسانجو، وزعماء الكونغو ورواندا والأردن وجنوب أفريقيا ورؤساء آخرين نمت علاقتها بهم في أثناء عملها في الأمم المتحدة.

بعد إنجاز ملف العلاقة مع أوغندا، تحوّلت جهودها إلى التوسط بين البشير ومعارضيه، وعملت لإنجاح مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا إليه البشير، مع نشاط آخر في عملية السلام في جنوب السودان.

شخصية مفتاحية

بعد سقوط نظام البشير في إبريل/ نيسان الماضي، بات مصير نجوى قدح الدم غامضاً، خصوصاً مع النظرة السلبية تجاه كل من عملوا مع النظام. وفي ظل أحاديث عن ضرورة إطاحة كل السفراء الذين عيّنهم البشير، يبدو أن البرهان أراد الإبقاء عليها سفيرة في القصر الرئاسي، حتى جاء لقاء البرهان بنتنياهو لتعود إلى الواجهة من جديد.

أما لحساب من تعمل نجوى قدح، فَقَد ظل هذا السؤال الجوهري يتكرر، خصوصاً أن دورها لم يتوقف عند إطاحة البشير، بل انتقلت إلى دائرة البرهان. وتحدث البعض عنها بوصفها "شخصية مفتاحية" ولديها قدرة على الوصول إلى أعلى المستويات. أما إجابتها هي على ذلك السؤال، فلخصتها بالقول إنها تعمل لمصلحة بلادها وأمن المنطقة وتنميتها، ومهما تكن درجة الاقتناع بتلك الإجابة، فإن السؤال سيكون مطروحاً حتى بعد وفاتها.

المساهمون