لم تدم ما سمتها وسائل الإعلام المحسوبة على السعودية "انتفاضة صنعاء العروبة ضد الحوثي الإيراني" أكثر من ساعات، بعدما بدا أنه حسم عسكري سريع قامت به قوات الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح خصوصاً في العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى كانت تخضع لشراكة حليفي الانقلاب، الحوثيين ومسلحي صالح. وغاب الحدث اليمني عن سمع وسائل الإعلام السعودية والإماراتية أمس الأحد، بعدما احتلت "الانتفاضة المباركة" لصالح وحزبه ضد الحوثيين هواء البث طيلة نهار ومساء السبت الماضي، قبل أن يستعيد الحوثيون زمام المبادرة، ويبدأ تراجع صالح عن خطابه التصعيدي ضد الحوثيين، وسط نفي حوثي لوجود وساطة عُمانية مع صالح.
يوم حوثيٌ بامتياز لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، أمس الأحد، إذ تواصلت الاشتباكات المسلحة في عدد من أحياء صنعاء، مع الموالين لعلي عبد الله صالح، ولكن بتقدم للحوثيين، الذين شنّوا هجوماً معاكساً تمكنوا على ضوئه من تعطيل إعلام صالح، والتحكم في مسار المعركة إعلامياً على الأقل، جنباً إلى جنب مع استقدام تعزيزات إلى صنعاء من محافظات أخرى، في الوقت الذي ساد فيه الغموض، بالنسبة إلى خيارات صالح، والتحالف الذي أعلن دعم "انتفاضة" حزبه، ونفذ ثلاث غارات جوية على مطار صنعاء أمس الأحد، بعد أن كان قد نفذ خمس غارات جوية في العاصمة أول من أمس.
وحتى مساء الأحد، أكّد سكان، لـ"العربي الجديد"، استمرار الاشتباكات التي تستخدم فيها غالباً أسلحة متوسطة وخفيفة، وتتطور أحياناً لتسمع فيها أسلحة ثقيلة، في مربع المواجهة الأول الممتد من الحي السياسي إلى شوارع الجزائر وبغداد والزبيري، وجنوباً باتجاه منطقة حدة، وهي إجمالاً مجموعة الأحياء والشوارع الرئيسية والفرعية المحيطة بأحد أهم مناطق صنعاء، وتقع فيها منازل صالح وأقاربه ومسؤولين في حزبه. وتتواصل الاشتباكات في هذا المربع الأمني الحساس، الذي تفجرت اشتباكات فيه للمرة الأولى الأربعاء الماضي، عندما حاول الحوثيون الوصول إلى منزل نجل شقيق صالح، وهو طارق صالح، قائد حراسته الخاصة سابقاً ويوصف بأنه القائد العسكري للقوات الموالية حالياً. ودارت اشتباكات عنيفة باتجاه منطقة الحصبة شمال العاصمة، التي تحدثت فيها مصادر تابعة للحوثيين عن السيطرة على أحد المنازل التابعة لصالح، والمقر السابق لـ"اللجنة الدائمة" لحزب المؤتمر الواقع في المنطقة ذاتها. وتحدثت مصادر أمنية عن مقتل نحو 60 مقاتلاً في مواجهات بين الطرفين اشتعلت في أنحاء العاصمة، فيما أفاد سكان أحياء عدة بأنهم تحصّنوا في منازلهم لتفادي القناصة والقصف، وعلقت وزارة التعليم الدراسة خوفاً على الطلبة والمدرسين.
واعتباراً من مساء السبت الماضي، وجّه الحوثيون ضربة قوية لفريق صالح، عندما تمكنوا من الوصول إلى مقر قناة "اليمن اليوم" التابعة له، في منطقة بيت بوس جنوب العاصمة. كذلك قاموا بتوقيف إذاعة تابعة له في صنعاء عن البث، وحجبوا أهم المواقع الإلكترونية التابعة للحزب، عن المتصفحين من داخل اليمن. وبذلك استطاعوا حجب إحدى أهم أدوات الحرب، ممثلة بالإعلام، ليعلنوا بعد توقف إعلام صالح بياناً باسم رئيس ما يُسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى"، صالح الصماد، يعلن فيه إخماد ما وصفه بـ"الفتنة". وقال الصماد "أزف إليكم نبأ وأد جذور هذه الفتنة". وعقب توقف إعلام صالح، أعلن الحوثيون أيضاً استعادة كافة المواقع التي فقدوها، خلال المواجهات التي دارت صباح السبت، وأبرزها معسكر 48 الذي يعد المقر الرئيسي لقوات الحرس الجمهوري، ويقع في منطقة السواد جنوب العاصمة. كذلك أعلنوا أنهم تمكنوا من السيطرة على معسكر "الشهيد الملصي"، الذي أسسه نجل شقيق صالح، وقام فيه بتدريب دفعات مقاتلين، والسيطرة على معسكر "ريمة حميد"، الذي يعد المعسكر الرئيس والتدريبي لحراسة صالح، وعلى مقر السفارة السعودية، الذي كان قد وقع تحت سيطرة الموالين لصالح، أول من أمس.
وفيما بدا حزب صالح عاجزاً إعلامياً عن الرد على ما أعلنه الحوثيون، كان من الواضح أن الحوثيين حققوا اختراقاً خطيراً في منطقة بيت بوس، الواقعة جنوب شرق منطقة الرئاسة، وهي المنطقة التي عطلوا منها إعلام صالح وسيطروا على منزل، على الأقل، يتبع إلى أقاربه. أما في ما يتعلق بمعسكري "الملصي" و"ريمة حميد"، الواقعين في منطقة سنحان، مسقط رأس صالح، فإن سيطرة الحوثيين عليهما بدت أمراً مشكوكاً فيه من أغلب المتابعين، إذ إن سقوط المعسكرين، إذا صح، يمثل قطع الحوثيين الشوط الأكبر في المعركة العسكرية مع صالح. وعلى العكس، لم ترد معلومات دقيقة عن وقوع معارك في تلك المناطق، التي تعد الدائرة العسكرية الأضيق بالنسبة للقوات الموالية لصالح.
وانعكس التقدم الذي حققه الحوثيون، السبت والأحد، على خطاب حزب صالح، الذي أصدر، أمس الأحد بياناً، تراجعت فيه حدة لهجته ضد الحوثيين والتقرب من التحالف، إذ برر موقفه المعلن ضد الجماعة، واتهمها باقتحام الوزارات والمؤسسات وغير ذلك، لكنه قال في السياق إن "موقف المؤتمر الشعبي العام ثابت ومبدئي وراسخ في مواجهة العدوان، سواءً في ظل الشراكة أو في غياب الشراكة، وليس كما فسر خطاب رئيس المؤتمر (صالح) يوم أمس (السبت) تفسيراً خاطئاً لتبرير تصرفاتهم العدوانية" في إشارة إلى الحوثيين. وأضاف أنه يرحب "بأي جهود توحد الصف الداخلي وتزيل كل أسباب التوتر القائم". وكان الحوثيون، ولمواجهة الخطر الوجودي على سلطتهم في صنعاء، قد لجأوا للعديد من الخطوات، أولاها الانتشار والمواجهة في نقاط الاشتباك المستمرة داخل العاصمة، وتنفيذ عملية نوعية على غرار تلك التي عطلت إعلام صالح، واستقدام تعزيزات إلى العاصمة صنعاء من محافظتي صعدة وعمران، الواقعتين إلى الشمال من صنعاء، وتتمركز فيهما قوات الجماعة. غير أن تعزيزات الحوثيين واجهت اعتراضاً من قبليين موالين لصالح، في منطقة خمر بمحافظة عمران، لتدور مواجهات عنيفة، سقط فيها العديد من القتلى والجرحى من الطرفين.
وفيما أبرز الحوثيون جوانب تفوّق عسكرية، على الأقل، خلال الـ24 ساعة الماضية، تدخل التحالف الذي تقوده السعودية بتنفيذ خمس غارات جوية في صنعاء مساء السبت، تردد أنها استهدفت تجمعات للحوثيين، في منطقة حزير قرب المعسكر 48 التابع للحرس الجمهوري وفي أحد المرتفعات الواقعة شرق الرئاسة وأخرى جنوب العاصمة. ولم يعلن أي من الطرفين تفاصيل دقيقة حول آثار المواجهات، وطبيعة الأهداف، بقدر ما بدا من خلال السياق، كأنها دعم لصالح. وكان التحالف، عقب بيانات حزب صالح، وخطاب الأخير الذي ألقاه السبت، قد أعلن ترحيبه بما وصفه بـ"الانتفاضة الشعبية" ضد الحوثيين في صنعاء، مؤيداً حزب المؤتمر. ولم يقتصر التفاعل على بيان التحالف، بل برز أكثر في بيان اجتماع عقده الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، مع مستشاريه في العاصمة الرياض، خرج بإعلان دعمه لما وصفه بـ"الانتفاضة الشعبية" ضد الحوثيين، بل وإعفاء كل من يشارك في هذه الانتفاضة عن المشاركة بالانقلاب والحرب خلال السنوات الماضية، وهو الموقف الذي بدا متناغماً مع موقف التحالف، إن لم يكن قد جاء بطلب من السعودية، كنتيجة لترتيبات مسبقة مع حزب صالح. ويبدو أن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، الذي تلعب بلاده دوراً بارزاً في التحالف، استشعر خطر خسارة صالح للمعركة، مشدداً، في تغريدة، على أن "الانتفاضة في صنعاء بحاجة للدعم"، وذلك بعد تغريدة سابقة اعتبر فيها أن "انتفاضة صنعاء ستعيد شعب اليمن إلى محيطه العربي الطبيعي". ودخلت إيران على خط الأزمة بين الحوثيين وصالح، مطالبة، في بيان لوزارة الخارجية، "الحوثيين وصالح بالتهدئة وسد الطريق أمام أعداء اليمن".
وإزاء التطورات في صنعاء، التي تقدم فيها الحوثيون، برزت التساؤلات عن الخطوات التي سيتخذها التحالف بدعم صالح، وإذا ما كان سيتدخل جوياً على نحو أوسع لقصف المواقع المفترضة للحوثيين داخل العاصمة لترجيح كفة الموالين لصالح، أم أن الأمر سيقتصر على إعلان التأييد السياسي والدعوة للقوى اليمنية إلى الوقوف مع "انتفاضة" حزبه. وبالتالي، فإن صالح قد يكون ورّط نفسه، من خلال ما أعلنه السبت الماضي، من تصعيد ضد الحوثيين وتصريحات غازل فيها التحالف، ما لم تظهر تطورات الساعات المقبلة تغيراً في موازين القوى أو حسماً لصالح أحد الأطراف.
الجدير بالذكر أن المواجهات تصاعدت وتيرتها الأحد في أكثر جبهة من جبهات الاشتباكات داخل صنعاء، وفي محافظة المحويت، التي أعلن أنصار صالح السيطرة عليها، بالإضافة إلى أنباء عن تفجر مواجهات بين موالين للطرفين في مدينة معبر بمحافظة ذمار، على الطريق الواصل إلى صنعاء. كل ذلك، جعل كثيراً من المحافظات التي يسيطر عليها الطرفان ساحة لاشتباكات للمرة الأولى، منذ بدء عمليات التحالف قبل أكثر من عامين.
إلى ذلك، نفى المتحدث باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، أنباء تحدثت عن وساطة عُمانية مع صالح وتأمين خروجه من صنعاء. وقال، في تغريدة، "لم نبلغ بأي وساطة من طرف الإخوة العُمانيين بخصوص ما يجري في صنعاء من فتنة أشعلتها مليشيات الخيانة". كذلك نفى مصدر مسؤول في وزارة الخارجية القطرية تصريحات قرقاش بشأن وجود وساطة قطرية بين بعض الأطراف اليمنية. وأفاد المصدر، الذي استنكر بشدة تصريحات المسؤول الإماراتي، في بيان صحافي، أن "هذه التصريحات عارية عن الصحة وتثير الدهشة لكونها صادرة عن مسؤول بالخارجية الإماراتية، وكان الأجدر به تحري الدقة في مثل هذه التصريحات الخطيرة التي لا تخدم مصالح الشعب اليمني الشقيق". وأوضح أن دولة قطر ترحب بأي وساطة من شأنها إنهاء الحرب العبثية التي يدفع ثمنها الشعب اليمني الشقيق للوصول إلى حل سياسي وفق قرارات الشرعية الدولية وتستمر في دعمها ومساندتها جهود الوساطة التي تقوم بها دولة الكويت الشقيقة بين الأطراف اليمنية.
إلى ذلك، أعلن الحوثيون عن إطلاقهم صاروخاً استهدف مفاعل براكة النووي في أبوظبي، بصاروخ من نوع "كروز"، وأنه أصاب هدفه بدقة، فيما كذبت الإمارات "مزاعم إطلاق الحوثيين صاروخاً باتجاهها"، موضحة أنها "تمتلك منظومة دفاع جوي قادرة على التعامل مع أي تهديد من أي نوع ومشروع مفاعل محصن ومنيع تجاه كل الاحتمالات". وأعلن مصدر عسكري سعودي أن "صاروخ الحوثيين الذي أطلق باتجاه الإمارات سقط في منطقة السن الأسود غربي محافظة الجوف في اليمن من دون أن ينفجر".