وفاة قبل الأوان [5/3]... مرضى الأمراض المزمنة في المغرب يحلمون بالنوم

الرباط (المغرب)

كوثر كمار

avata
كوثر كمار
17 سبتمبر 2020
اهمال
+ الخط -

تعاني السبعينية المغربية خديجة الخبيبي من سرطان الدم منذ عام 2017، وبعد أن وصل مرضها إلى مرحلة متقدمة، بات التخلص من أوجاعها التي تمنعها من النوم همها الأول والوحيد كما تقول.

لكن المسافة الفاصلة بين بيتها في مدينة اليوسفية وسط المغرب، ومركز محمد السادس لعلاج السرطان بمراكش والتي تصل إلى 107 كيلومترات، تحول دون تمكنها من التردد على المؤسسة العلاجية، للحصول على خدمات الرعاية التلطيفية، أو حتى مسكنات الألم منذ عام ونصف بعد أن أنهكها المرض، وخاصة أن المسكنات الأفيونية باتت شحيحة فيه، وفي كثير من الأحيان، يطلب الأطباء من مرضاهم شراءها من الصيدليات، كما وقع للخبيبي في إحدى مرات ترددها على المركز، أملاً في التخفيف من معاناتها وألمها.

ويقر الحسن باري، رئيس دائرة الشؤون الإدارية بالمركز، أنه في حالة نفاذ الدواء "بشكل مؤقت ولفترة قصيرة جداً"، يضطر المرضى لشرائه من الصيدليات الخارجية، مؤكداً أن جميع المرضى يحصلون على الأدوية المسكنة بما فيها المورفين بالمجان، لكن تكرار انقطاع الدواء، دفع نجل الخبيبي، الثلاثيني عبد القادر فائق، إلى اللجوء لعيادة خاصة للحصول على وصفة بالمورفين، منتقلاً من صيدلية خاصة لأخرى قبل  انقضاء مدة صلاحية الوصفة الطبية،كما يقول.

استراتيجية غير مطبقة

على الرغم من إقرار وزارة الصحة المغربية لآليات مأسسة التكفل بالألم على جميع مستويات التدخل، من مشاف ومراكز وحتى في منزل المريض، كما أدرجت الأهداف المتمثلة بإنشاء شبكات الرعاية التلطيفية، في الاستراتيجية القطاعية للصحة للأعوام 2012-2016، والتي  صدرت في مارس/ آذار 2012، وفي استراتيجية الصحة الوطنية، وكذلك في المخطط الوطني للوقاية ومراقبة السرطان 2010 -2019، والذي  صدر في مارس 2010، لكن وحدات العلاج التلطيفي والتكفل بالألم الموجودة حالياً، وعددها 6 وحدات، ليست متاحة إلا لمرضى الأورام، بحسب رد وزارة الصحة المكتوب، على معدة التحقيق في 19  يونيو/حزيران 2020، وهو ما تؤكده الطبيبة أسماء الأزهري، المتخصصة في العلاج التلطيفي والمشرفة على وحدة العلاج التلطيفي في مركز محمد السادس لعلاج السرطان بالمستشفى الجامعي ابن رشد في الدار البيضاء، مبينة أن الوحدة تقدم خدماتها لمرضى السرطان في المراحل متقدمة، ويتم معالجة جميع الأعراض الجسدية كالآلام، ضعف التنفس، الغثيان والهلوسة، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي والروحي والاجتماعي، وتدريب أسرة المريض على كيفية التعامل معه ودعمهم نفسياً، وتخصص رقماً هاتفياً لتقديم الاستشارات والإرشادات.

الصورة
رعاية 1

 

وتوفر الوحدة أسرّة خاصة للمرضى المصنفين ضمن  الحالات الحرجة، ويتكون الطاقم من 7 أطباء، أما الفريق المتنقل فيتكون من طبيب وممرض، لكن خدمة الرعاية التلطيفية لا يستفيد منها باقي المرضى القاطنين بالأقاليم الخمسة التابعة لجهة الدار البيضاء، وفقاً للأزهري، فالوحدة لديها سيارة واحدة، ولا يمكن للفريق الانتقال إلى المدن المجاورة.

وتتوزع وحدات العلاج التلطيفي وعلاج الألم على 6 مراكز جهوية (تخدم السكان في الجهة التي تقع فيها) لعلاج السرطان، وهي المعهد الأنكلوجي مولاي عبد الله في الرباط، ومركز محمد السادس لعلاج السرطان في الدار البيضاء، والمركز الجهوي لعلاج السرطان بالمركز الإستشفائي الجامعي محمد السادس في مراكش، والمركز الجهوي لعلاج السرطان بالمركز الإستشفائي الجامعي الحسن الثاني في فاس، ومركز علاج السرطان بمكناس، بالإضافة إلى المركز الجهوي لعلاج السرطان بالمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس في وجدة، بالإضافة إلى 8 فرق منزلية، في كل من الرباط، تمارة، مكناس، مراكش، الدار البيضاء، المضيق الفنيدق، الناظور، ووجدة. وفقاً لتوضيح وزارة الصحة.

وفي ظل حصر الرعاية التلطيفية بمرضى السرطان، الذي يعاني من آلامه الحادة 40 ألف مغربي كل عام، يعاني باقي المغاربة المصابين بأمراض مزمنة في صمت، ويجهلون حتى وجود هذا التخصص، وفقاً لتوضيح الطبيب هشام كيبي، المتخصص في علاج الألم والعلاجات التلطيفية والذي يعمل في عيادته الخاصة على مساعدة مرضى يئسوا من العلاج، ويعانون من أمراض مزمنة من بينها الخرف، والأمراض العصبية والصدرية، وأمراض العظام، محاولاً التخفيف من آلامهم بواسطة المورفين، والعلاجات اليدوية كالوخز بالإبر، والعلاج  الكهربائي.

عبء الألم أكبر

بلغت نسبة الوفيات الناجمة عن الأمراض المزمنة غير السارية 80% من إجمالي عدد الوفيات في المغرب، ما يضع المملكة في قائمة البلدان ذات معدل الوفيات المرتفع بسبب الأمراض غير السارية، وكانت نسبة الوفيات الناجمة عن مرض القلب 38%، و18% بسبب السرطان، و6% الأمراض التنفسية، و6% بسبب السكري، و18 % نتيجة أمراض أخرى، وفق  بيانات المسح الوطني لعوامل الخطر المشتركة للأمراض غير السارية، الذي أجرته وزارة الصحة عام 2018.

رعاية 3

وهؤلاء المرضى وأسرهم أيضاً، بحاجة إلى الرعاية التلطيفية لتحسين نوعية حياتهم (البالغين والأطفال) وفق إفادة مريم بكدلي، ممثلة منظمة الصحة العالمية في المغرب والتي قالت لـ"العربي الجديد" :"الرعاية التلطيفية لا تقتصر فقط على مرضى السرطان، بل لكل المرضى الذين يواجهون مشكلات مرتبطة بالمرض الذي يهدد الحياة، ما يتطلب تخفيف معاناتهم في مراحل مبكرة، بالاقتران مع العلاجات الأخرى التي تهدف إلى إطالة العمر، مثل العلاج الكيميائي أو العلاج بالإشعاع، لتخفيف المضاعفات السريرية والمؤلمة".

ويحتاج المصابون بأمراض مزمنة خاصة المسنين منهم، إلى الرعاية التلطيفية بشكل كبير، وفق ما وثقه، عبد الفتاح زكي، رئيس جمعية مبادرة الخير (توعوية اجتماعية تنظم حملات في الصحة والبيئة وقضايا المجتمع)، مستذكراً قصة السبعينية فاطمة الخالدي، التي توفيت في أغسطس/آب 2019، جراء إصابتها بمرض الوذمة الرئوية وضيق في التنفس، ولم يكن لديها بطاقة راميد (نظام حكومي للمساعدة العلاجية)، ما زاد من صعوبة حصولها على الأدوية الأفيونية عندما اشتد عليها الألم. وتعد حالة الخالدي نموذجاً على معاناة المسنين المصابين بأمراض مزمنة والذين تبلغ نسبتهم في المغرب 64.4%، بحسب الدراسة الوطنية حول السكان وصحة الأسرة الصادرة عام 2018.

نقص في الكوادر المؤهلة

تستقبل وحدة العلاج التلطيفي في مركز محمد السادس لعلاج السرطان بوجدة ما معدله 40 مريضا يوميا، ولا تمتلك جهة الشرق وحدة متنقلة، بحسب كوثر عطار، أخصائية العلاج التلطيفي والتي تعمل في المركز، موضحة، أن المصابين بالأمراض المزمنة الأخرى، لا يستفيدون من خدمات هذه الوحدات، رغم توصيات منظمة الصحة العالمية بضرورتها لهم، وتعزو العطار ذلك إلى قلة عدد الأطباء المختصين في الرعاية التلطيفية بالمغرب، إذ يعمل في هذا المركز الذي يبعد عن مركز المدينة 14 كم، طبيبة واحدة وممرض.

ونتيجة هذا النقص، يضطر مرضى السرطان إلى قطع مسافات طويلة للحصول على خدمات الرعاية التلطيفية، إذ تشير نادية الخير، رئيسة جمعية لطف (توعوية متخصصة في الرعاية التلطيفية)، أن أحد مرضى السرطان كان يقطع مسافة 60 كم، من مدينة بركان وحتى وجدة، لتلقي العلاج، إلى أن تدخلت الجمعية وتكفلت بتقديم العلاجات التلطيفية بمنزله بتنسيق مع طبيبه المعالج.

الصورة
رعاية 4

ومن المفترض حسب ما جاء في المخطط الوطني للوقاية من السرطان، والذي أطلقته وزارة الصحة بالشراكة مع مؤسسة للا سلمى لمكافحة السرطان (غير حكومية)، في 24 مارس/ آذار عام 2010، أن تنجز جميع برامج المخطط ما بين 2010 و 2019  أي  في غضون 9 سنوات،  على أن تتوفر في المراكز الاستشفائية الجامعية، ومراكز الأورام الإقليمية، فرق للرعاية التلطيفية تتكون من الأطباء والممرضات المدربين، وأخصائي في علم النفس، وأخصائي اجتماعي، بالإضافة لأخصائي العلاج الطبيعي، لكنه الأمر لم يتحقق في جهة الشرق. كما يوثق التحقيق.

وتتطلب الرعاية التلطيفية وعلاج الألم طاقما طبيا وتمريضيا متكاملا، لتحسين نوعية حياة المريض، بحسب رئيس الأكاديمية المغربية لعلاج الألم والرعاية التلطيفية الخاصة، البروفيسور أحمد أمين العمري، مشيراً في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أهمية علاج الألم التداخلي، والذي أصبح جزءاً أساسياً من الرعاية التلطيفية، ويشهد تطوراً سريعاً في التقنيات المستعملة، والتي  تجاوزت الاقتصار على المورفين، وتسهم في تخفيف الألم بشكل أفضل لتخفيف حدة الأعراض الجانبية الناجمة عن أدوية الأمراض المزمنة، مثل استخدام الموجات الصوتية.

من جهتها، توضح وزارة الصحة في ردها على "العربي الجديد"، أن فرقاً للرعاية التلطيفية تعمل في الوحدات الموجودة بالمراكز الجهوية للسرطان، وتشير إلى أنها دربت 500 من الأطباء والمختصين بالمهن الطبية المساعدة، على علاج الألم والرعاية التلطيفية، لكنها لم تكشف عن عدد العاملين حالياً في الوحدات، وبحسب الوزارة، فقد تم إلزام جميع دارسي الطب بالمغرب بـ20 ساعة إلزامية في العلاج التلطيفي، وأصبح هناك شهادة جامعية للعلاجات التلطيفية بكلية الطب بالرباط.

ومكّن تعديل قانون المواد الخاضعة للرقابة من تسهيل وصول المرضى للمسكنات الأفيونية، وتمددت الفترة التي يمكن أن تغطيها وصفة طبية بالأفيونات، وبعد أن كان استخدامها لسبعة أيام، تم تعديل الفصل 34 من الظهير الشريف الصادر في 2 ديسمبر/كانون الأول 1922، المتعلق بنظام استيراد المواد السامة وتسويقها وحيازتها وتخزينها واستعمالها، ليصبح بإمكان الطبيب وصف الأقراص لـ28 يوماً والحقن لـ10 أيام، وتمت المصادقة عليه في يونيو/حزيران 2013، لكن المرضى ما زالوا يعانون بسبب نقص الأدوية المسكنة وغلاء أسعار بعض الأنواع منها المستوردة من الخارج، بالإضافة إلى صعوبة الحصول عليها بدون وصفة طبية، ليضطر المريض إلى دفع مصاريف  الاستشارات الطبية في العيادات الخاصة، عند انتهاء علبة الدواء وفق توضيح علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحياة (هيئة حقوقية مستقلة).

 

موازنة ضئيلة

تمثل الموازنة المخصصة للرعاية التلطيفية في المخطط الوطني للوقاية من السرطان 1% فقط، من إجمالي الموازنة المخصصة لبرامج المخطط والبالغة 86 مليون درهم (8.936.921 دولارا أميركيا)، موزعة على: 5 مليون درهم (519.588 ألف دولار) لمحاربة الألم، و6 مليون درهم (623.506 ألف دولار) للدعم الأسري والاجتماعي، ولتنمية شبكات العلاج التلطيفي 75 مليون درهم (7.825.542 دولارا).

الصورة
رعاية 2

وتغطي الموازنة نفقات برنامج الرعاية التلطيفية على مدى 9 سنوات، من 2010 وحتى 2019، أما مخطط الصحة لسنة  2025، الصادر في سبتمبر/أيلول  2018، فلم يحدد أي ميزانية للرعاية التلطيفية، رغم وجود 62 ألف مغربي، من بينهم 6 آلاف طفل، يحتاجون إلى رعاية تلطيفية كل عام، بحسب تقديرات هيومان رايتس ووتش، والتي جاءت في تقرير أصدرته عام 2016 تناول التحديات في مجال الرعاية التلطيفية في المغرب.

لكن وزارة الصحة تقول في ردها لـ"العربي الجديد"، أنه "توجد صعوبة لتحديد موازنة مخصصة للعلاج التلطيفي، والجوانب المتعلقة بالأدوية والتدريب المستمر للموارد البشرية في الوقت الحالي".

غياب الموازنة ونقص الموارد يؤثر على عمل، الممرض المتطوع بجمعية الياسمين لرعاية الطفولة مصطفى حداد، والذي يعمل ضمن فريق وحدة الرعاية التلطيفية التي أنشأتها الجمعية بالتعاون مع وزراة الصحة بالناظور شمال شرق المغرب، قائلاً أن الوحدة تعاني من نقص في المعدات الطبية والمورفين، كما يواجه الطاقم الطبي صعوبة في الوصول إلى المناطق الجبلية، وتخصص الوحدة المتنقلة يوماً واحداً أسبوعياً لتقديم الرعاية لمرضى السرطان في المنزل، بسبب ضعف الميزانية المخصصة لعلاج الألم والرعاية التلطيفية.

ذات صلة

الصورة
إيفا كادوش ممثلة إسرائيلي في مسلسل مغربي (فيسبوك)

منوعات

ندد عشرات النشطاء المغاربة، الثلاثاء، في وقفة احتجاجية بالعاصمة الرباط، ببث القناة الثانية "دوزيم" مسلسلاً تشارك فيه ممثلة إسرائيلية من أصول مغربية
الصورة
تظاهرة مناهضة للتطبيع في طنجة (فاضل سنا/فرانس برس)

مجتمع

يضغط الحراك الطلابي المساند لفلسطين في المغرب من أجل إنهاء التطبيع الأكاديمي، وفض الشراكات والاتفاقيات الموقّعة بين جامعات مغربية ونظيرتها الإسرائيلية.
الصورة
تحرك التنسيقية المغربية "أطباء من أجل فلسطين" تضامناً مع غزة - الرباط - المغرب - 22 سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

تظاهر أطباء من المغرب وعاملون في القطاع الصحي وطلاب طب وتمريض، لإدانة جرائم الاحتلال في قطاع غزة وكل فلسطين، والمطالبة بحماية الطواقم الصحية الفلسطينية.
الصورة
 32.5 مليار درهم تكلفة التدهور البيئي سنوياً

تحقيقات

ينمو القطاع الزراعي المغربي ومعه حجم مخلفاته، وعلى رأسها البلاستيك المستخدم في البيوت المحمية، والذي يشكل خطراً على الأهالي