قضى رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، جلّ فترة ولايته بالحديث عن الإصلاحات ومحاولة تطبيقها، محاولاً امتصاص حدّة الغضب الشعبي والتظاهرات التي طالبت بتطهير مؤسسات الدولة من آفة الفساد، التي كبّدت الدولة العراقية أكثر من 500 مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية، بعد أن تسببت بإزهاق أرواح آلاف المدنيين بفعل الفساد الذي طاول المؤسسات الأمنية والعسكرية والجهاز القضائي أيضاً.
ووسط تحديات سياسية كبيرة وأزمات متعاقبة يعيشها العراق وحالة الشد والجذب بين المؤيدين والمعارضين، بقيت الإصلاحات تراوح مكانها، ولم تتجاوز بعض الخطوات التي لم تحقق شيئاً، لتختفي بشكل كامل مع بداية مرحلة الاستعداد للانتخابات والتي تعدّ المرحلة الأهم بالنسبة للكتل والأحزاب السياسية التي تسعى بعضها لتحقيق منافع شخصية على حساب الشعب.
وكشفت مصادر حكومية رفيعة في بغداد لـ"العربي الجديد" عن تقرير لمجلس الوزراء يتحدث عن أن مجموع ما تم تحقيقه من ورقة الإصلاح الحكومية، التي أعلن عنها العبادي، بلغ 20 في المائة فقط. وقال موظف رفيع في أمانة مجلس الوزراء العراقي، إن نسبة الإصلاحات المحققة بلغت 20 في المائة فقط وتمثّلت في عملية طرد ما اصطُلح عليه بـ"الفضائيين" وإلغاء المرتبات الخاصة بهم، وتقليل مرتبات الدرجات الخاصة، ودمج بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية غير الربحية.
وأوضح الموظف في حديث مع "العربي الجديد" أنه لم يُنفذ أي شيء مما تبقّى، وأبرزه إخراج الأحزاب من المقرات والمباني المملوكة للدولة، وإلغاء المناصب الفخرية، وتحقيق التوازن داخل مؤسسات الدولة، وتقديم المتورطين بقضايا الفساد الكبيرة إلى القضاء، وإصلاح مجلس القضاء الأعلى، وإصلاح ومراجعة بعض فقرات الدستور العراقي المثيرة للطائفية، واستقدام لجنة دولية لمعرفة مصير أموال العراق الضائعة في عهد حكومة نوري المالكي، وتحسين سعر صرف الدينار العراقي، وإلغاء مرتبات التقاعد لأعضاء مجلس الحكم المشكّل بعد الاحتلال، وإلغاء احتكار جهات سياسية لمناطق عامة كالحدائق والمنتجعات السياحية والقصور السابقة لرموز النظام السابق، فضلاً عن قرارات أخرى. وأشار إلى أن الوقت لم يعد يكفي لتنفيذ أي من الإصلاحات الأخرى، والحديث عن الإصلاح تلاشى حالياً على وقع انشغال الناس بالانتصارات على تنظيم "داعش" وقرب الانتخابات.
وتتحدّث الحكومة العراقية عن تحقيق الكثير من وعود الإصلاح بحسب بيانات سابقة لها إلا أن الواقع يؤكد غير ذلك. وفي السياق نفسه، قال المستشار القانوني للجنة مراقبة الأداء الحكومي في البرلمان العراقي، أحمد الكناني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الإصلاح في العراق عملية صعبة للغاية، بل هي عملية مستحيلة التحقيق في ظل هذه الظروف"، مبيناً أنّ "الفساد الذي استشرى في البلاد منذ 14 عاماً والذي ضرب أطنابه في كافة مفاصل الدولة، أصبح قوة خطيرة أكبر من قوة الدولة ولا يمكن القضاء عليه في وقت نحصره في عام أو عامين".
وأوضح الكناني أنّ "البلاد تتأثر بسيطرة مافيات فساد تغلغلت خلال فترات الحكومات السابقة في المؤسسات والوزارات، وهذه المافيات ترتبط بدول إقليمية أيضاً"، معتبراً أنّ "مافيات الفساد هذه، وقفت بوجه خطوات العبادي، وسخّرت قوتها وسلطتها بالضغط على السلطة القضائية وعلى الجهات المسؤولة لقطع الطريق أمام خطوات الإصلاح، وبالفعل تمكّنت من وأد كل تحرّك يقوم به العبادي"، لافتاً إلى أنّ "الإصلاحات انتهت بفشل كبير، إذ إنّها لم تحقق شيئاً على أرض الواقع، ولم تستطع الوقوف بوجه التحديات الكبيرة التي اعترضتها". وأشار إلى أنّ "العبادي حاول تحقيق الإصلاحات، لكنّه اصطدم بقوة كبيرة من الفساد والمفسدين، لم يستطع مواجهتها، بل وقفت بوجه خطواته وأفشلتها".
من جهته، قال عضو التيّار المدني، أحمد الركابي، إنّ "الإصلاحات التي وعد بها العبادي لم تحقق شيئاً ملموساً في الواقع المتردي في العراق". وأوضح الركابي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "العبادي حاول من خلال الإصلاحات امتصاص الغضب الشعبي والسيطرة على الشارع العراقي الغاضب والمطالب بالقضاء على الفساد"، مبيناً أنّه "نجح بالفعل بتحقيق هذا الهدف وأطلق وعوداً كبيرة، وحاول تطبيقها لكن التحديات كانت صعبة للغاية".
في المقابل، اعتبر مراقبون أنّ الإصلاحات لم تكن سوى حملة إعلامية من قبل العبادي، أطلقها وهو يعلم أن تحقيقها مستحيل. وقال الخبير السياسي، فالح العواد، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "العبادي حاول تلافي الأزمة التي كادت أن تطيح بحكومته، وأطلق الإصلاحات مع علمه بعدم القدرة على تحقيقها"، مبيناً أنّ "العبادي كسب الوقت من خلال الحديث عن الإصلاحات، وبقي بين حالتي الشد والجذب بشأن تحقيقها، حتى إذا أطلّت الانتخابات وما رافقها من استعدادات وحوارات بين الكتل، تناسى الجميع موضوع الإصلاحات وانشغلوا بتحقيق مكاسبهم الانتخابية، الأمر الذي أنهى موضوع الإصلاحات إلى غير رجعة".