ويدعم باول الإبقاء على معدلات الفائدة عند مستوياتها الحالية، في نطاق 1.5 و1.75 في المائة، في ظل مؤشرات الاقتصاد الأميركي الحالية، وهو ما دفع مؤسسات بحثية وخبراء اقتصاد إلى إصدار توقعات باستقرار أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة.
وأظهرت بيانات وزارة العمل، يوم الجمعة الماضي، أن الشركات العاملة في الولايات المتحدة أضافت 266 ألف وظيفة غير زراعية خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في أكبر إضافة للوظائف غير الزراعية منذ يناير/ كانون الثاني 2019، لافتة أيضاً إلى ارتفاع الأجور بنسبة 3.1 في المائة مقارنة بالعام الماضي.
كما انخفض معدل البطالة إلى 3.5 في المائة، مسجلاً أقل نسبة في الولايات المتحدة منذ عام 1969، وقت احتدام حرب فيتنام.
وساعد ارتفاع الأجور وانخفاض معدل البطالة، المستهلك الأميركي على الأخذ بزمام دفع الاقتصاد الأميركي للنمو، بعد أن تباطأت معدلات الإنفاق الرأسمالي للشركات وتراجع التصنيع، على خلفية الحروب التجارية التي أطلق شرارتها ترامب منذ أكثر من عام.
ووصفت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس البحثية، بيانات الوظائف والأجور والبطالة بالإيجابية، معتبرة أنها لن تؤدي إلى "إعادة تقييم جدية" لتوقعات نمو الاقتصاد الأميركي، التي اشترطها البنك الفيدرالي في آخر اجتماعاته لتخفيض معدل الفائدة على أمواله خلال اجتماعاته هذا الأسبوع.
وفي مذكرة للمؤسسة، اطلعت عليها "العربي الجديد"، قال بول أشوارث، كبير الاقتصاديين المعنيين بالولايات المتحدة، إن معدلات الفائدة في الأسواق "ما زالت تعكس إمكانية إجراء تخفيض أخير بمقدار 25 نقطة أساس في وقت ما العام القادم"، إلا أنه توقع أن تؤدي إشارات استعادة معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة، المتوقع ظهورها أوائل العام القادم، إلى استبعاد تلك الإمكانية.
وعلى صفحته في "تويتر"، أكد الاقتصادي المصري الأميركي الشهير محمد العريان، أن بيانات الوظائف الصادرة أخيراً "تدعم توقف البنك الفيدرالي لفترة عن تحريك معدلات الفائدة".
ورغم توافق البيانات الأخيرة مع رؤية البنك الفيدرالي، الذي أكد رئيسه في أكثر من مناسبة، ثقته في أداء الاقتصاد الأميركي، وتوقعه استمرار انتعاشه، لا تبدو مهمة الأخير سهلة في إدارة السياسة النقدية للاقتصاد الأكبر في العالم، خاصة مع اقتراب العام من نهايته، واستمرار عدم التقارب بين الولايات المتحدة والصين في المفاوضات التجارية، إضافة إلى فتح ترامب لجبهات جديدة في الحروب التجارية، مع كل من الاتحاد الأوروبي واليابان والبرازيل والأرجنتين ودول أخرى.
والأسبوع الماضي، فاجأت الإدارة الأميركية حلفاءها قبل أعدائها باقتراحها فرض تعريفات جمركية جديدة، بنسبةٍ تصل إلى 100 في المائة، على ما قيمته 2.4 مليار دولار من المنتجات الفرنسية الواردة إلى الولايات المتحدة، رداً على الضريبة التي فرضتها فرنسا في يوليو/ تموز الماضي، بنسبة 3 في المائة، على مبيعات شركات التكنولوجيا في السوق الفرنسية، والتي اعتبرتها الولايات المتحدة موجهة إليها بصفة خاصة، حيث تسيطر شركاتها على النسبة الأكبر من هذه الصناعة.
كما أعلن ترامب، الأسبوع الماضي، إلغاء إعفاء البرازيل والأرجنتين من التعريفات الجمركية على مشتريات الولايات المتحدة منهما من الصلب والألومنيوم، بعد أن اتهمهما بتعمد إضعاف قيمة عملتيهما لزيادة صادراتهما.
ولا يأتي التحدي الذي يواجهه البنك الفيدرالي في إنفاذ سياساته النقدية من الحروب التجارية وحدها، حيث تتعرض سيولة البنوك الأميركية للكثير من الضغوط، قبل أيام قليلة من نهاية العام، ما يدعو الفيدرالي إلى ضخ عشرات المليارات من الدولارات من أجل توفير السيولة في الأسواق وكبح جماح معدلات الفائدة.