وساطة الجيش الباكستاني: إضعاف إضافي لنواز شريف

30 اغسطس 2014
أنصار المعارضة جاهزون للتصعيد (أمير قرشي/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

برز تطور لافت في الأزمة السياسية الباكستانية المستمرة منذ أكثر من أسبوعين، مع إعلان الجيش الباكستاني القيام بدور الوساطة بين الحكومة والزعيمين المعارضين، عمران خان، وطاهر القادر، لإيجاد حل للمأزق السياسي، الذي أثار مخاوف على الاستقرار السياسي في الدولة النووية. وأبدى الجيش استعداده للوساطة بين الطرفين، بعد تعثّر المفاوضات بين الحكومة والمعارضة بشكل نهائي، ووصول الأطياف السياسية إلى طريق مسدود، بسبب تشبث كافة الأطراف بمواقفها. وجاء القرار بعد طلب رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، من قائد الجيش، الجنرال راحيل شريف، خلال اجتماع بينهما، التعاون مع الحكومة للخروج من الأزمة السياسية، التي تكاد تعصف بأمن واستقرار البلاد. ولبّى قائد الجيش دعوة رئيس الوزراء، مطالباً قيادات المعارضة بمنح مهلة 24 ساعة للحكومة، لكي يتسنى للجيش أن يقوم بدوره لإخراج البلاد من المأزق السياسي وإيجاد حل وسط للمعضلة.

وفي وقت كان ينتظر فيه أنصار خان والقادري الخطاب الأخير للزعيمين، وبدء المرحلة الأخيرة من الحراك الاحتجاجي، أعلن الرجلان أن قائد الجيش طلب منهما منح مهلة 24 ساعة للحكومة كفرصة أخيرة كي ينهي الأزمة، الأمر الذي أدهش الأوساط السياسية والشعبية، وذلك لأن تدخل الجيش في سياسة باكستان دائما في صورة انقلاب عسكري أو دور من وراء الستار. غير أن قيام الجيش بدور الوساطة، وبشكل رسمي وعلني، فيُعدّ سابقة في تاريخ البلاد.

ورغم أن الزعيمين المعارضين، خان والقادري، رحبا بوساطة الجيش، التي دعت إليها الحكومة، إلا أن معظم الأحزاب السياسية، التي كانت تؤيد موقف شريف، أعربت عن استيائها البالغ حيال تدخل الجيش في سياسة البلاد، أياً كانت صورته. وكان بلاول بوتو، زعيم حزب "الشعب" الباكستاني ونجل رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو، أول من أعرب عن غضبه إزاء دعوة الحكومة الجيش لحل المعضلة السياسية، معتبراً إياها فشلاً ذريعاً لكافة القوى السياسية، وفي مقدمتها حكومة شريف، بينما طالبت الحركة القومية المتحدة، رئيس الوزراء بتقديم استقالته حتى ولو نجح دور الجيش في حل المعضلة، وذلك للحفاظ على شعبيته السياسية.

وبعد لقائه قائد الجيش الباكستاني، عاد زعيم حركة "الإنصاف"، عمران خان، ليبلغ أنصاره المعتصمين تفاصيل اللقاء، قائلاً إن قائد الجيش طلب منه فض الاعتصامات على أن تقوم لجنة قضائية بعملية التدقيق في انتخابات العام الماضي، لكنه رفض ذلك إلى حين تنحي رئيس الوزراء من منصبه. وأضاف خان: "نحن نقبل وساطة الجيش، لكن استقالة رئيس الوزراء أمر لا بد منه لفض الاعتصامات".

أما القادري، فقد اعتبر بدوره أثناء لقائه بقائد الجيش، الذي استمر أكثر من ثلاث ساعات، أن استقالة رئيس الوزراء من منصبه شرط أساسي لمناقشة بقية المطالب، والتي منها حل البرلمان الفدرالي والبرلمانات الإقليمية وإجراء إصلاحات في قانون الانتخابات تحت إشراف الجيش.

ولم يكتفِ القادري بمطلب استقالة رئيس الوزراء، بل طلب تنحي شقيقه، شهباز شريف، من منصب رئاسة حكومة إقليم البنجاب. وهدد أنه في حين بقاء نواز شريف في منصبه، سيعلن الاستراتيجية الجديدة لحزبه، وستكون حكومة شريف هي المسؤولة عن أية نتائج عكسية.

من هذا المنطلق، يرى المحلل السياسي، زاهد حسين، أن إصرار المعارضة على موقفها، ومواصلة الاعتصامات، سيجبر قيادة الجيش على ممارسة الضغوط على رئيس الوزراء لتقديم استقالته، خاصة إذا حاول المعتصمون الدخول إلى مقرات حكومية هامة، وهو ما يُتوقع إعلانه بعد انتهاء المهلة، وفي حال فشل وساطة الجيش.

بدوره، أكد وزير الداخلية، شودري علي خان، أن باكستان تمر بمرحلة حساسة وخطيرة جداً، متهماً المعارضة بالتشبث بمصالحها إلى أقصى الحدود، وإن أدى ذلك إلى التضحية بالبلاد ووضعها على شفير الهاوية. وشدد على أن الحكومة لن تقبل أية خطوة غير دستورية في هذه البلاد.

وفي خطوة مهمة أخرى، قد تساعد خان والقادري وتزيد الضغط على الحكومة، تم رفع قضية قتل جنائية ضد 21 شخصاً، بينهم رئيس الوزراء وشقيقه شهباز شريف، ووزيرا الدفاع والداخلية، بتهمة قتل 14 من أنصار القادري في السابع عشر من شهر يونيو/حزيران الماضي. ويُعد نواز شريف ثاني رئيس وزراء باكستاني تُسجل ضده قضية قتل جنائية بعد ذي الفقار علي بوتو الذي حُكم بالإعدام في القضية عام 1979. وبحسب تصريحات القادري فإن القضية كانت من أهم مواضيع البحث أثناء لقائه بقائد الجيش.

ولا يدري أحد مدى إمكانية نجاح وساطة الجيش لإخراج البلاد من المأزق الحالي، لكن ما يتوقعه كل من يراقب الوضع عن كثب، أن الخطوة ستزيد الفجوة بين شريف والسياسيين الذين أيّدوه خلال الأزمة الحالية.

المساهمون