وزير التجارة التونسي يغضب السياسيين بالدعوة إلى محاورة المهربين

24 فبراير 2016
البضائع المهربة تنتشر في أسواق تونس (Getty)
+ الخط -
في تصريح مثير للجدل، قال وزير التجارة التونسي محسن حسن، أول من أمس الإثنين، إن وزارته ستفتح حوارا مع أكبر المهربين لمساعدتهم وتشجيعهم على الانتقال إلى الاقتصاد المنظم وبحث الحلول الممكنة لهم.
وفجر تصريح المسؤول الحكومي موجة من الاستياء في صفوف السياسيين والناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي ممن اعتبروا أن فتح حوار مع المهربين يعني مساعدة "المارقين على القانون"، على مواصلة نشاطاتهم المشبوهة بدل معاقبتهم.
وأشار محسن حسن، إلى أن الوزارة تنوي تكوين لجنة وطنية للتحكم في الأسعار ومقاومة التجارة الموازية.
ومن المقرر أن تعمل هذه اللجنة على وضع استراتيجية وطنية لمقاومة التهريب وذلك بهدف "تقليص نسبة التجارة الموازية لتصل إلى 20% فقط من الاقتصاد الكلي بحلول 2020، كما ستعمل الوزارة على تكثيف المراقبة بتطوير نقاط العبور مع الحدود الجزائرية، وفق الوزير.
وأعلنت الحكومة منذ بداية السنة عن الشروع في تنفيذ خطة جديدة لمقاومة ظاهرة التهريب والاقتصاد الموازي الذي يستأثر بأكثر من نصف اقتصاد البلاد، حيث تم الاتفاق على أن يتولى هذا الملف أربع وزارات هي الداخلية، الدفاع، العدل، والمالية.
وعبّر النائب في البرلمان فتحي الشامخي عن استغرابه من تصريحات المسؤول الحكومي، لافتا إلى أن دعوة كبار المهربين إلى الحوار مع أجهزة الدولة فيه إقرار بأن المصالح الحكومية تملك قائمة بكبار المهربين، ورغم ذلك لم تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة ضدهم.
وقال النائب، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن ما ورد على لسان المسؤول الحكومي يعكس عجز الدولة على مواجهة المهربين وعدم امتلاكها لآليات واضحة للتصدي لهذه الظاهرة، معتبرا أن الدولة فقدت هيبتها مع تعاقب الحكومات التي تعمل على تبرئة الخارجين عن القانون بدلا عن تجريمهم ومعاقبتهم.
وتشير بيانات رسمية لوزارة التجارة والصناعات التقليدية التونسية، إلى أن ظاهرة التهريب ساهمت في زيادة نسبة الاقتصاد الموازي إلى 54% وغذت بذلك التجارة الموازية بنسبة بلغت 30%، ويحذر مختصون من أن التهريب أصبح ظاهرة متطورة نظرا للعمليات التنظيمية والأساليب المتخذة فيها.
ولا تقتصر ظاهرة التهريب على المنافذ الصحراوية والجبلية الوعرة، بل تجاوزت إلى العبور عن طريق المداخل المنظمة من موانئ ومعابر حدودية وموانئ جوية، كما باتت تشمل العملات الأجنبية والسلاح.

ووصف الرئيس السابق لمنظمة الدفاع عن المستهلك محمد زروق، تصريح وزير التجارة محسن حسن حول فتح حوار مع بارونات التهريب بـ "أكثر الأمور خطورة".
وبيّن محمد زروق في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء "وات" أمس، أن هذا الأمر يحيل مباشرة لعمليات تبييض الأموال، معتبرا أن فتح حوار مع المهربين يعنى الاندماج في جرائمهم المتعلقة بتبييض الأموال.
وأضاف رزوق أن هذا الصنف من القرارات يضرب الأمن الوطني وسيادة الدولة، متسائلا كيف يعقل أن نفتح حوارا مع مهربين يمولون الإرهاب ومسؤولين عن موت التونسيين وأعوان الأمن والجيش.
وتابع زروق قائلا: "المهربون هم من جلبوا الخراب للاقتصاد الوطني وأضعفوا الدولة وصندوق دعمها لأن أغلب المنتجات المهربة هي منتجات مدعمة وموجهة إلى الفئات المحرومة."
وشدد على أن وزير التجارة مدعو إلى مراقبة تطبيق قانون المنافسة والأسعار الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب خلال سبتمبر/أيلول الماضي.
وفي محاولة لإقناع منتقديه بجدوى قراراته، قال وزير التجارة محسن حسن، في تدوينة عبر صفحته الرسمية بفيسبوك، إن تصريحاته أُخرجت من سياقها، مؤكدا أن معالجة التهريب ستكون متكاملة عبر الحلول الأمنية والعسكرية والتنموية، ومن ذلك إنشاء مناطق حرة ولوجيستية في بن قردان (القرى الحدودية)، وأخرى على الحدود الجزائرية، وتكثيف المراقبة في مناطق العبور وكامل الأراضي التونسية.
وأوضح المسؤول الحكومي، أن الوزارة تنوي دعم العاملين في التجارة الموازية الذين لا تتعلق بهم قضايا حق عام أو إرهاب، عبر الاستثمار في القطاعات المنظمة، حتى يندمجوا في الاقتصاد الوطني عبر القيام بواجباتهم الجبائية والاجتماعية. واعتبر، أن الحلول التي اقترحها ليست بدعة، "فهناك تجارب مماثلة على الحدود الأميركية المكسيكية أو بين المغرب وإسبانيا وغيرها من الدول الذين استعملوا آلية المرافقة ليكون لهؤلاء التجار دور حقيقي في الاقتصاد المنظم"، وفق تقديره.
وتواجه الحكومة منذ سنوات صعوبات كبيرة بسبب تراجع إيراداتها نظرا لتآكل الأنشطة الاقتصادية الرسمية لحساب النشاط الموازي القائم على التهريب والتهرب الضريبي.
وتقوم الخطة التي وضعتها الحكومة لمقاومة التهريب على تحديث جهاز الجمارك، إلى جانب تقليص الجباية عبر إقرار تخفيض في الرسوم على بعض المواد التي ينشط فيها المهربون على غرار الخمور.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذر من تنامي الاقتصاد الموازي في تونس. وأظهرت إحصائيات للبنك الدولي، أن نحو 54% من اليد العاملة تنشط في القطاع الموازي، ما يجعل مكافحة تلك الأنشطة صعبة وقد تؤدي إلى زيادة معدلات البطالة.


اقرأ أيضا: الديون تطوق رقبة تونس
المساهمون