ورشة المنامة.. هل من إيجابيات؟

02 يوليو 2019
+ الخط -
فور اختتام ورشة المنامة، وفشلها المدوي في تسويق الهراء والوهم، رسم فلسطينيون وعربٌ كثيرون، كل في خلده، طيف ابتسامةٍ طفيفةٍ على ثغره، وغالب القوم في قرارة أنفسهم رغبةً بالتشفّي السياسي، بطرفين غير متساويين؛ أولهما عرّاب هذه الورشة، أي صهر الرئيس الذي بدا كسمسار عقاراتٍ نافد الصبر، متعجلاً إبرام عقد البيع، أما ثانيهما فهو المضيف الذي طاش على شبرٍ من الماء فجأة، واشتعل حماسة، متوهماً أنه أحدث فرقاً، وصنع فجراً جديداً في تاريخ الشرق الأوسط.
لكن السؤال: ما الذي يدعو حقاً إلى مقارفة هذه الابتسامات؟ عن أي إيجابياتٍ يتحدث العنوان أعلاه بحق السماء؟ ما الذي يبرّر كل هذه الشماتة بالمعزّب والضيوف؟ ثم ما هي معايير النجاح التي يدّعيها فتى نيويورك النجيب، وهو يُجمل نتائج الورشة. وفي المقابل، ما هي معايير الفشل التي نزعمها في معرض التنويه بإخفاق ذاك الفعل الطائش؟
يزعم المرء، في ما يزعم، أن جهود مناهضي الورشة، ومساعيهم لتقويضها، لم تذهب سدى، وأن غيابهم عنها كان أبلغ من الحضور ذاته، وأن فشل هذه اللعبة الماجنة هو نجاحٌ في حد ذاته، استحقته القيادة الفلسطينية بجدارة، ويحاجج كذلك بأن إخفاق منظميها في تحقيق نتائج يعتدّ بها، هو كسبٌ، ولو جزئي، صبّ في طاحونة القابضين على الجمر، أهل الدم، أولئك الذين رفضوا الورشة من أساسها، ودعوا إلى عدم استجابة أشقائهم للمشاركة في أعمالها، وقالوا بملء أفواههم إن الورشة، من ألفها إلى يائها، مجرد خدعة ساذجة، بُنيت على فكرة هاذية، الأمر الذي زاد هؤلاء وأولئك ثقة بصواب موقفهم، وحُسن تقديراتهم المسبقة.
وأحسب أن الرهان الفلسطيني على عدم استجابة العرب للدعوة الأميركية كان في محله، وأن مطلب المقاطعة كان واقعياً وممكناً ومستحقاً، إذ اتضح أن لدى المنظومة العربية الرسمية بعد، بقية من رمق، كافٍ لإظهار قدرٍ معقولٍ من الرفض، خصوصا إذا تعلق الأمر بالشأن الفلسطيني، بدليل أن من استجابوا على خجل كانوا مكرهين، يدارون وجوههم أمام العدسات، يعتذرون لشعوبهم، يخفّضون مستوى مبعوثيهم، إلى حدٍّ بدا فيه حضور من حضروا في حجم الغياب، ولم يشذّ عن هذا الموقف سوى نفر ضئيل في البحرين، ممن تهافتوا وهرولوا وحرقوا المراحل، ووضعوا أنفسهم في موضعٍ لا يُحسدون عليه أبداً.
من الواضح أن فريق الإدارة الأميركية، المفتقر للمهارات الشخصية والتجربة الدبلوماسية، قد قارب الحالة الفلسطينية الراهنة على نحو خاطئ، وبنى كثيراً على حقيقة أنها حالة واهنة، فقيرة محاصرة ومنقسمة على نفسها، وبالتالي غير قادرة على الرفض والمقاومة، إضافة إلى وضع عربي مفكك، تبدلت أولوياته وتغيرت أجنداته، وبات رهيناً لهواجس جديدة، الأمر الذي أغوى القائمين على الصفقة المشؤومة اقتناص فرصةٍ بدت سانحة، وإجراء اختبار موضعي في معملٍ نموذجي، على صورة ورشة عمل تجريبية مرتجلة.
وما كان لمراقبٍ موضوعيٍّ أن يُصدر حكماً سلبياً على ورشة المنامة، بهذه الدرجة من اليقين، لولا أن كبريات الصحف الأميركية والبريطانية، ناهيك بالعربية، قد استنتجت حكماً مماثلاً، أكّدت فيه فشل الورشة، وعابت على صهر الرئيس الأميركي، الشاب جاريد كوشنر، عشوائية تدبيره، وخطأ افتراضاته وسوء أدائه، ناهيك بادّعاء نجاح الورشة نجاحاً هائلاً حسب زعمه، من دون أن يقدم دليلاً واحداً، أو يشير إلى معيار يتيم، يمكن اعتماده لقياس نجاحٍ كهذا من عدمه.
لقد كانت ورشة المنامة بمثابة أزمة بالنسبة للقيادة الفلسطينية التي أثبتت أنها ذات شرعية مقدّرة ومُهابة، وصاحبة موقف فرض احترامه، لكن الأزمة كانت تنطوي، في الوقت ذاته، على فرصة لاستعادة زمام المبادرة، وبناء موقفٍ جامع، يقول نحن لم نفوّض أحداً بالحديث نيابة عنا، ولن نفرّط بثوابتنا، والقدس ليست للبيع. وعليه، يمكن الاستنتاج أن ورشة المنامة، أو فقاعتها على الأصح، لم تكن شرّاً مطلقاً، إن لم نقل إن فشلها أفرز نتائج إيجابية غير متوقعة، في مقدمتها إظهار مدى الفعالية السياسية الفلسطينية، وإبراز حقيقة أن هذا الشعب رقمٌ صعب، لا يمكن شطبه.
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي