13 ديسمبر 2015
وراء فوبيا الحجاب لدى الفرنسيين
"على المسلمة أن تحارب دينها مثلما حاربناه نحن، قبل أن نقبلها بيننا".. ترتكز فوبيا الحجاب لدى الفرنسيين على جملة أمور، منها الإنكار، مثلما عبرت عنه، أخيراً، إليزابيث بادينتر، بشكل من المزايدة في مناهضتها مروّجي "الموضة الإسلامية"، أو اقتراح رئيس الحكومة، مانويل فالس، منع النساء المحجبات من ولوج الجامعة، وهما يشكلان فقط الوجه المتطرف لهذه الفوبيا.
إذا نظرنا بعمق إلى تحليل أنصار النسوية (Feminism)، نجد أن هذا الصنف من "العلمانيين الأكثر تطرفاً" لا يتصوّر مجرد احتمال إمكانية مشاركة النساء المحجبات في النضال الطويل من أجل التحرّر، على غرار نضال المناضلات العلمانيات.
"هل المرأة المسلمة جديرة بأن تتبوّأ مكانتها بيننا، قبل أن تحارب دينها، مثلما حاربنا نحن ديننا؟". قبل الإجابة على هذا السؤال المبدئي، واحتمال أن لا يكون جواباً بالسلب، من الضروري وضع نضال المسلمات المناضلات من أجل المساواة بين الجنسين في سياقه التاريخي الخاص بهن. ويبين الواقع أن نضالهن ليس هو نفسه نضال إليزابيث بادينتر وغيرها من المناضلين والمناضلات الذين ينسجمون بحماسة مع نضالها.
هل يمكنهن أن يكنّ جزءاً منا ...؟ إن رفض منح زميلاتهن "المسلمات" أية شرعية نضالية ناجمٌ، في الواقع، عن منطق واضح المعالم، كونه يستند إلى فكرة مسبقة وراسخة في ذهنهن مفادها بأن منبع الخضوع وركيزته دينية بالأساس. وبذلك، تتخذ المناضلات المسلمات هذه المرجعية الدينية مرتكزاً لإضفاء الشرعية على بعض ممارساتهن الاجتماعية، خصوصاً ارتداء الحجاب، ما يميز مسار نضالهن، ويجعله على النقيض من مسار نضال العلمانيين، من حيث العمق والمعنى. وبما أن نضال المسلمات من أجل المساواة بين الجنسين يتأقلم ويحترم الأحكام الدينية، فذلك يُعتبر، في نظر العلمانيين، مناقضاً تماماً للنضال من أجل التحرّر الذي كافحن من أجله.
وانطلاقاً من هذه الرؤية، ترفض العلمانيات مجرد تصور إمكانية تمايز النمط والسياق التاريخي
الذي تخوض المسلمات، في إطاره، نضالهن طوال العقود الأخيرة، كما ترفض العلمانيات إمكانية تمايز هذا النضال ببعض الخصوصية الحقيقية والملموسة التي تفرض على "المناضلات المسلمات من أجل المساواة بين الجنسين" العمل، عكس نظيراتهن الغربيات، من أجل تحقيق "هدفين اثنين" متميّزين.
يتم نضال تحرّر المسلمات، أولاً، باعتبارهنّ نساء، وفق مسارٍ مماثلٍ تماماً لمسار المسيحيات أو اليهوديات اللواتي سبقهن في بعض الأحيان، من خلال مقاومة التقاليد الأبوية، وهيمنة نزعة الرجولة التي طالما استغلت ووظفت تفسيرات جد ظرفية للقيمة الدينية، وسيلة لفرض مواقفها وإضفاء الشرعية عليها. لكنّ نضال "النسوية الإسلامية" لم يتوقف عند هذا الحد، لأنه، أيّا كان البلد الذي يقمن فيه، فهن أيضا أفراد في المجتمع (المسلم) المنخرط بشكل جماعي في عملية تحرير (من) أو إثبات الذات (ضد) الوصاية الغربية، السياسية والاقتصادية، ولكن أيضا الثقافية، الموروثة مباشرةً عن الهيمنة الاستعمارية. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن هذا المسار يتضمن بعداً يؤكد على الهوية وإثبات الذات. وعلى النقيض تماماً مع التاريخ الغربي، ترتبط المرجعية الدينية (لدى المسلمين) ارتباطا وثيقا بالثقافة الوطنية والقومية، ولا تشكل هذه المرجعية الدينية بأي حال حاجزاً يتعين تخطّيه، أو كابحاً، أو على الأقل لا تتخذ فقط لهذا الغرض، لأنها تستخدم، في ظروف محدّدة، نقطة ارتكاز أو خزّانا للمرجعيات "الذاتية"، تُعتمد من أنصار النسوية والمجموعة الإسلامية التي تنتمي إليها، للتعبئة وحشد الهمم لمواجهة طغيان ثقافة "الآخر" الغربي الذي يعمل على استحكام هيمنته الرمزية.
لا يختلف هذا التوجّس من المناضلات "اللائكيات"، إزاء نظيراتهن المسلمات، في واقع الأمر، كثيراً عن التوجّس عموماً الذي يميّز "الإنسان الغربي" إزاء كل من يعمل على تأكيد حق المسلم في الاختلاف.
يبدو لدى المناضلات اللائكيات نوع من القناعة الغامضة والراسخة التي تعتبر أن المعجم الوحيد الواجب استخدامه والمنظومة الوحيدة المشروعة والعملية الذي يجب السير وفقها للتعبير عن هذا المطلب (النضال من أجل التحرّر والمساواة بين الجنسين)، هو المسار الذي سارت عليه هذه المناضلات، ومن ثم ترفضن الاعتراف بشرعية طموحات غيرهنّ، على الرغم من مطابقتها، إلى حد كبير، طموحاتهن (كزيادة استقلالية النساء في فضاء الأسرة من جهة، وفي المجال العام من جهة أخرى، سياسياً كان أو اقتصاديا)، عندما تكون هذه الطموحات صادرةً عن الجهات الفاعلة التي تستخدم معجماً آخر ومرجعيات مختلفة عن مرجعياتها.
"هل تستحق المرأة المسلمة مكانتها بيننا؟". أجل. أعتقد ذلك وبكل صدق، وأعتقد أيضاً أنه حان الوقت، وإنه لشرف كبير للجمهورية الفرنسية، ومن أجل مستقبل العيش المشترك بيننا، ضرورة التفطّن لذلك، وإدراك أنّ للمرأة المسلمة مكانتها بيننا.
ترجمة: شريف زياني
إذا نظرنا بعمق إلى تحليل أنصار النسوية (Feminism)، نجد أن هذا الصنف من "العلمانيين الأكثر تطرفاً" لا يتصوّر مجرد احتمال إمكانية مشاركة النساء المحجبات في النضال الطويل من أجل التحرّر، على غرار نضال المناضلات العلمانيات.
"هل المرأة المسلمة جديرة بأن تتبوّأ مكانتها بيننا، قبل أن تحارب دينها، مثلما حاربنا نحن ديننا؟". قبل الإجابة على هذا السؤال المبدئي، واحتمال أن لا يكون جواباً بالسلب، من الضروري وضع نضال المسلمات المناضلات من أجل المساواة بين الجنسين في سياقه التاريخي الخاص بهن. ويبين الواقع أن نضالهن ليس هو نفسه نضال إليزابيث بادينتر وغيرها من المناضلين والمناضلات الذين ينسجمون بحماسة مع نضالها.
هل يمكنهن أن يكنّ جزءاً منا ...؟ إن رفض منح زميلاتهن "المسلمات" أية شرعية نضالية ناجمٌ، في الواقع، عن منطق واضح المعالم، كونه يستند إلى فكرة مسبقة وراسخة في ذهنهن مفادها بأن منبع الخضوع وركيزته دينية بالأساس. وبذلك، تتخذ المناضلات المسلمات هذه المرجعية الدينية مرتكزاً لإضفاء الشرعية على بعض ممارساتهن الاجتماعية، خصوصاً ارتداء الحجاب، ما يميز مسار نضالهن، ويجعله على النقيض من مسار نضال العلمانيين، من حيث العمق والمعنى. وبما أن نضال المسلمات من أجل المساواة بين الجنسين يتأقلم ويحترم الأحكام الدينية، فذلك يُعتبر، في نظر العلمانيين، مناقضاً تماماً للنضال من أجل التحرّر الذي كافحن من أجله.
وانطلاقاً من هذه الرؤية، ترفض العلمانيات مجرد تصور إمكانية تمايز النمط والسياق التاريخي
يتم نضال تحرّر المسلمات، أولاً، باعتبارهنّ نساء، وفق مسارٍ مماثلٍ تماماً لمسار المسيحيات أو اليهوديات اللواتي سبقهن في بعض الأحيان، من خلال مقاومة التقاليد الأبوية، وهيمنة نزعة الرجولة التي طالما استغلت ووظفت تفسيرات جد ظرفية للقيمة الدينية، وسيلة لفرض مواقفها وإضفاء الشرعية عليها. لكنّ نضال "النسوية الإسلامية" لم يتوقف عند هذا الحد، لأنه، أيّا كان البلد الذي يقمن فيه، فهن أيضا أفراد في المجتمع (المسلم) المنخرط بشكل جماعي في عملية تحرير (من) أو إثبات الذات (ضد) الوصاية الغربية، السياسية والاقتصادية، ولكن أيضا الثقافية، الموروثة مباشرةً عن الهيمنة الاستعمارية. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن هذا المسار يتضمن بعداً يؤكد على الهوية وإثبات الذات. وعلى النقيض تماماً مع التاريخ الغربي، ترتبط المرجعية الدينية (لدى المسلمين) ارتباطا وثيقا بالثقافة الوطنية والقومية، ولا تشكل هذه المرجعية الدينية بأي حال حاجزاً يتعين تخطّيه، أو كابحاً، أو على الأقل لا تتخذ فقط لهذا الغرض، لأنها تستخدم، في ظروف محدّدة، نقطة ارتكاز أو خزّانا للمرجعيات "الذاتية"، تُعتمد من أنصار النسوية والمجموعة الإسلامية التي تنتمي إليها، للتعبئة وحشد الهمم لمواجهة طغيان ثقافة "الآخر" الغربي الذي يعمل على استحكام هيمنته الرمزية.
لا يختلف هذا التوجّس من المناضلات "اللائكيات"، إزاء نظيراتهن المسلمات، في واقع الأمر، كثيراً عن التوجّس عموماً الذي يميّز "الإنسان الغربي" إزاء كل من يعمل على تأكيد حق المسلم في الاختلاف.
يبدو لدى المناضلات اللائكيات نوع من القناعة الغامضة والراسخة التي تعتبر أن المعجم الوحيد الواجب استخدامه والمنظومة الوحيدة المشروعة والعملية الذي يجب السير وفقها للتعبير عن هذا المطلب (النضال من أجل التحرّر والمساواة بين الجنسين)، هو المسار الذي سارت عليه هذه المناضلات، ومن ثم ترفضن الاعتراف بشرعية طموحات غيرهنّ، على الرغم من مطابقتها، إلى حد كبير، طموحاتهن (كزيادة استقلالية النساء في فضاء الأسرة من جهة، وفي المجال العام من جهة أخرى، سياسياً كان أو اقتصاديا)، عندما تكون هذه الطموحات صادرةً عن الجهات الفاعلة التي تستخدم معجماً آخر ومرجعيات مختلفة عن مرجعياتها.
"هل تستحق المرأة المسلمة مكانتها بيننا؟". أجل. أعتقد ذلك وبكل صدق، وأعتقد أيضاً أنه حان الوقت، وإنه لشرف كبير للجمهورية الفرنسية، ومن أجل مستقبل العيش المشترك بيننا، ضرورة التفطّن لذلك، وإدراك أنّ للمرأة المسلمة مكانتها بيننا.
ترجمة: شريف زياني