وداعاً للكلاسيكية في الاستراتيجية النفطية

04 فبراير 2015
+ الخط -
من الضروري العمل على مراجعة الوزن الاستراتيجي للقوى النفطية المؤثرة في العالم، ومن المعلوم أنَّ من بين القوى المؤثرة في السوق النفطية العالمية هي المملكة العربية السعودية، إذ تعتبر أكبر مصدر للنفط في العالم. والتي أعلنت عمليّاً الانتقال من الاستراتيجية الكلاسيكية في إدارة السوق النفطية الى أخرى تقوم على الحفاظ على الحصص السوقية وفق تكتيك مختلف. 
ويعد النفط من أهم المصادر الطبيعية في المملكة العربية السعودية، وقد اكتشف النفط في أراضيها سنة 1925، ويبلغ إنتاج المملكة اليومي أكثر من 11 مليون برميل، في حين تبلغ صادرات النفط الخام أكثر من 9.6 ملايين برميل يوميّاً.
وتؤكد احتياطيات النفط في السعودية كما تبينها الأرقام، أنها تحتل ثاني أكبر احتياطي في العالم. وتشير التقديرات إلى أن احتياطيها الثابت المؤكد من النفط الخام يبلغ 265,4 مليار برميل. يضاف إلى ذلك 2.5 مليار برميل في المنطقة السعودية الكويتية المحايدة.
وترتبط الاحتياطيات النفطية وتقديراتها بعوامل سياسية وفنية تفنية، وذلك لأن المملكة العربية السعودية قد احتلت في أوقات سابقة أكبر احتياطي نفطي في العالم، حتى أعلنت فنزويلا، أنها قد زادت احتياطيها المؤكد إلى 297 مليار برميل في يناير/ كانون الثاني سنة 2011. وتبلغ نسبة احتياطي النفط السعودي 22.1% من الاحتياطي العالمي للنفط التقليدي. ويقع أكثر من نصف احتياطيات النفط السعودية في ثمانية حقول، فقط، أهمها حقل الغوار، وهو أكبر حقل نفط في العالم، ومع كمية تقدَّر بـ70 مليار برميل. ويأتي 90% من إنتاج النفط في المملكة من خمسة حقول فقط، علماً أن 60% من هذا الإنتاج يصدر من حقل الغوار لوحده.
ويبلغ متوسط إنتاج المملكة من النفط نحو 9.6 ملايين برميل يوميّاً، خلال عام 2015 ككل، فيما سيتراجع الإنتاج بشكل طفيف إلى 9.4 ملايين برميل، خلال عام 2016 ككل، وذلك في ظل سوق نفط عالمية تشهد منافسة حادة، ومع وفرة كبيرة في الإمدادات من دول خارج منظمة (أوبك). وسيتم البدء في تشغيل مصفاة "ياسريف"، التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 0.4 مليون برميل يوميّاً، وسيساهم هذا ومع النمو الاقتصادي المستمر في دعم الطلب المحلي على النفط عام 2015.
وتشهد المملكة العربية السعودية منافسة بين اثنين من أسواقها الرئيسية، وهي الولايات المتحدة والصين، إذ بقيت الصادرات السعودية إلى الولايات المتحدة مستقرة عند 1.4 مليون برميل في اليوم خلال النصف الأول لعام 2014، لكنها هبطت إلى ما دون مليون برميل خلال النصف الثاني لعام 2014. كذلك، تواجه المملكة منافسة في السوق الآسيوية، حيث أقدمت دول أخرى في الشرق الأوسط على خفض أسعارها للبيع إلى آسيا، سائرة في مسار تخفيض الأسعار نفسه.
ويشدّد وزير النفط السعودي علي النعيمي، على أن المملكة العربية السعودية لن تتدخل لإنعاش أسعار النفط حتى لو انخفضت إلى 20 دولاراً للبرميل، وهذا ما يجعل الرؤية الاستراتيجية للمملكة (التي أشرنا إليها في مقالة سابقة) في إدارة السوق اليوم، تتجه إلى الحد من قدرة الدول خارج الأوبك على الإنتاج أولاً، والقدرة الديناميكية لعودة الأوبك إلى سابق عصرها كعامل مؤثر في السوق العالمية ثانيّاً.
ويقول وزير النفط السعودي لصحيفة الفايننشال تايمز، إن المملكة العربية تقود "أوبك" نحو استراتيجية غير تقليدية، وإن دول منظمة "أوبك" في غالبها قد تخلت عن الاستراتيجية التقليدية للمنظمة، إذ كانت هذه الاستراتيجية قائمة على خفض الإنتاج النفطي للحفاظ على أسعار معينة في السوق النفطية، واستبدلتها بسياسة جديدة قائمة على الدفاع عن حصص السوق المخصصة في المجموعة مهما كان الثمن. ويؤكد النعيمي في تصريحات نشرت عنه في نشرة "ميس" النفطية، أنَّه ليس من مصلحة منتجي أوبك خفض إنتاجهم، مهما وصل سعر النفط، وسواء هبطت الأسعار إلى 20 أو 40 أو 50 أو 60 دولاراً، فإن خفض الإنتاج غير مناسب.
إذاً، نجحت السعودية لحد الآن في السيطرة على الأسواق، وهو ما يشكل حسب العرف التجاري نفوذاً استراتيجيّاً. قد تنخفض الأسعار بالتأكيد. ولكن من المفروض أن تتكيف أسعار الوحدات الاقتصادية مع الانخفاض في أسعار النفط، وهو مالم يحدث لحد الآن، وخصوصاً في مجال الطيران والصناعة على سبيل المثال.
(محلل نفطي عراقي)
المساهمون