وداعاً لحورية "ميدان الغزالة"

10 سبتمبر 2014
منحوتة "نبع الحياة"
+ الخط -

قبل عامين، فوجئ سكان العاصمة الليبية طرابلس بمنحوتة "نبع الحياة"، التي يتوسط نصبها المدينة، وقد لُفّت كلياً بغطاء أزرق بلاستيكي محكم بحبال، كأنما لـ"ستر عورتها". الحورية التي تسند بيدها خابية، وتعانق غزالاً يشكّل معها المنحوتة التي يسميها أبناء المدينة "الغزالة والحسناء"، كما يُعرف الميدان المحيط بها بـ"ميدان الغزالة"؛ أصبحت هدفاً في مدينة يبدو كل شيء مستهدفاً فيها.

المنحوتة التي أنجزها الفنان الإيطالي أنجلو فانيتي، وتحافظ على مكانها وسط المدينة منذ عقود، ستعرف ما هو أسوأ من تغليفها بكيس أزرق بشع يحجب جمالها؛ إذ تعرضت أخيراً لقذيفة أثناء المعارك الدائرة في المدينة، ثقبت بطن الحورية وشوّهت "ميدان الغزالة".

أثار هذا الاعتداء غضب كثير من الطرابلسيين، ومن بينهم الروائي منصور بوشناف، الذي عبّر عن استيائه بقوله إنه طالما مثلت هذه المنحوتة خصوصية طرابلس، بجمعها بين الغزال، برمزيته الصحراوية التي تشير إلى المدينة وتاريخها، وحورية البحر الناعمة، المسالمة، التي تعبّر عن وجه طرابلس البحري وأفقها، معتبراً أن استهداف هذا النصب ليس إلا خرقاً وتدميراً لهذا التفاهم الهادئ الذي كانت تعرفه المدينة. ويتساءل بوشناف إن كانت هذه القذيفة قد تعدّت خرق المنحوتة وما تعنيه من علاقة بين الغزال والحورية، لتصبح رمزاً لخرق وقطيعة "بيننا وبين الحضارة الإنسانية".

التمثال، الذي تصف الروائية فريدة المصري بأنه "يحقق جوانب إنسانية، في بعده الفني، ويدلل على النظرة الإيجابية المسالمة"، كان حاضراً بشكل كثيف في نصوص وأعمال كتّاب وفنانين طرابلسيين، كالقاص مفتاح قناو، الذي يستحضره في قصته "عودة القيصر"، والتشكيلي مرعي التليسي.

يحكي قناو عن ذكرياته، هو وأبناء جيله، مع المنحوتة، وعلاقتهم بها: "في الطفولة والمراهقة، كنا نأتي إلى "الغزالة والحورية" بثياب العيد لنلتقط معها صوراً تذكارية قبل ذهابنا إلى السينما التي كانت مزدهرة في ذلك الزمن الجميل". ويضيف: "تذكّرني المنحوتة بـ"مسرح الغزالة" الذي شهد أجمل العروض المسرحية في طرابلس، كما تشكل هذه المنحوتة العالمية جزءاً كبيراً من ذكريات سكان طرابلس".

بدوره، كان التشكيلي مرعي التليسي قد استحضر "نبع الحياة" في عدد كبير من أعماله. يقول: "رسمتُ هذا التمثال في لوحتي الثلاثية "طرابلس"، إذ لم أجد ما قد يمثل طرابلس ويختصرها أكثر من هذا العمل الفني الفريد الذي، لو تأمّله الليبيون المتصارعون حالياً، لفهموا الحكاية، حكاية عناق البر مع البحر".

ويرى التليسي أن الفنان الإيطالي فانيتي قد تفوّق على نفسه في هذه المنحوتة المذهلة، حسب وصفه، والتي يرى في استهدافها بقذيفة جنوناً وتطرفاً مهيناً لذاكرة المدينة.

المساهمون