وجه صديق على رفّ تاريخ الفن

04 يناير 2017
(جون بيرجر في القدس المحتلة، صيف 2008)
+ الخط -

ليس عالمنا فقط هو من فقد جون بيرجر وإنما فقدته فلسطين بشكل خاص، إذ بين قضايا كثيرة انتمى إليها ووقف في صفها عبر سبعة عقود من العمل؛ كان لهذا البلد الصغير المحتلّ والمجروح بالظلم مكانه الخاص في نشاطه وكتابته وضميره ولا سيما في آخر عقدين من حياته، ولعل فلسطين أكثر أرض جمعت أصدقاء لجون.

في شبكة الصداقات الكثيرة والاستثنائية والمخلصة عرفناه دائماً مع أسرته، وبشكل خاص مع بيفرلي، شريكة حياته التي غادرت عالمنا في 2013 وابنه إيف، الرسام والشاعر مع زوجته وطفلته (لم يكن حفيده الأصغر فنست قد ولد).

لا يمكن وصف الحميمية التي يُشيعها جون في كل من حوله، تدفق إنساني هائل، ذكي ولمّاح ومغسول بالحب. مثل شبكة أثيرية يلقيها على كل من حوله. ولم يكن يخفى علينا أنه أحد أهم كتّاب عصرنا وكان من الساحر أن نجد الرجل لا يقل في شيء عن إنتاجه.

أستعيد مقاطع مختلفة من لحظات سعيدة ووجوه أصدقاء وصديقات، فنانين ومثقفين وطلبة ومواطنين فلسطينيين استطاع جون بيرجر نسج علاقة استثنائية مع كل منهم، وأستشعر حزناً في مقام رحيله بمستوى اللحظات العالية وسعادة الصداقة التي شاركنا إياها.

قبل أشهر كنت أحضر فعالية في إحدى مكتبات نيويورك، وكنت منقبضاً بلا سبب. الكتّاب كانوا يقرأون على المنصة. فجأة لمحت وجه جون على كعب كتاب فوق رف تاريخ الفن خلف المنصة الصغيرة. شعرت بارتياح غريب. أبحث عن تلك الكلمات التي سجلتها لحظتها على ورقة صغيرة:

وجهُ صديقٍ على رفّ تاريخ الفن
في مكتبةٍ غريبة
وجهٌ صديقٌ من أيام بيوتٍ من حجر
من أيام صيفِ القُرى
من تلك الأرض التي قطعت وريدكَ منذ زمنٍ لم تعد تتذكّره
تلك الأرض التي دفنَتك وبعثَتك مِراراً
وأحياناً كانت تدفنك ولا تبعثك
وأحياناً كنت تتوسلها أن تدفنك

ما هو تاريخ الفن أصلاً إن لم يكن وجهَ صديق؟

المساهمون