وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا

01 يناير 2015
تصوير السياسة بالظاهرة غير الصحية والمرض المجتمعي هو خواء(Getty)
+ الخط -

منذ بدء الخليقة لم يكن الناس على اتفاق.. خُلقنا متشابهين كجنس بشري وجُبلنا على الاختلاف، فما كان الاختلاف عيباً قط! تعاقبت الأجيال وتوالت الحضارات وبقيت هذه الفطرة في البشر وإن كانت قد أخذت مسميات مختلفة واندرجت تحت تعريفات متفرعة.. ولعل أبرزها "السياسة"، إذن فهي مصطلح يصف كل مجتمع ويعبر عن مكوناته وفئاته والنظام القائم فيه.

فكيف أصبحت "السياسة نجاسة"؟ وكيف يكون الصواب في إنكار ما هو فطري وطبيعي؟ ومن قرّر بأن التحفظ على هذا الموضوع من مقومات المجتمع المثقف والمتطور؟

إنه حقاً لتدهشني الموجات السطحية والآراء الخاوية المناهضة للسياسة والداعية للتملص منها كما العار الذي يكسو من يحملها، بل والترويج لسوئها والنأي عنها بمختلف الطرق وترديد شعارات غير منطقية تناهضها! والحق بأن أحد أهم المؤشرات الدالة على رقي المجتمع فكرياً هو عدد الأحزاب والقوى السياسية المفعّلة فيه، أما غير ذلك فلا يعدو كونه إنكاراً ومكابرة تنافي أبسط مقومات الإنسانية.

إن تصوير السياسة بالظاهرة غير الصحية والمرض المجتمعي هو خواء وتدليس لا منطق له ولا ادعاء به إلا في المدينة الفاضلة حيث يتفق جميع البشر وتنصهر الأعراق والألوان والأفكار والتوجهات وتكون المثالية المطلقة! والأعجب من ذلك أن عدداً ممن يروّجون لهذه الفكرة المعتلة هم أنفسهم مسيسون من الباطن دون.. فعند وقت الفصل تراهم قد تحزبوا وتشكلوا في جماعات تحت أسماء مختلفة.. ولعل أبسط مثال: عندما يصبح الشخص عضواً في "كتلة المستقلين" في البرلمان! أعني كيف هي المعادلة عندما تتحزب مع مجموعة من الأشخاص ثم تنادي بالاستقلالية؟ ألا يعد ذلك ضحكاً على الذقون؟

وبالحديث محلياً عن وضع المجتمع البحريني مع الأخذ بالاعتبار كل العوامل المحيطة به من حيث الانضواء تحت مجلس التعاون الخليجي، وطبيعة نظام الحكم، والمستوى المعيشي، وطبيعة المجتمع المتزنة بين المحافظة والانفتاح، والمستوى الثقافي العالي للشعب فإن ذلك كله قد أدى لوجود تعددية وزخم في الاتجاهات والأحزاب السياسية في المملكة، ولا أخفي إعجابي بالوصول لهذا المستوى المرضي رغم الاعتبار الخاص للمملكة بسبب ما شهدته من اضطرابات في الآونة الأخيرة ورغم ذلك لم تؤد إلى تضييق على الحريات أو إيقاف وتحريم لبعض الجماعات كما جرى في بعض الدول العربية ودول الجوار.

ولعل أبرز ما قيل في هذا السياق: "من لا يفكر فهو متعصب، ومن لا يستطيع التفكير فهو أحمق، ومن لا يجرؤ على التفكير فهو عبد" فدعنا لا ندافع عن العبودية ولا نستميت لاعتناقها.. نحن أروع بتنوعنا، وأجمل بتوجهاتنا، وأصدق بألواننا.. فلن تكون الأوطان جميلة بالنمط الواحد أبداً.. وستبقى التعددية دليل رقي واحتواء وتعايش وحرية! نحن الفسيفساء في لوحة الوطن.. وبكل طاقاتنا سنعمّره!


*البحرين

المساهمون