وجدي الكومي: "إيقاع" مجتمع مهمّش بأكمله

23 اغسطس 2015
(وجدي الكومي)
+ الخط -

لا زالت فكرة الكتابة الواقعية في الأدب العربي متداولة بغير نظرية، رغم تطوّر المفهوم في آداب أخرى، ما يخلق اضطراباً في طرق التعامل بها بين الكتّاب والنقاد.

فالحال اليوم، هو أن أنماطاً ومدارس جديدة في الكتابة السردية، لا زالت تجعل مفردة "واقعية" تبدو في أغلب السياقات كـ"تهمة" تدفع بعض الكتاب إلى إنكار كونهم كتّاباً "يعيدون إنتاج الواقع"، على رأي المفكر الفرنسي جان بودريار، بل ربما يهربون من الواقع/ الواقعية إلى أبعد نقطة ممكنة.

تمثّل رواية وجدي الكومي (1980) الأخيرة "إيقاع"، الصادرة عن "دار الشروق" هذا العام، مدخلاً إلى واقع معيشي مهمّش في مصر، وهو عالم بين السرايات وشريحة المنتمين إلى أجواء "موسيقى المهرجانات"، تلك الموسيقى الشعبية التي ظهرت في السنين الأخيرة وقبلها المصريّون، حيث تجمع بين الفن الشعبي المصري والـ"بوب ميوزك" الأميركية.

لكن الرواية لا تقف هنا، إذ تجلب النقاش إلى دائرة نمط الكتابة، وكيف لها أن تنطلق من واقع ظواهر اجتماعية، ثم تحيل إلى إعادة النظر فيها وفي رؤية هذا الواقع كلّه. ربما هذا ما يجعل الكومي غير عابئ بالصراع حول الواقعية / الكلاسيكية، بل والنظريات الأدبية برمتها، فهو يعمل "على اللغة في المقام الأول".

في حديثه مع "العربي الجديد"، يقول الكومي "إن الجدل المثار حول مدى صلاحية الواقع لكتابته، يجعلني أنظر إلى الأصدقاء الذين يصفون الواقع بـ"مُنتهي الصلاحية" على أنهم "بقالون" يتحدّثون عن بضائع، وليسوا أدباء أو فنانين. أفضّل أن تكون كتاباتي كلاسيكية، على أن أركب أية موجة".

هكذا، يضطر صاحب رواية "الموت يشربها سادة" إلى أن يصف نفسه بالكاتب الكلاسيكي ردّاً على من ينعتون كتابة إعادة إنتاج الواقع بالكلاسيكية، وهو في الأساس لا يفكّر في النظريات التي تنتمي لها كتاباته. يقول الكومي: "أفكّر في ما سيقوله الفن عن هذه الكتابة، هل هي كتابة فنية، أم لا؟ أعتني باكتمال الحبكة وبتفاصيل القصة ومتعتها. أعيد النظر فيها من عدّة زوايا، هل أنا مستمتع بها؟ إذا كانت الحكاية تعجبني، فمن المرجّح أن تعجب من يقرؤُها".

اعتمد الكاتب المصري في روايته على تقنية الأصوات المتعدّدة، تاركاً دور الراوي العليم على عتبة الفصل الأول. يقول: "لعبة الأصوات المتعددة صالحة لمنح الشخصيات حقّها في التعبير عن نفسها، في ظل ارتفاع أصوات تستنكر على أبناء الطبقة الدنيا الفصاحة والبلاغة، بعض الناس استهجن الأقاويل التي وردت على ألسنة الشخصيات في "إيقاع"، وتساءلوا: هل يمتلك البسطاء والعاديون هذه القوة في التعبير عن أنفسهم بهذه المقولات؟".

يحب الكاتب المصري أن يؤكّد هنا "إن الناس في الشارع يمتلكون بلاغة خصبة، ووعياً لا نجده أحياناً لدى النخبة السياسية والاقتصادية، وهؤلاء يرون الناس العاديين عاجزين عن التحرّك نحو أية اختيارات".من هنا يضيف: "أعتقد أن المجتمع مهمّش بأكمله، وظهر لي هذا الأمر من خلال تعالي بعض النقاد واستنكارهم أن يكون بطل روايةٍ مطرب مهرجانات".

تبدو حكاية "إيقاع" مرتبكة بعض الشيء في الفصل الأول، وهي تتّسم بالسينمائية الواضحة، ثم تفتح الحكاية فمها على اتساعه وتبدأ في "التهام" القارئ بكل ثقة.

يوضّح الكومي هذا الارتباك قائلاً: "من الطبيعي أن يصنع سؤال البداية إرباكاً شديداً للكاتب، سؤال البداية في ظل انحسار وقت القراءة وتزايد الضغوط الحياتية، تراجعت فرص الصفحات التي بوسعها أن تأسر قارئاً عابراً لكتاب جديد، في ظل تفوّق الكم الكبير للكتب التي يتم نشرها، على القدرات الشرائية الحقيقية، وتضاؤل المساحة الناقدة في الصحف، التي تعيد إنتاج القرّاء وتُوجّههم نحو الكتابة الجادة الحقيقية".

المساهمون